«صناديق الحسابات الخاصة بوابة للفساد»، هذه العبارة الصادمة أطلقها الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، من فوق منصة المجلس، مطالبا بضم هذه الصناديق لموازنة الدولة، حيث مرت هذه العبارة مرور الكرام على الحكومة دون تعقيب أو تعليق من جانب الوزراء الذين شهدوا هذه الجلسة، والتزموا الصمت دون أن يسارع رئيس الوزراء بإلقاء بيان أمام المجلس لتوضيح كل الحقائق.
وقصة صناديق الحسابات الخاصة من القصص القديمة التى أثيرت كثيرًا تحت قبة البرلمان، سواء قبل ٢٥ يناير أو بعدها، وتعددت المطالب البرلمانية بضرورة ضم هذه الصناديق لموازنة الدولة دون تنفيذ هذه المطالب، ودون تقديم مبررات من جانب الحكومة إزاء عدم تنفيذ هذه المطالب، لتظل الصناديق الخاصة لغزًا كبيرًا.
وطبقًا لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، فإن موارد الصناديق الخاصة تقدر بما يزيد على ٦٠٠ مليار جنيه، ويقدر عدد الصناديق والحسابات الخاصة بأكثر من ٦٥٠ صندوقا وحسابا خاصا فى الحكومة والمحليات، ولدى مجلس النواب الحالى ما يزيد على ٥٠ تقريرا حول تقييم عمل ونشاط هذه الصناديق، مودعة بلجان المجلس دون مناقشة.
وكما يقول طارق حسانين، نائب إمبابة ومقدم طلب مناقشة عامة حول قطاع الأعمال العام: «إن هناك صناديق وحسابات خاصة لدى شركات قطاع الأعمال العام تحتاج للدمج فى موازنة الدولة، حتى تمكن مواجهة عجز الموازنة الذى بلغ نحو ٣٠٠ مليار جنيه، خاصة أن هذه الصناديق والحسابات الخاصة بعيدتان عن أى رقابة مالية».
وأضاف: «إن رئيس المجلس عنده كل الحق فيما أعلنه بأن الصناديق الخاصة بوابة للفساد، خاصة أن بعض الجهات تقوم بإنفاق مبالغ دون وجه حق، كمكافآت مالية، وأيضا تحويل الفائض فى ميزانية بعض الجهات الحكومية إلى تلك الصناديق بدلا من ردها للخزانة العامة للدولة، وأن بعض المحافظات التى تشكو من نقص الموارد المالية لديها صناديق خاصة بها تراكمات من الأموال لا تتم الاستفادة بها».
ويؤكد محمد عبدالله زين، نائب البحيرة ووكيل لجنة النقل والمواصلات وعضو الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، تقديمه بطلب موقع عليه من ١٢٠ نائبًا بالمجلس، لتشكيل لجنة تقصى حقائق حول الصناديق والحسابات الخاصة، خاصة بالهيئات والمرافق المتصلة بمصالح المواطنين، مثل مياه الشرب والكهرباء والصرف الصحى.
وقال وكيل لجنة النقل: «إن هناك نصوصًا فى قانون الموازنة العامة الذى أقره مجلس النواب تضمن ضرورة تحويل ١٠٪ من موارد هذه الصناديق شهريا إلى موازنة الدولة، إلا أن غالبية القائمين على هذه الصناديق لم يلتزموا بهذا النص القانونى، وأن بعض الصناديق ومنها صناديق الخدمات المحلية وتحسين النظافة يتم إنفاق المبالغ على العاملين وليس على مشروعات للتنمية المحلية وتحسين أوضاع النظافة العامة».
ويرى نبيل الجمل وكيل اللجنة التشريعية أن قضية الصناديق سبق أن وصلت إلى ساحات القضاء، وتم رفع دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى فى عام ٢٠١٥ قبل الانتخابات، وصدر حكم برفض الدعوى وعدم الموافقة على ضم الصناديق الخاصة للموازنة، مما يتطلب تعديلا تشريعيا من مجلس النواب لحسم هذا الجدل وتنفيذ الحد الأقصى للأجور دون آى تفرقة.
وذكر وكيل اللجنة التشريعية أن الحكومة تستطيع بعد ضم هذه الصناديق معالجة عجز الموازنة دون الحاجة إلى الاستدانة من البنوك لسد هذا العجز، خاصة أنها أموال الدولة وجانب كبير من موارد هذه الصناديق تأتى من موارد الميزانية بخلاف الاشتراكات والهبات وغيرهما، كما أن ضم هذه الصناديق للموازنة سيؤدى إلى توحيد النظام المالى لها بدلا من تعدد الأنظمة المالية.
وتشير الدكتورة ألفت كامل، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مصر الحديثة، إلى أن الصناديق الخاصة ينظمها القانون ٥٣ لسنة ١٩٧٣ وسمح فى المادة ٢٠ منه بإصدار قرار جمهورى لإنشاء صناديق خاصة، وقد زادت الصناديق الخاصة زيادة كبيرة، وتم إنشاء صناديق فى التعليم والجامعات، وهناك خلافات وتباين حول حجم أموال هذه الصناديق، وهى لا تزيد بأى حال عن ١٠٠ مليار جنيه.
وأكدت الدكتورة ألفت كامل أن إحدى خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادى للحكومة يتطلب ضم هذه الصناديق إلى موازنة الدولة، لوحدة الموزانة ومواجهة العجز المالى الكبير، ولا بد من المعالجة المالية والاقتصادية الهادئة لهذه القضية قبل اتخاذ أى قرار نهائى، ومعرفة الآثار القانونية المترتبة عليه، وأن تكون البداية بوقف إنشاء أى صناديق أو حسابات خاصة داخل الوزارات والمحليات.