الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"مولانا" عمرو الليثي.. وإعلام "التوك توك"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يظل الإعلامى عمرو الليثى لغزًا محيرًا لم تُفك طلاسمه بعد، فقد نال شهرة فى المجال الإعلامى بُنيت فى بداياتها على شهرة والده الواسعة ممدوح الليثى، وهذا أصبح شائعًا ومعروفًا فى المجال الإعلامى، ويوجد له من الأمثلة والنماذج الكثير والكثير. وللأمانة هذا لا يقتصر على مجال الإعلام، بل تعداه إلى مجال الفن والرياضة والطب والهندسة والعديد من المجالات الأخرى فى مصر التى أصابها فيروس التوريث الذى أصاب رأس نظام الدولة قبل ثورة ٢٥ يناير، حيث رأى نظام مبارك أنه لكى يمرر مشروع توريث الحكم لابنه جمال، يجب أن يسمح بالتوريث فى كل المجالات.
المؤكد أن الراحل الأستاذ ممدوح الليثى كان قريبًا من نظام مبارك، وكان وثيقَ الصلة بوزير إعلام ذلك النظام ورجله القوى صفوت الشريف، قبل أن تجرى فى البحيرة ما يعكر صفو مائها، والمؤكد أيضًا أن الليثى الأب رحمه الله كان ليبراليًا متفتحًا إلى أقصى الحدود، إلا أن اللغز الذى يمثله ابنه عمرو هو ما جعله يناقض المثل المعروف «الولدُ سِرُ أبيه» فى هذين الأمرين على الأقل، لأننا وجدنا أن عمرو الليثى يقبل بأن يكون مستشارًا لرئيس جماعة الإخوان المعزول محمد مرسى لشئون الإعلام والثقافة، وهو بلا شك منصب مهم لا توزعه الجماعة إلا على من توسمت فيهم خيرًا لدعمها والوقوف إلى جانبها فى مرحلة التمكين.
من هنا فقد أدار عمرو الليثى ظهره لقناعات والده بالوقوف إلى جوار الدولة المصرية، وبحث عن مصالحه مع «الجماعة»، وأدار ظهره لليبرالية والده وإيمانه بالحرية المنفتحة لينضم لفريق عمل رئيس لا يؤمن لا بالحرية ولا بالديمقراطية؛ ورغم قطع البث المباشر عن استوديوهات «دريم» دون سابق إنذار بحجة قيامها بالبث من خارج مدينة الإنتاج الإعلامى إبان مستشارية عمرو الليثى للرئيس المعزول، وهو ما يتنافى مع حرية الإعلام ويدل دلالة قاطعة على أن ما كان يحكم مصر هى مجرد عصابة تقطع الطرق وتقطع البث المباشر وتحاصر مدينة الإنتاج الإعلامى، وتُلقى المولوتوف على مقار الصحف المعارضة لها، إلا أن عمرو الليثى لم يحتج ولم يتبرم ولم يقدم استقالته من منصبه الذى يعمل فيه فى بلاط جماعةٍ دينية فاشية. لم يستقل عمرو الليثى من منصبه إلا عقب إصدار المعزول محمد مرسى الإعلان الدستورى فى أواخر نوفمبر ٢٠١٢، وانطلاق المظاهرات العارمة ضده، وإدراك الليثى الابن أن «الجماعة» راحلة لا محالة، فقفز من قاربها قبل أن يغرق.
ورغم ذلك، وكإعلامى محنك يعرف طريقه جيدًا، لم يخسر عمرو «الجماعة» بشكلٍ نهائى، فقد استقال بشكلٍ مهذب لا يقطع كل الوشائج بينه وبينها، فلعل وعسى تجد فى الأمور أمور، فيخسر كلَ شىء. لقد التقيت عمرو الليثى عندما حل ثلاثتنا أنا وهو ود. محمود يوسف ضيوفًا على المُلتقى الإعلامى لجامعة الجزيرة بدبى بدولة الإمارات يومي ١١ و١٢ ديسمبر ٢٠١٢ بعد أيام من استقالته كمستشار للرئيس مرسى، ودار بيننا حوار طويل فى قاعة كبار الزوار بمطار الشارقة، وجدته لا يحمل أى انتقاد لجماعة الإخوان أو يلومهم على ما فعلوه بالدولة المصرية منذ بداية حكمهم، باستثناء أن قيامهم بقطع البث المباشر عن قناة «دريم» «خلت» الإعلاميين «ياكلوا وشه» ـ على حد تعبيره، وحتى الإعلان الدستورى الذى من المفترض أنه قدم استقالته بسببه، وجدته يدافع عنه بحجة أن مؤسسات الدولة تحارب الرئيس، وعندما قمت بانتقاد الجماعة قال لى إنه «كده عرف اتجاهى»، أى أنه صنفنى بأننى ضد «الجماعة» فى أنه وضع نفسه فى معسكرها. وذكر لى أن الرئيس مرسى له «كاريزما»، وتجلت هذه الكاريزما من وجهة نظره، عندما رأى الرئيس مرسى رأى العين، وهو يستدعى المشير طنطاوى إلى القصر الرئاسى ليبلغه بإقالته هو ورئيس الأركان من منصبيهما، وأنه رأى المشير وهو يخرج من القصر الرئاسى، وهو يضرب كفًا بكف وهو يقول: «هى دى آخرتها».
وعندما جاء موعد الصعود للطائرة المتجهة من مطار الشارقة إلى القاهرة، تحركنا للحاق بها، ليحدث أمر آخر لم أكن أتخيله؛ فعندما لمح «الأخ» عمرو الليثى رجلًا ذا لحية مخضبةً بالحناء يرتدى غطاء رأسٍ ويلبس جلبابًا قصيرًا لينطلق مسرعًا نحوه ويُلقى عليه التحية بأدبٍ جَمٍ مبالغ فيه وهو ممسك بكلتا يديه مُطأطئ رأسه حتى كادَ أن يَلثم يديَه ويُقبلهما، وكان يتعمد أن يناديه بلقب «مولانا»، وهو المشهد الذى أعاد إلى ذاكرتى تلك الصور المزرية لتقبيل أيادى جمال مبارك وصفوت الشريف من بعض من كنا نحسبهم كبارًا.
وأظنُ وليس كلَ الظن إثمًا، أن فيديو سائق «التوك توك» لم يكن عفويًا أو تم تصويره صدفة دون سابق إعداد، للعديد من الشواهد المتعلقة بتحليل مضمون الفيديو، وتحليل خطاب سائق الفيديو، وتحليل الحجج والبراهين التى ساقها، علاوة على حركات الجسد، ونغمة الصوت الموظفة جيدًا، بل والموسيقى المصاحبة، وبعض المؤثرات الخاصة التى أضافها برنامج «واحد من الناس» إلى الفيديو لتكثيف تأثيره على المشاهدين. لا أعتقد كثيرًا فى القصة التى ساقها عمرو الليثى، بأن سائق التوك توك اقتحم موقع التصوير ليسجل معه هذه الفقرة، وأنه فى حِل من أن يسأل كل من يسجل معه فى الشارع عن انتماءاته السياسية والدينية، بل إنه دافع فى بعض تصريحاته عن أن سائق «التوك توك» ليس إخوانيًا.
وثمة أسئلة يجب طرحها: هل يفتقد عمرو الليثى إلى الحِسِ الإعلامى ويعيش منعزلًا عن الواقع لدرجة أنه فوجئ بانتشار الفيديو بهذا الشكل؟، هل حسه الإعلامى لم يلتقط السياق العام والتوقيت الذى لا يصلح معه بث مثل هذا الفيديو التحريضى على الدولة المصرية؟، هل لم يشك عمرو الليثى للحظةٍ واحدة فى كل هذه الطلاقة والاستشهادات والأدلة والبراهين التى ساقها سائق توك توك متوسط التعليم بأن هذا الكلام تم تلقينه له وتدريبه عليه قبل أن يظهر فى البرنامج؟. وحتى إن فات عليه كل ذلك، فلماذا لم يتوقع بحسه الإعلامى ما قد يثيره هذا الفيديو من تحريض وإشاعة السخط العام؟، ألم يتوقع تلقف الكتائب الإلكترونية للجماعة ومواقعها الإلكترونية والمواقع المتعاطفة معها لهذا الفيديو للحشد للثورة المزعومة فى ١١/١١ القادم؟. وهل توقيت الفيديو يعنى مغازلة عمرو الليثى لجماعته القديمة التى عمل معها وأكل وشرب فى بلاطها بقصر الاتحادية، تحسبًا لأوهام القلة فى الثورة القادمة، والمراهنة على الإخوان والقفز من سفينة الدولة المصرية؟. لعل نظرة واحدة إلى مجموعة مقالات «مولانا» عمرو الليثى فى «المصرى اليوم» ومعظمها يُركز على موضوعات دينية واستدعاء التاريخ لإسقاطه على الحاضر قد تؤكد هذا المعنى.
للأسف «مولانا» عمرو الليثى لم يكن «واحدًا من الناس» الذين يدافعون عن استقرار الدولة المصرية التى لن تسقط فى أيدى الطُغاة والقتلة تارة أخرى.. «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ».