رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

التفسير المسيحي لأشعياء 19

القس مينا مرقص
القس مينا مرقص
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشيع في الآونة الأخيرة أقاويل حول العهد القديم عامة وسفر إشعياء خاصة وآخرها ما أثير على فم الدكتور الجليل الذي احترمه الدكتور سيد القمنى حول اتهامه للمسيحيين بعدم الوطنية واحتواء العهد القديم أمنيات بالخراب لمصرنا الحبيبة.
لهذا شرعت في كتابة التفسير المسيحي للنص الذي أشار إليه الدكتور سيد القمني وهو الاصحاح التاسع عشر من سفر إشعياء.
في البداية قبل الحديث عن إصحاح "19 " أود أن أشير في هذا المقام إلى عدة أمور هامة تساعدنا في فهم هذا النص:
أولًا: لجوء البعض لتفسير النص الكتابي في ضوء الأحداث هو خطأ فادح يقع فيه البعض، (بمعنى عندما يحدث أمر ما يذهب البعض للكتاب المقدس ليجد له مبرر أو تفسير)
وهذا يضع الكتاب تحت الحدث، وإنما العكس، بمعنى أن نرى رسالة الكتاب التي تخاطب واقعنا المتغير والأحداث التي نعيش فيها. إننا نؤمن أن النص ثابت ومقدس لكن رسالته تختلف باختلاف الظروف والأزمنة.
ثانيًا: إن أنبياء العهد القديم يتكلمون لشعوب العهد القديم المعاصرة لهم. عن مشاكلهم الروحية والاجتماعية والأخلاقية في ذلك الزمان ولم تكن رسائلهم أو دورهم هو التنبؤ بالمستقبل البعيد لأناس يعيشون في القرن ال21.
وحتى عندما يتكلم عن الشعوب الأخرى فهو يتكلم عن الشعوب التي كانت تتعامل مع شعب الله في العهد القديم آنذاك.
فليس من المنطقي أن يكلم الله شعبه في القرن الثامن قبل الميلاد عن أحداث ستحدث في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد. ما قيمة هذه النبوة لأولئك الذين سمعوها إن لم تكن لها رسالة تخاطب واقعهم في زمانهم.
ثالثًا: ما كان بالنسبة للشعب في القرن الثامن قبل الميلاد مستقبلًا أصبح لنا في القرن 21 ماضيًا، ومن الخطأ عند تفسير النبوءات أن نقفز إلى المستقبل مباشرة.
رابعًا: كانت المطالب الإلهية هي دائرة اهتمام الأنبياء. ولذلك كانت الرسالة الرئيسية للأنبياء هي تذكير الشعب بالمطالب الإلهية وكشف خطاياهم. عندما يبتعد الشعب عن الله كانت رسالة الأنبياء تدعوهم للتوبة والرجوع. فإذا لم يتوبوا فهناك عقاب وإذا تابوا ورجعوا عن طريقهم الرديئة فهناك أمل ورجاء في مستقبل أفضل.
خامسًا: فعندما يتكلم الأنبياء عن دينونة مصر وآشور وبابل وموآب وغيرهم فهي رسالة تشجيع موجهة لشعبه الخاص. وفي نفس الوقت هي إعلان سيادة الله على كل الشعوب الأخرى فالله ليس إلهًا خاصًا لشعبه بقدر ما هو إله كل الشعوب يدينها ويعلن حكمه عليها وهو أيضًا يفتح بابه لتوبة ورجوع هذه الممالك فكل شعوب الأرض هي خليقته.
نأتي الآن إلى نص "إشعياء 19"
في واقع الأمر كلما يحدث أمر هام أو تغير سياسي أو كارثة طبيعية يكون لسفر أشعياء بصفة عامة ولإصحاح 19 بصفة خاصة نصيب الأسد من التفسيرات.
فمثلا حرب الخليج وغيرها ظهر كمّ من التفسيرات حول نهاية مصر وبلاد العرب وغيرها من الأحداث.
وأقربها بعد الأحداث الماضية والراهنة بخصوص ثورة 25 يناير، وثورة 30 يونيو، وسد النهضة وتعثر الاقتصاد المصري، لجأ الكثير من الناس إلى الإصحاح 19 في محاولة لتفسير ما يحدث في الشارع المصري.
طرح الناس مجموعة من الأسئلة حول نوعية الدينونة القادمة على مصر وزمنها، وهل بالفعل ما يحدث الآن هو ما تكلم عنه اشعياء؟، ومَنْ هو الحاكم القاسي؟، وهل سيحكمنا حاكم أجنبي قريبًا؟، وهل سيكون سد النهضة سببًا في جفاف النهر؟،
في البداية أود أن أسأل سؤالًا افتراضيًا ما دور ورسالة هذا الإصحاح للمؤمنين في أي بلد خارج مصر؟ هل هذا الإصحاح يعنيهم وهل يتكلم إليهم أم لا؟ ماذا لو لم يوجد مسيحيين في مصر ولا كتاب مقدس. هل كان يمثل هذا الإصحاح أهمية بالنسبة لهذا الشعب؟ هل كان سيطرح الناس نفس الأسئلة؟؟ هل كان سُيتهم المسيحيين بعدم الوطنية؟؟؟ هل كان سيسمع هؤلاء عن نبؤة إشعياء؟؟؟ بالطبع الاجابة على كل هذه الاسئلة... لا
ينقسم إشعياء 19 إلى قسمين أساسيين:
الأول:من الاية (1- 17) إعلان دينونة على مصر،،،
الثاني: ومن الاية (18- 25) إعلان وعد لله بالبركة لهذا الشعب.وهذه سمة عامة في الكتابات النبوية إعلان دينونة ثم إعلان رجاء
وتعتبر الآية(22)وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ " هي الفكرة الرئيسية في هذا الإصحاح.
القسم الأول: من عدد 1- 17 وفيه يعلن النبي دينونة الله والخراب القادم على مصر.
أولا: فساد وحدوث حروب أهلية (1- 4)
ويبدأها بقوله"هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ"، بمعني أنه لا شيء ولا أحد يعوق مجيئه إلى مصر.
يري البعض أن هذه الآية تُشير إلى الحرب الأهلية في الفترة من 720- 716ق.م تحت حكم الفرعون osorkon الرابع.
لكن في موسوعة مصر القديمة للعلامة سليم حسن، كتب في المجلد الثالث عشر هذه العبارة" في سنة 750 ق.م__وهو نفس الوقت الذي كتب فيه إشعياء نبوته__، كانت مصر مقسمة إلى 18 مملكة (والبعض يقول 12)، وكل مملكة لها ملكها المستقل.
ويسمي الكاتب سليم حسن هذه الفترة " فترة الخراب الكبير" ويسميها في المجلد الثاني عشر" فترة الاضطراب العظيم" إذا هذه هي الفترة التي يتحدث عنها إشعياء التي فيها مصر كانت مقسمة إلى ممالك وقامت بعض الممالك على الأخرى، وفيها كفت مصر على أن تكون الدولة الفرعونية العظمى،.
بعد هذه الفترة صارت مصر تُحكم من ليبيا ومن السودان أو الحبشة. ثم حدثت فيها نهضة بسيطة من ملكين مصريين، حاولا أن يجمعا شتاتها، لكن جاءها قمبيز الفارسي وغزاها في 525.
وقد كانت إستراتيجية الله في هذا الوقت هو جعل مصر الواثقة جدا في أمانها وقوتها دولة ذليلة لا تستطيع أن تحمي نفسها وعندها تصرخ إلى الرب.
ثانيًا: القضاء على الموارد الطبيعية وضرب الاقتصاد المصري في ذلك الوقت. (5- 10)
هذه الدينونة تشير إلى شيئين:
الأول هو أن حياة أو موت مصر أو أي أمة أخرى هي في يد الله، لأن النيل كان ولا يزال هو شريان الحياة لمصر.
والأمر الثاني: هو إثبات سلطان الله الفريد وضرب فكرة أن فرعون هو واهب النيل وحافظه، فقد ظن فرعون أنه هو صاحب النيل وأن النيل هو ملكه الخاص...." (حز 29: 3)تَكَلَّمْ وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا عَلَيْكَ يَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ، التِّمْسَاحُ الْكَبِيرُ الرَّابِضُ فِي وَسْطِ أَنْهَارِهِ، الَّذِي قَالَ: نَهْرِي لِي، وَأَنَا عَمِلْتُهُ لِنَفْسِي."
وهذه النبوة لم تتحقق حرفيًا فهي نبوة مشروطة بالتوبة والرجوع إلى الله، وهذا ما حدث في الأعداد (18- 25) إذ يظهر أن المصريين تابوا عن أعمالهم الرديئة.
ثالثًا: ضرب حكمة المصريين (11- 15)
اشتهر المصريين قديمًا بالحكمة والعلم والمعرفة والفكرة الرئيسية هو إعلان أن الله هو مصدر الفهم والنور والعلم والحكمة، فهو واهب كل هذه المعارف وهو أيضًا القادر أن يأخذها أو ينزعها مرة أخرى.
رابعًا: ضعف قوة المصريين في مقابل قوة الله (16- 17)
صورة من صور القوة في مصر كانت الموارد البشرية والجيش القوى الذي كان يعتمد بصورة أساسية على المشاة، وهنا يعلن أنه لا قوة أخرى غير قوة الله، بالدرجة التي يكون فيها محاربي مصر كالنساء، وهو تعبير ساخر من قوة مصر.
وقد يكون اشعياء يقصد الوقت الذي حارب فيه قمبيز الفارسي (525 ق. م) مصر مستخدما في ذلك يهوذا.
القسم الثاني
وهو وعد بالبركة لمصر من الأعداد (18- 25) فيحتوي على إعلانات خاصة بمستقبل مصر (بالنسبة للمستمع الأصلي وليس بالنسبة لنا).
الإعلان الأول هو خاص بمعرفة الرب (18)فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ».
، وهنا إشارة إلى وجود تجمعات يهودية (الإشارة لي المدن الخمس)، ومجموعات تعلن ولائها لرب الجنود، وقال عنهم أحد المؤرخين أن عددهم في زمن الإسكندر كان نحو ألف ألف.
ثم تنتشر معرفة الرب في مصر ليصبح له مذبحًا (كناية عن العبادة) وعمود (كناية عن الشهادة) أي أنه سيكون للرب أناس يعبدونه ويكون لهم هو الإله الحقيقي الوحيد.
وقد تحققت هذه النبوة عام 180- 145 ق. م على يد رئيس الكهنة أونياس الرابع الذي هرب إلى مصر من قسوة انتيخوس ابيفانس وبني مذبحًا في مدينة (لينتو بوليس- تل اليهودية حاليًا جنوب شبين القناطر في الدلتا على بعد 3 كم منها)
لكن المُرجح ليست الحرفية ولكن هو معرفة الرب في وسط ارض مصر ويختبر الناس حضور الله في ارض مصر.
الإعلان الثاني: عهد السلام (23)
(23)فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ.
القول"(23) سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ" يُرجح أنها ليست حرفية لكن يُقصد بها أنه ستزول العداوة بينهما وان طريق الحرب سيكون طريقًا للسلام، وبما أن مصر وآشور كانت القوتين الكبيرتين في هذا الوقت فهذا يعنى ضمنيًا أن عبادة الإله الحقيقي ستعرف في كل العالم.
الإعلان الثالث: (24- 25) (24)فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، (25)بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».
في زمن الاسكندر الأكبر كان اليهود ثلاثة أقسام:
الأول في اليهودية.
الثاني في بابل.
الثالث في مصر.
وكانت المركزية للديانة في أورشليم ويذهب إليها كل من اليهود المصريين والآشوريين لتقديم العبادة وبهذا تكون قد تحققت النبوة.
والعدد الأخير " (إش 19: 25)بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ"
الله هنا يقول ثلاث كلمات هامة ( شعبي- عمل يديّ- ميراثي) وهى الألفاظ التي كانت حصرية لإسرائيل يهبها الله للأمم الاخري ومنها مصر الذي خصها بالبركة، فشعب الله هو كل مَنْ يؤمن به ويعبده ويعلن ولاءه له.
البركة هنا أيضًا ليست فقط معرفة الرب وإنما أن الرب سيسمع لصراخ المصريين ويخلصهم من يد الحاكم القاسي تمًاما كما سمع لشعب الله(إسرائيل في ذلك الوقت) عندما كان مستعبد لفرعون مصر. والرب سيهتم بآشور، الله لا يسمع أنات شعب إسرائيل فقط لكن يسمع أيضًا هؤلاء الذي يأتون إليه بأناتهم من كل شعوب الأرض وخاص مصر وبابل.