الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

للصبر حدود يا بلد!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قراءة الواقع الراهن لا تكتمل برصد العناصر الطافية فوق السطح وحدها- رغم أهميتها- ولكن بالجمع بينها وبين ما يجرى فى الأعماق وتفسير بعضها ببعض، خاصة فى ظل تحول معظم الشعب إلى «ندابة» و«معددة» و«لاطمة للخدود»، والمشاركة فى «بكائية» جماعية تحريضية على الأوضاع الراهنة وعلى النظام وحكومته، بل وعلى أنفسهم دون وعى فى أحيان كثيرة.
وكلما أشعلت «الندابة» الحرارة فى الحديث على مواقع التواصل الاجتماعى وفضائيات رجال الأعمال وصحف الإثارة والرايات الحمراء زاد الهجوم والقصف لكل ما هو ناجح وناجع، وتصدير الإحباط والتقليل من أى إنجاز، والتطاول على كل مخلص وشريف يعمل من أجل وطنه ودينه!. 
وإذا كانت وظيفة «الندابة» التى عرفناها فى قرانا بالريف هى البكاء المصطنع والولولة وإشعال الجنازة، لتحصل على أجرها، وأحيانا تحصل على حوافز من المعزين إذا أتقنت دورها، فإن الكثيرات من «الندابات» حاليا يفعلن ذلك دون مقابل ولمصلحة شبكة هدم مصر وتصعيد الغضب الشعبى تجاه كل مؤسسات الدولة «جيشا وقضاء وشرطة وبرلمانا»، والوصول بحالة احتقان وضغينة بين فئات الشعب وضد الرئيس ونظامه!. 
ولا ندرى إلى متى ستظل حالة التربص خاصة من جماعات وائتلافات الشر والعمالة ضد النظام وحكومته، وتحين كل طرف الفرصة للخلاص من الآخر، بل قد يصنع فرصة بنفسه وبتحريض وتمويل من الخارج، كما هو حادث الآن بالإعداد لثورة يدعو لها «الشبعانين» باسم «الجوعانين» ومحاولتهم القفز على كل المكتسبات التى حققها النظام الحالى من أمن واستقرار لا ينكرهما إلا جاحد أو متآمر. 
صحيح هناك أخطاء للنظام وهناك تبعيات اجتماعية خطيرة لهذه الأخطاء متمثلة فى ارتفاع رهيب فى الأسعار واستمرار الفساد فى توريد السلع وزيادة غير رحيمة فى فواتير الغاز والكهرباء والمياه.. إلخ، وبات المصريون محاصرين بين رصاص وغدر خونة الإخوان من ناحية وفساد زبانية الحزب الوطنى المنتشرين فى دواوين الحكومة والبرلمان والمحليات من ناحية ثانية، وتجار الناصرية واليسار وإعلام الغبرة والعار والمرتزقة من ناحية ثالثة!. 
لكن ما كان مبررًا فى الماضى لم يعد مقبولًا الآن، والشعب بقدر ما هو غير مستريح لسياق الأحداث من حوله، بقدر ما هو متطلع لمطلب الإصلاح لا الإسقاط والتنمية والعمران لا التخريب والدمار، وتحضرنى مقولة الدكتور محمد المخزنجى: «آن الأوان أن ننتقل من مرحلة التفكير الاندفاعى الانفعالى الذى كان مُبرَّرًا تحت أقواس نيران حرب شاملة كانت تُشن على مصر من داخلها ومن خارجها، إلى التفكير العقلانى المُتحسِّب للعواقب فى مرحلة بدأت فيها الدولة تتماسك بفضلٍ غير منكور لمتخذ القرار وللجيش والشرطة». 
إن وطن الكبرياء، ليس مجموعًا لمعادلات بنكية، وليس مجرد خرائط نعلقها على حوائط مكاتبنا ومؤسساتنا، وليس أناشيد أو أغنية تذاع فى كل مناسبة، ويتراقص على إيقاعها مجموعة من الهتافين.. كما أنه ليس صفقة نتبادل المساومة عليها ونحن فى بورصات السياسة، ومزادات الرؤى، ودكاكين بيع الوهم والتضليل، وأن النظام الذى يخاف من شعبه لا يستطيع أن يقوده فى عملية تحرير وتنمية وإصلاح ومشروعات نهضوية وحضارية.
ولا أكون مغاليا إذا قلت إن الحالة التى وصلنا إليها الآن بحاجة قصوى للدراسة والتعليل والتفسير لما أصابنا فى ضمائرنا وأخلاقنا وأهدافنا.
كما لم ولن يمنعنى أحد من الاعتقاد بأن هناك مؤامرة تستهدف مصر كوجود، فالدعوة لإحداث فوضى جديدة تتم بمنتهى اللؤم والدناءة والتشيطن، ولنبدأ مرحلة من الصراعات التى تفتك بأرواح أبرياء ورضع من أجل لحلحة ملف أو كسب رهان أو لفت انتباه أو إقناع العالم باعتزال سياحة أرض مصر، وتهيئة الرأى العام العالمى لتلقى الأخبار الصادمة والعواجل الكارثية المتلاحقة القادمة، وتصوير الشرق الأوسط «حاضنة» إرهابية تستحق القسوة المفرطة، واستخدام أسلحة الدمار الشامل والعدوان المتكامل، وحشد أكبر قدر ممكن من المتطوعين فى هذا العالم للمعركة الكبرى من أجل سحق العرب والمسلمين.
ولا يهم الإمبريالية فى سبيل تحقيق أهدافها ما إذا كان هذا «إخوانى ولا سلفى.. تحريرى ولا داعشى.. جهادى ولا صوفى.. علمانى ولا متدين»، فكلهم على المسلخ يذبحون سواء!
إنه شىء محير فعلا، فلا ندرى ماذا حدث لشعبنا الذى غير بسببه الإمام الشافعى ٣٠ مسألة فقهية حتى يتناسب فقهه مع طبيعة معيشة أفراده، حيث أصبح من الصعب أن تتوقع منه ردود الفعل المناسبة للموقف، أو الاستجابة لدعوات الفوضى، ففى الوقت التى تبدو فيه الأحوال المعيشية صعبة وخانقة تجده يتعايش معها ويسايرها بسلاسة، ويخلق منها «إيفيهات»، وعندما تكون هادئة رغم التجاوزات تجده يثور بلا أى مقدمات! 
وأتصور أن الأمر ليس بحاجة إلى التدليل أكثر مما حدث من ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى الآن، للتأكيد على منطق هذا الشعب فى التعامل مع أجندات أحواله ومستقبله، بل وأحوال حكامه ومسئوليه، والشىء الذى يمكن تأكيده أنه لم ولن يرهن مستقبله مرة أخرى بأيدى جماعات الكراهية والعنف والتدين المغشوش.. ولكن للصبر حدود يا بلد.