الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مذبحة الاتحادية والمواطن إبراهيم صالح

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


لا يعرف ملايين من المصريين، الذين تابعوا قضية مذبحة الاتحادية، التى قضت محكمة النقض، أمس، برفض طعن الرئيس المعزول محمد مرسى العياط والقياديين بجماعة الإخوان محمد البلتاجى وعصام العريان و٦ آخرين على الأحكام الصادرة ضدهم بالسجن المشدد ما بين ١٠ أعوام و٢٠ عاما فيها، شخصية المستشار إبراهيم صالح، ذلك الرجل الذى وقف بمرافعته الشهيرة، خلف الحكم التاريخى على مرسي ورفاقه.
وللمواطن إبراهيم صالح- وللقضية التى حققها- حكاية يجب أن تروى، لكى يعرف القاصى والدانى قيمة قضائنا المصرى العظيم، ومعدن رجال النيابة العامة الموقرين.
فقد كان المستشار الجليل إبراهيم صالح، رئيس نيابة مصر الجديدة، آنذاك، وزملاؤه من أعضاء النيابة، على موعد مع القدر، فى الأسبوع الأول من ديسمبر ٢٠١٢. 
كان المستشار صالح قد تقدم بطلب للعودة إلى منصة القضاء قبل أحداث مذبحة الاتحادية بأسبوعين، وتم تأجيل البت فيه لظروف تتعلق بحاجة العمل، وجاء يوم الخامس من ديسمبر ٢٠١٢ ليضع المستشارين الجليلين، إبراهيم صالح ومصطفى خاطر، فى مواجهة عنيفة مع رئيس جمهورية، خان القسم الذى أقسمه على الدستور، وحنث به، عندما أصدر إعلانا دستوريا يضعه ويضع قراراته فوق الدستور والقانون، وعندما ثار المصريون احتجاجا على تلك القرارات، أمر رجاله باستدعاء شباب الجماعة الإرهابية لتأديب وقتل المتظاهرين، وهو ما استطاعت النيابة العامة إثباته، عبر ماراثون من التحقيقات التي تجلت فيها البطولة والشجاعة والمهنية فى أجلِّ معانيها.
لقد خرج مرسى فى اليوم الأول للأحداث، ولم تكن النيابة العامة قد انتهت من تحقيقاتها بعد، ليقول للناس فى خطبته الشهيرة يوم ٥ ديسمبر إن هناك محاولة لقلب نظام الحكم، وإن النيابة العامة حققت مع ٤٥ شخصا، وأمرت بحبسهم موجهة لهم تهم الاشتراك، فى محاولة لقلب نظام الحكم ومحاولة اقتحام القصر الجمهورى.
لقد وقع فى يد المستشار إبراهيم صالح، رئيس نيابات مصر الجديدة، وزملائه من أعضاء النيابة، فهم لم ينتهوا من التحقيقات بعد، وكل المؤشرات لديهم تقول إن المواطنين الذين يفترض فيهم أنهم متهمون بالاشتراك فى محاولة لقلب نظام الحكم واقتحام القصر الجمهورى ما هم سوى ضحايا لعملية اختطاف واحتجاز وتعذيب، بدون وجه حق، قامت بها مجموعة من موظفى القصر الجمهورى فى مقدمتهم أسعد الشيخة مستشار أمن الرئاسة، وأحمد عبدالعاطى مدير مكتب الرئيس، ورفاعة رافع الطهطاوى رئيس ديوان رئيس الجمهورية.
لقد أصدر مرسى أمرا لمساعديه باستدعاء شباب الجماعة للفتك بالمتظاهرين، الذين انصرف معظمهم من أمام القصر، ولم يبق سوى العشرات الذين قرروا الاعتصام، ولو كانت هناك نية لاقتحام القصر من قبل المتظاهرين، لحدث ذلك فى اليوم الأول عندما وصل عدد المتظاهرين إلى أكثر من مليون ونصف المليون متظاهر، فكيف يحدث ذلك وقد انصرف الجميع، ولم يتبق سوى العشرات ممن افترشوا عددا من الخيام أمام قصر الاتحادية؟! كانت تلك تقديرات النيابة العامة آنذاك، تلك التى اصطدمت بخطاب الرئيس الذى قدم معلومات مغلوطة معتمدا على نفوذه كرئيس جمهورية، ونفوذ النائب العام الذى عينه خلفا للمستشار عبدالمجيد محمود، لينفذ رغباته ورغبات جماعته.
ما العمل إذن؟ اجتمع رجال النيابة العامة بقيادة رئيسهم آنذاك المستشار إبراهيم صالح، وقدموا مذكرة للمحامى العام المستشار مصطفى خاطر بالموقف كاملا، ليسقط فى يد الجميع، وتبدأ ملحمة هؤلاء الأبطال الذين سيسطر التاريخ لهم أنهم من قالوا للغولة «عينك حمرا»، وهى فى أوج قوتها وعنفوانها وسلطتها، حقيقة يجب أن تسطر لوجه الله والوطن.
تصرف المحامى العام المستشار مصطفى خاطر، جاء على مستوى حرفية ووطنية وقوة وشجاعة زملائه، فقام بالتصديق الفورى على قرار رئيس النيابة المستشار إبراهيم صالح بالإفراج عن ٤٥ شخصا، ثبت أنهم مجنى عليهم، وفتح تحقيق فى الحادثة لأخذ أقوالهم فيما جرى لهم من جرائم خطف واحتجاز وتعذيب. 
جن جنون النائب العام الإخوانى، المستشار طلعت عبدالله، آنذاك، واستدعى كلا من المستشارين الجليلين، مصطفى خاطر وإبراهيم صالح، ليعنفهما فى مكتبه، فى واقعة لم تحدث من قبل لرجل من رجال النيابة العامة فى أى عهد من العهود، وعلى الفور اتخذ الرجلان قرارهما، وقدما استقالة مسببة، نشرت فى حينها فى كل وسائل الإعلام، ليتراجع النائب العام عن قراره بنقلهما ويعيدهما، تحت ضغط من الرأى العام، إلى موقعهما لاستكمال التحقيقات.
صفحات مجيدة ستكتب بحروف من ذهب فى تاريخ القضاء المصرى، سطرتها مجموعة من رجال النيابة العامة الأفزاز، طوال فترة نظر القضية.
استمر نظر القضية فى عهد مرسى حتى يوم ١٩ يونيو عندما أصدر المستشار إبراهيم صالح، رئيس نيابة مصر الجديدة آنذاك، قراره بإحالة القضية إلى المحكمة، مع توصية لنيابة الاستئناف باستئناف التحقيق فى القضية واستدعاء كل من الرئيس محمد مرسى، آنذاك، ورجال القصر الجمهورى لسؤالهم في ما نسب إليهم من اتهامات بالخطف والاحتجاز والتعذيب، والتحريض على القتل.
ذلك القرار الشجاع، الذى لا يصدر إلا عن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، هو ما أعفى المستشار الجليل إبراهيم صالح ورفاقه، من اتهامات مرسى لهم، فيما بعد، بتسييس القضية.
يومها وقف المستشار الجليل إبراهيم صالح ليذكر مرسى ورفاقه أنه من حولهم إلى التحقيق فى عز مجدهم، وهم على مقاعد السلطة، وأنه وزملاءه من رفضوا قرار النائب العام الإخوانى المستشار طلعت عبدالله، بحبس المتظاهرين الذين اختطِفوا بمعرفة شباب الجماعة الإرهابية، وبتحريض من رئيس الجمهورية، آنذاك، حيث جرى احتجازهم وتعذيبهم بمعرفة رجال القصر، ورفاق الرئيس، بل على العكس تم تصنيف هؤلاء المتظاهرين باعتبارهم مجنيا عليهم، وتم أخذ أقوالهم وصرفهم من سراى النيابة على هذا الأساس.
تحية لهؤلاء المقاتلين الشجعان، وتحية لقضاء مصر العظيم، الذى منحنا فرصة لكى نتفاخر أمام العالم بالحكم الذى صدر بالأمس باعتباره حكما قضائيا محضا، نظر فى الأوراق واعتمد أدلة النيابة العامة التى اجتهدت بشجاعة تحسد عليها فى تقديم الدليل والبرهان، على مدى ما يقرب من عامين، أهملت النيابة خلالها ما لم تستطع تقديم الدليل عليه، وهو جريمة القتل، فأغضبوا البعض، وأسعدوا البعض، لكنهم، فى النهاية، ربحوا رضا الله، واحترام الجميع.