الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

مفتي الجمهورية السابق نصر واصل في حواره لـ"البوابة نيوز": تجديد الخطاب الديني هو تجديد للأسلوب وليس للأحكام أو الدين

قال: ناديت منذ 10 سنوات بمنع غير المتخصصين من الإفتاء ولم تستجب الدولة

 الدكتور نصر فريد
الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الصهيونية صنعت «داعش» وشوهت كلمات فى القرآن لإلصاقها بالإرهاب
«الأزهر» لم يفشل فى مواجهة الإرهابيين ويقوم بواجبه على أكمل وجه

طالب الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بمنع غير المتخصصين فى العلوم الشرعية بالتصدر لإطلاق الفتاوى سواء كانت على الفضائيات أو فى المساجد.
وأضاف أن كل الجماعات الإرهابية نشأت برعاية صهيونية عالمية، تمدها بالمال والسلاح، وتقتطع نصوصا وآراء من كتب التراث لبعض العلماء، لتلصقها بالدين وتصفها بأنها هى الشريعة ذاتها، مؤكدًا أن تجديد الخطاب الدينى لا يعنى تجديد الدين، ولا الأحكام الشرعية الثابتة، بل هو تجديد أسلوب الإلقاء فقط، وإلى نص الحوار..
■ بعد تصدر غير المؤهلين للفتوى.. هل أنت مع قانون ينظم الفتاوى؟
- نعم، وهذا ما دعونا إليه، حتى تستقيم أمور الناس، ولا تضطرب حياتهم.
■ البعض يقول إن هذا القانون نوع من احتكار الدين لمؤسسة بعينها؟
- لا، هذا الكلام ليس صحيحًا ولا يمت للاحتكار بصلة، وإذا قلنا بأنه احتكار للدين، فلنسمح لغير الأطباء بممارسة مهنة الطب، ونقول وقتها إن الطب ليس بالشهادات، وأن الأولين كانوا يمارسون الطب بدون مؤهلات وبغير أن يدخلوا الجامعات المخصصة لعلوم الطب والصيدلة، كذلك الهندسة، فلا يجوز لأى إنسان أن يفتح مكتب هندسة ويقول إنه يملك خبرة فى العلوم الهندسية وقادر على تأسيس المنشآت والأبنية والعمارات، إذن فقضية التخصص هذه هى من أمور الحياة والتقدم والتطور، والله يقول فى كتابه الكريم: «واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، وبناء عليه هناك أهل الذكر فى الأحكام الشرعية وأصول الدين، وهناك أهل الذكر فى علوم الطب والصيدلة، وهناك أهل الذكر فى العلوم الهندسية، فكيف نبخس الدين حقه ونصدر غير المختصين للدعوة؟
■ ما المقصود بكلمة أهل الذكر؟
- أهل الذكر هؤلاء هم أهل التخصص فى كل مجال، وهم نخبة كل علم وكباره، فهناك أهل الذكر فى الزراعة، وهناك أهل الذكر فى الصناعة، وهناك أهل الذكر فى الثقافة، وهناك أهل الذكر فى التجارة والاقتصاد، ومن يتكلم فى الدين بدون مؤهلات كبيرة، يكون ذلك فى إطار ما يسمى بالثقافة العامة.
■ ما الفارق بين ما سميته بـ«الثقافة العامة».. وأهل الذكر؟
- هؤلاء يمكن أن تكون لديهم ثقافة عامة بالصناعة والزراعة، والدين، لكن هذه الثقافة العامة غير متخصصة، إنما الحكم الشرعى يبنى على التخصص الدقيق فى الشرع، ومن هنا ليس متاحًا لأى إنسان أن يقول أنا عندى قدرة على معرفة علوم الدين، وأنا قرأت كتب التفسير وكتب الحديث وكتب الفقه، وكتب كبار العلماء فى أصول الدين، وحافظ للقرآن الكريم، وبالتالى فهو يقول: ما الفرق بينى وبين خريج الأزهر المتخصص الحاصل على الدكتوراه؟ فهذا الشخص (مدعى العلم) يقول إنه مثله مثل الأزهريين، لكن هذا ليس صحيحا، بل إنه أمر كبير جدًا يضر بالدين.
■ لكنهم يقولون إن العلم الشرعى ليس بالشهادات؟
- نحن لم نقل إنه أصبح بالشهادات، نحن نقول إنه يملك التأهيل التخصصى الدقيق، وكان هذا التخصص يعرف قديما بالإجازة، والأخيرة معناها، أنه بعد أن يحصل على عصارة علوم الشرع من التفسير والحديث والقفه والعلوم اللغوية من النحو والصرف والبلاغة والشعر، فيجرى له نوع من الامتحانات يختبره فيها شيخه، وبناء عليه يقرر أن يمنحه الإجازة من عدمها، إذن كان فى الماضى أيضًا تخصص ومتخصصون، ولم تكن الأمور شائعة، لكن الآن تم تنظيم هذا الأمر، وأصبحت له مؤسسات علمية سواء كانت مؤسسات للصناعة أو للتجارة أو للعلوم الحديثة، وكذلك العلوم الدينية التى لا تقل بحال من الأحوال عن العلوم الأخرى، إن لم تكن أفضل العلوم لأنها متعلقة بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وهذه المؤسسات كلها بدأت تأخذ بالقواعد العلمية الحديثة كى تخرج متخصصين مؤهلين فى كل مجال، والعلوم الشرعية كذلك لا تبعد عن هذا، فلا بد أن تحترم كذلك، ولا يدعى مدعٍ أن هذا نوع من احتكار الدين أو الشرعية، بل هو تكريم وحفظ للدين من غير المتخصصين، ولذلك نحن نقول إن الشخص الذى يسمح له بالفتوى هو الذى يحصل على درجة العالمية فى مجال الفقه، فهو أخذ مفتاحا واحدا فقط، أى قبل الدكتوراه فهو يمتلك ثقافة عامة وغير مسموح له بالفتوى، فبعد أن يأخذ الشخص رسالة العالمية يكون مسئولا عن نفسه فى الخطأ والصواب، وله حق الاجتهاد، «اشمعنا الدين اللى يبقى مشاع، الدين عقيدة وشريعة لكل شخص، فإصدار الأحكام فى الشرع والعقيدة على غيرك أمر خطير جدًا».
■ من وجهة نظرك ما الذى أوصلنا لهذه الدرجة من الإرهاب والتكفير؟
- الذى أوصلنا لهذه الدرجة أنه تصدر للدين وفتاواه غير المتخصصين المؤهلين، فـ«داعش» وكل الجماعات الإرهابية من أخواتها نشأت من هذا الإطار، لأنهم قالوا إن الدين للجميع ونحن من حقنا أن نفتى.
■ لماذا لم يمنع أصحاب الفكر المتشدد من الظهور الإعلامى؟
- للأسف لم يمنعوا، وكلامك هذا مسألة تنظيمية ليس للإفتاء أى دور فيها، ولذلك نحن نقول إن هناك تقصيرا من جهة الدولة، فالأخيرة لم تأخذ من التشريعات ما يمنع هذه الفوضى، وأقول لك أنا طالبت بهذا منذ أكثر من ١٠ سنوات.
■ ما مطالبك التى قدمتها للدولة؟
- طالبت الدولة بتشريع قانون يمنع غير المتخصصين الشرعيين من إصدار الفتاوى لا فى الإعلام ولا فى المساجد.
■ بمناسبة الحديث عن داعش.. كيف ترد على استخدام تلك التنظيمات لنصوص من القرآن والسنة لتبرير أفعالهم؟
- نعم، هم يقولون نصوصًا من القرآن، ولكنهم حرفوها عن مواضيعها، وغير قادرين على فهمها، لأن النص له باطن وله ظاهر، وله عام وله خاص، وله حكم شرعى مختلف من حيث هو حكم ضرورة من عدمه، كل هذه الأمور لا بد أن تأخذ والمفتى يجيب على مستفتيه، لذلك نحن نطالب ألا يمسك أمر الفتوى إلا المؤهلين، حتى لا يحدث إرهاب، فالفتوى ليس مجرد ظاهر النص فقط، هناك عوامل أخرى لا بد أن تؤخذ فى الحسبان.
■ ولكنهم يقولون إن الإسلام ذكر الإرهاب فى القرآن مثل «ترهبون به عدو الله وعدوكم»؟
- كلمة الإرهاب فى الإسلام تعنى التخويف وليس سفك الدماء وقتل النفس، والإفساد فى الأرض، والتفسير الأخير لا يعنى الإرهاب بمعنى القتل، فهذه الآية تعنى فى ديننا تخويف الآخرين حتى لا يهاجمونا، لكن هذه الجماعات استغلت هذه الآية للإفساد فى الأرض، ولخدمة مصالحها، وللأسف الجماعات الإرهابية مثل «داعش» أنشأها الفكر الصهيونى العالمى لإلصاقها بالمسلمين، ليشيع أن الإرهاب هو الإسلام، وأن هذا الإرهاب هو الجهاد فى سبيل الله، وهذا خطأ لأن الإرهاب ليس القتال، بدليل أن الله يقول فى آية أخرى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون به عدو الله وعدوكم»، فمعناها أنك تكون مستعدا لو هجم الكفار، والله أيضا يقول فى آية أخرى: «وأن جنحوا للسلم فاجنح لها»، أى إن طلبوا المسامحة والمصالحة فوافق عليها، فالقوة تدفع القوة.
■ هل ترى أن الأزهر فشل فى مواجهة الإرهابيين بدليل أن عددهم فى تزايد مستمر؟
- الأزهر لم يفشل، الأزهر يقوم بواجبه وأداء رسالته على أكمل وجه، لكن للأسف الأمر الآخر فى غير الأزهر، وبالتالى أتيحت الفرصة والتمويل الغربى والصهيونية العالمية لمثل هؤلاء، من باب فرق تسد، وأعطيت لهم كل الإمكانيات، وقيادات هؤلاء الجماعات يعرفون الحقيقة، لكن الشباب والغالبية العظمى مغرر بهم.
■ بعض الباحثين الغربيين يقولون إن هذه الجماعات خرجت من بطون كتب التراث؟
- هم استغلوا هذا الأمر، وأتوا بمثل هؤلاء الجماعات الإرهابية وأعطوا لهم كتب التراث، حتى يأخذوا منها هذه الآراء التى قيلت فى مناسبات معينة، ويمكنوهم من السلاح لتحقيقها، وهذه الآراء اجتهاد فى زمان معين مثل دار الحرب ودار السلم، ومثل بلاد الكفر وبلاد المسلمين، لأن فى الماضى كانت هناك حرب بين المسلمين وغيرهم، لكن إن تحقق السلام بين الدول فلا حرب ولا غيره، والنبى صلى الله عليه وسلم أول من أسس معنى المواطنة فى وثيقة المدينة، وجعلت كل الناس مواطنين سواسية لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات.
■ من وجهة نظرك كيف ترى الوسيلة المناسبة لتأهيل الأئمة؟
- هو مشروع يبنى على تأهيل علمى دراسى يتم من خلال العلماء والمختصين وأهل الخبرة، لإعطائهم الدراسة المتخصصة حتى يكونوا مؤهلين لبيان الحكم الشرعى الصحيح.
■ هناك من يقول رغم مرور عامين إن الخطاب الدينى لم يجدد؟
- معنى تجديد الخطاب الدينى، هو تجديد الفكرة، وهو ما يسمى بفهم الخطاب، وهذا هو المقصود بالتجديد، لأن الدين متجدد فى ذاته، لكن المقصود تجديد منهج الخطاب، بمعنى لكل مقامٍ مقالٍ، فتجديد الخطاب هو تجديد الأسلوب وليس الخطاب نفسه.