الأمريكان مغرمون بالإحصاءات، وبما أنهم كذلك، فلاحظوا ما یحدث فى بلادهم خلال ٢٤ ساعة.
ففى كل يوم ينتقل ٢٠٨ آلاف مواطن إلى منازل جديدة وينتقل ٢٥ ألفًا إلى ولايات أخرى، ومن جراء هذه العملية يزحف مركز الثقل السكاني بمعدل ٣٢ مترًا يوميًا نحو الجنوب الغربي.
تصدر الحكومة ٧٠ صفحة جديدة من الأنظمة.
يبلغ ٦٠ مواطنًا عامهم المائة ويبلغ نحو ٧٨ ألفًا الخامسة والستين.
تعلن ٢٦٧ شركة إفلاسها، وتؤسس ٨٨٩ شركة جديدة، ويصبح ١٣٥ مواطنًا من أصحاب الملايين.
يضيف متحف سميستسونيان ٢٥٠٠ قطعة إلى مجموعاته.
يشترى الأمريكيون ٦٥ ألف سيارة وشاحنة جديدة ويحطمون ١٠٧ آلاف سيارة. يوجه ٣٠ ألف شخص رسائل إلى رئيس الجمهورية، يطلق أكثر من ٧٤ ألف شخص ويتزوج ٢٤ ألفًا.
تعض الكلاب ٢١ ألف مواطن، ويلتهم الأمريكيون ٤٠ هكتارًا من البيتزا و٧٤ مليون قطعة سجق «هوت دوغ» و١٩٠ مليون بيضة و١٥ مليون لتر من الجيلاتى «آيس كريم» و٤ آلاف طن من السكاكر.
يشربون من الجعة ـ أى البيرة ـ ما مقداره بحيرة متوسطة.
يركضون مسافة ٣٢ مليون كيلومتر فيحرقون مليارين و٢٠٠ ألف وحدة حرارية.
لاحظوا أننى ابتعدت نهائيًا عن جرائم القتل والاغتصاب والسرقة، وكذلك الاختراعات والاكتشافات، والإبداعات فى مجال الأدب والفن.
وابتعدت متعمدًا عن الجانب المظلم والمشرق فى أمريكا، لأضعها كما هى مجردة أمامكم. ظهرت أخيرًا أسطوانة جديدة سجلت عليها موسيقى القِرب، ومن بينها أربعة ألحان أسكتلندية مفضلة، ولكن الصوت بدا غريبًا على آذان خبراء الموسيقى، حتى إن إيان ماكليود، قائد فرقة موسيقى القِرب، اضطر لأن يستمع إليها مرتين، ثم ابتسم بعد أن عرف السر. لقد سجل الشريط الأصلى كله بالمقلوب!
ومن سوء الحظ أن الأسطوانات كانت قد وزعت بالفعل على المتاجر حيث بيع منها آلاف الأسطوانات على الفور، وحتى الآن لم يقدم أحد ممن اشتروها أى شكوى.
وهذه ذكرتنى بمدرسة «العبث واللامعقول» التى ظهرت فى الأدب والمسرح فى مصر بالستينيات، وذلك عندما كتب أنيس منصور مسرحية «خنفشارية» مدعيًا أنها من تأليف «بيكيت»، وتناولها النقاد بالحفاوة والمديح إلى أن انكشفت الفضيحة.
وكذلك عرضت فى أحد المتاحف بباريس لوحة لـ«كاندونسكي» من دون توقيع، وعلقت فى المعرض رأسًا على عقب، ولم يلاحظ ذلك نقاد الفن الذين كانوا يتقاطرون على المعرض يوميًا، وبعد أكثر من شهر انتبه أحدهم لذلك الخطأ.
ما أكثر الأشياء المقلوبة والمزيفة فى حياة الناس، ومع ذلك يمارسونها ويعايشونها دون وعي، وكأن على قلوبهم وعيونهم غشاوة.
نقلًا عن الشرق الأوسط
