الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

جمال حماد.. مؤرخ ثورة يوليو

 المؤرخ العسكري اللواء
المؤرخ العسكري اللواء أركان حرب جمال حمّاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتقل إلى رحمة الله اليوم الخميس المؤرخ العسكري اللواء أركان حرب جمال حمّاد عن عمر يناهز ٩٥ عامًا.
والفقيد الراحل أحد الضباط الأحرار وقد تقلد العديد من المناصب منها، أركان حرب سلاح المشاه قبل قيام ثورة 23 يوليو، الملحق العسكري بالعراق والأردن وسوريا ولبنان، كبير معلمى الكلية الحربية، قائد معهد المشاه، رئيس هيئة الخبراء باليمن، قائد منطقة العريش العسكرية، محافظ كفر الشيخ، محافظ المنوفية، وأصدر عدة كتب عن ثورة يوليو وأسرارها حتى لقب بمؤرخ الثورة.
واللواء أركان الحرب محمود جمال الدين إبراهيم محمد حماد، من كبار أعلام العسكرية المصرية الشوامخ، الذي لا يكف عن العطاء منذ تخرج في الكلية الحربية سنة 1939 وحتى خروجه للتقاعد في منتصف الستينيات، حيث كان من صنّاع ثورة يوليو 1952، وكتب بيانها الشهير، وكان شاهد عيان على أحداثها والأحداث التي وقعت في مصر بعد ذلك إلى اليوم.
ترجم جمال حماد مشاهداته إلى كتب تاريخية رائعة استفاد منها المتخصص والمثقف والرجل العادى بما يملكه من لغة بسيطة تبتعد عن التعقيد وحجة قوية وصدق مع النفس وهذه الكتب أرخت لثورة يوليو وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر العظيمة حيث يحتل كتابه "المعارك الحربية على الجبهة المصرية" صدارة المؤلفات التي كتبت عن هذه الحرب العظيمة التي يكشف عن أسرارها كل يوم.
كما كان الراحل أديبًا ذائع الصيت في الشعر والرواية، ودار بينه وبين عدد من كتاب الناصرية معارك فكرية حول ما أورده في كتبه وحواراته، ومنها شهادته المطولة على العصر في قناة الجزيرة التي أحدثت ضجة كبرى.
ولد جمال حماد في مدينة القاهرة في 10 مايو سنة 1921 لأب يدعى الشيخ إبراهيم محمد حماد من أصول ريفية من قرية صغيرة اسمها “شبرا ريس”، مركز شبراخيت محافظة البحيرة، جاء هذا الوالد إلى القاهرة ليتعلم في الأزهر ويتخرج منه ويعمل مدرسا للغة العربية، ويتعلم منه الطفل جمال علوم العربية ويغرم بها وبالشعر على وجه الخصوص، ورزق البيان وسحره وامتلاكه لناصية اللغة ويولع بقراءة الشعر والتاريخ في مكتبة أبيه العامرة ومازال جمال حماد يرتبط بأبيه روحيا ومعنويا حتى رحل الأب عام 1958.
وبعد حصول جمال حماد على البكالوريا التحق بالكلية الحربية ليتخرج فيها عام 1939 ويتخرج معه في نفس دفعته: المشير عبدالحكيم عامر، وصلاح سالم، وصلاح نصر النجومى مدير المخابرات العامة الأسبق.
خدم جمال حماد بالوحدات والتشكيلات واكتسب خبرات جمة وكان عنده الفضول والإصرار ليتعلم الكثير والكثير في العلوم العسكرية والمدنية، وذاع صيته قبيل ثورة يوليو بما كان ينشره من مقالات ودراسات عسكرية وتاريخية ومن إبداع شعرى، وكان نزّاعًا إلى التعليم فليلتحق بكلية أركان الحرب ليحصل على ماجستير علوم عسكرية من هذه الكلية عام 1950، ثم حصل على بعثة قادة الألوية من كلية أركان حرب بالاتحاد السوفيتي عام 1959.

حماد.. وثورة يوليو
تولى جمال حماد أركان حرب سلاح المشاة (قبل قيام ثورة يوليو) وكان برتبة صاغ (رائد)، وكان اللواء محمد نجيب مديرًا لإدارة المشاة، وتعرف عليه عن قرب وازداد به وثوقا، وينضم في هذه الفترة لتنظيم الضباط الأحرار عن طريق صديقه الصاغ أ.ح عبدالحكيم عامر.
كان يشترك في الفعاليات الأولى لثورة 23 يوليو 1952، ويكتب بنفسه البيان الذي ألقاه البكباشى أنور السادات صباح يوم 23 يوليو من مقر هيئة الإذاعة، ويتصل حماد بعد ذلك باللواء محمد نجيب الذي حضر بسيارته الخاصة إلى مبنى رئاسة الجيش بعد أن تم الاستيلاء عليه بمقدمة الكتيبة الأولى مشاه التي يقودها البكباشى يوسف صديق والذي لولاه لفشلت الثورة وذلك لأن الملك فاروق الذي كان يحتفل بتشكيل وزارة الهلالى في قصر رأس التين بالإسكندرية، علم بالأمر وكلف الفريق حيدر باشا بالقضاء على هذه الحركة الذي كلف بدوره الفريق حسين فريد رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الذي اجتمع بكبار قيادات الجيش لمناقشة، وبينما هو جالس في مكتبه تصل قوات يوسف صديق ويتم القبض عليه وهو مجتمع بهم، ونجحت الثورة وغادر الملك يوم 26 يوليو 1952 بعد أن وقع على التنازل عن العرش لابنه الرضيع أحمد فؤاد الثانى ويتولى جمال حماد مدير مكتب القائد العام محمد نجيب.
عين كملحق عسكري بالدول العربية (سوريا، لبنان، الأردن، العراق) ثم مديرًا للقيادة المصرية السورية المشتركة في دمشق، ثم يعود إلى الكلية الحربية مرة كبيرًا للمعلمين بعدها عين قائدًا للواء 18 المشاة وقائد منطقة العريش العسكرية ثم رئيسًا لهيئة الاتصال بقوات الأمم المتحدة (سيناء وقطاع غزة)، ثم قائدًا لمعهد المشاة، ثم رئيسا لهيئة الخبراء باليمن، ثم يحال للتقاعد رتبة اللواء ويعين محافظًا كفر الشيخ، ثم محافظًا للمنوفية.
جمال حماد مؤرخًا
كان اللواء جمال حماد ملمًا بتاريخ مصر والعرب والإسلام في كل عصوره، وكان موسوعيًا في هذا الأمر إلى أبعد حد، ولم يكن يصبغ الأحداث بلون فكرى كما فعل غيره الذين يتعصبون لمذاهبهم وألوانهم السياسية.
وقد ألف العديد من الكتب والمقالات والردود حول ثورة يوليو التي تحولت إلى انقلاب على يد جمال عبدالناصر 1954، ومنها كتابه “23يولية 1952 أطول يوم في تاريخ مصر” الذي صدر عن كتاب الهلال، ثم كتابه "الحكومة الخفية في عهد عبدالناصر" يتعرض فيه لسلبيات ثورة يوليو وإخفاقاتها ثم كتابه الأهم "أسرار ثورة 23 يوليو" الذي صدر عن "دار العلوم للنشر والتوزيع" يعيد حماد قراءة التاريخ، محللا جميع الوثائق المتاحة عن الثورة، بل عن الفترة التمهيدية لها.
كذلك أرخ لحرب أكتوبر كتابين له الأول بعنوان "من سيناء إلى الجولان" وكان قد نشره منجمًا على حلقات في مجلة “أكتوبر” تحدث فيه على نكسة 5 يونيو1967 وقد دار بينه وبين الدكتور عبدالعظيم محمد رمضان المؤرخ المعروف، معركة فكرية بعد أن نشر عبدالعظيم رمضان حلقات كتابه “تحطيم الألهة” عن حرب الاستنزاف.
جمال حماد أديبًا
اشتهر اللواء جمال حماد بدوره في ثورة يوليو وتأريخه لها وللأحداث التي تلتها ومن أشهرها حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر كما أسلفنا إلا أن الرجل غزته ربة الشعر وهو صغير كان يكتب الرائق منه والأصيل وينشره في المجلات والصحف وكتب قبل الثورة “نشيد المشاة”، وصدر له ديوان شعرى “بين قلبى وحسامى” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2009، وضم مجموعة من القصائد كتبتها على مدى عمره.
وربما لم يكتب الكثير من الشعر لأنه لم يكن لديه الوقت الكافى لذلك، وقد التزم في كتابة أشعار ديوان «بين قلبى وحسامى» بالقالب العمودى وفى هذا يقول: “والدى الشيخ إبراهيم حماد علمنى الشعر العمودى، وأنا حرصت على الالتزام بما علمنى إياه، وأبدأ قصائدى بالغزل سيرا على خطى القدماء، أعلم أن الكثير من الشعراء اليوم يريدون التحرر من القالب الشعرى الموجود منذ الجاهلية، أيام معلقات امرئ القيس وطرفة بن العبد، ولكنى أرفض نبذ القالب الذي نجح نجاحا عظيما، ومازال يحظى بالتصفيق، وتعلمت من القدماء أن هناك شطرين للشعر وهما الوزن والقافية، وبلاهما لا يكون ما يكتب شعرا، لأن العروض هو موسيقى الشعر”. وفى هذا يرفض شعر التفعيلة الذي رفضه العديد من إعلام عصره منهم الكاتب الكبير عباس محمود العقاد والمؤرخ الفنى والشاعر كمال النجمى الذي رفض هذا النمط من الشاعر واطلق على اصحابه لقب “الشعارير”.
وأشهر قصائد الديوان قصيدة “من وحى صفاء” التي كتبها في اليمن عندما ذهب إليها في سنة 1964 رئيسا لهيئة الخبراء وانفعل بالجو العام وسط الجبال والفيافى وكانت المناسبة عيد الثورة.
وهناك موقف ترجمه حماد شعرًا من خلال هذه الديوان وهو مأساة قريبه “مالك” وكان شابًا وسيمًا ثريا لكنه يعاني من أزمة حقيقية، فما يكاد يصادف امرأة جميلة حتى يذوب فيها حبًا ويقرر الزواج بها وكانت الأسرة تتدخل سريعًا لكبح جماح قلبه المراهق، ومن تلك الحكايات ما حدث مع راقصة اسمها “فتكات” عرفها في ملهي في شارع الهرم وبرغم علمه بضحاياها من أمثاله الذين نهبت أموالهم ثم تركتهم للإفلاس والضياع عشقها.
كما تأثر الشاعر جمال حماد بأرباب السيف والقلم من الشعراء امثال: البارودى وحافظ إبراهيم وعبدالحليم المصرى، وهو من وضع نشيد المشاة وقد وضع ألحانه العقيد عبدالحميد عبدالرحمن، مدير الموسيقات العسكرية بالجيش وقتئذ وكان يذاع من دار الإذاعة المصرية غناء المجموعة تقول بعض أبياته:
شعار المشاة وهبنا الحياة لنصر البلاد ومجد الوطن سلوا الدهر عنا فمنذ القدم حمينا الذمار رفعنا العلم
أما النشيد الثاني فهو “صرخة الأحرار” وقد لحنه الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب وغنته المطربة الكبيرة نجاة، وكان يبث من الإذاعة المصرية أقول فيه: يا بلادي أنت ثورة أشعلت نورًا ونارًا كعبة للعرب حرة ترفع الحق شعارًا.
أما النشيد الثالث فكان بعنوان “يا رفاق المجد” وقد غنته المجموعة بلحن الموسيقار الكبير محمود الشريف، وقد أذاعته دار الإذاعة المصرية لشحذ الهمم عقب هزيمة 1967، ومنه الأبيات التي تقول: يا رفاق المجد هذا وطني راسخ الإيمان فوق المحن.
أما نشيد الكلية الحربية فقد كان يذاع في عهد الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) وقد حاكيت فيه إيقاع الموسيقي العسكرية التي كانت تعزف مارش الكلية الحربية الذي تم تغييره أخيرًا، أقول فيه: أُسد الحمي هيا بنا نحو العلا تحت العلم.
وقد ولج مجال الرواية وخلف في هذا روايتين الأولى رواية “غروب وشروق”، وعن ظروف كتابتها يقول: “كتبتها في اليمن في شهر رمضان، عندما توقفت الحرب احتراما للشهر الكريم، حيث وجدت نوعا من الفراغ، منحنى الفرصة للكتابة، فكنت أكتب من الفجر إلى موعد الإفطار، ومن بعد الإفطار إلى السحور، وفى الصباح أعطيها للسكرتارية ليجمعوا ما كتبته، وهى تعتبر من أحسن 100 رواية في القرن العشرين..” وهى تتعرض للأيام الأخيرة قبيل ثورة يوليو عندما البوليس السياسة وتفشى دوره في الحياة المصرية وطارد المعارضين في كل مكان، وكتبها بسرد شيق معتمدا على معاصرته لمعظم أحداثها ومعايشته لأحداثها على أرض الواقع...وقد تحولت الرواية إلى فيلم سينمائى حاز إعجاب المشاهدين ومازال إلى اليوم...وقد تكررت تجربته مع الرواية في عمل آخر بعنوان “وثالثهم الشيطان” وأنتجت في فيلم من بطولة محمود ياسين، وميرفت أمين، وهى رواية سيكولوجية وليست سياسية، لكن “غروب وشروق” طغت عليها.