الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ترامب وتسييس القضاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في المناظرة الرئاسية الأمريكية الثانية، وعد دونالد ترامب أنه، إذا أنتخب رئيسًا للولايات المتحدة، سوف يعين محققًا خاصًا للتحقيق مع هيلارى كلينتون، قائلًا لها «سوف تكونين في السجن».
وقد تلقى تهديد ترامب بإضفاء الطابع السياسي على النظام القضائى رد الفعل العنيف الذي يستحقه، إلا أنه، وللأسف، لا يعد تهكمه مقتصرا على الولايات المتحدة. وقد أظهرت الحكومة البولندية الحالية، التي يترأسها حزب العدالة والقانون، الذي وصل للسلطة قبل أقل من عام، نزعة استبدادية مماثلة، متجاهلة الاتفاقيات القانونية بغية تعزيز مصالحها الخاصة.
وقد دعا ياروسلاف كاتشينسكى، رئيس حزب العدالة والقانون، مرارًا إلى إجراء تحقيق مع رئيس مجلس الوزراء البولندى السابق ورئيس المجلس الأوروبي الحالى دونالد تاسك. ويرى كاتشينسكى أن حكومة تاسك السابقة مسئولة جزئيًا عن تحطم الطائرة في أبريل ٢٠١٠ في سمولينسك، روسيا، والتي راح ضحيتها ٩٦ قتيلًا، بما فيهم شقيق كاتشينسكى التوأم، الرئيس البولندى ليخ كاتشينسكى.
وكان وفد الحكومة البولندية في طريقه إلى إحياء ذكرى مذبحة ١٩٤٠ في كاتين، التي أمر فيها ستالين بقتل ٢٢.٠٠٠ ضابط بالجيش البولندى والشرطة البولندية ومن أهل الفكر والثقافة، وقد أُلقى باللوم على هتلر في هذه الجريمة وعندما انتهت الحرب الباردة ظهرت حقيقة المذبحة أخيرا وتم الاعتراف فيها رسميا من قبل الرئيس الروسى بوريس يلتسين.
كما يؤكد ياروسلاف كاتشينسكى وأعضاء آخرون في حزب العدالة والقانون أن روسيا بمساعدة بعض المسئولين البولنديين- مسئولة عن تحطم الطائرة. لقد اعتمدوا على هذه النظرية الغريبة للمؤامرة في اعتلائهم السلطة، على الرغم من عدم وجود دليل يدعمها. وفى واقع الأمر تشير بعض النصوص التي تم الحصول عليها من مسجل الصوت بقمرة القيادة إلى أن الطائرة قد تحطمت جراء سوء الأحوال الجوية أثناء الهبوط.
ويريد كاتشينسكى المشبع بنظريات المؤامرة، أن يحرم تاسك من ولاية ثانية على رأس واحدة من مؤسسات الحكم الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، إذ يقول «هل من المعقول أن يكون مثل هذا الشخص على رأس المجلس الأوروبي؟ تعترينى شكوك عميقة حيال ذلك».
وفى هذه الأثناء قامت وسائل الإعلام اليمينية البولندية بتأجيج الوضع عندما رسمت إحدى المجلات مؤخرًا صورة لتاسك مكبلًا بالأصفاد.
وتعد الحملة التي يشنها كاتشينسكى على تاسك بمثابة إساءة لاستخدام السلطة السياسية على طريقة ترامب، والتي تنذر بالحياة التي سيعيشها المعارضون السياسيون لترامب إذا ما فاز حقًا في الانتخابات الرئاسية، كما تعكس هذه الحملة المعركة المحتدمة على نطاق أوسع من أجل الفوز بروح بولندا.
كانت بولندا في أعقاب الحرب الباردة الطفل المدلل للديموقراطية في أوروبا الوسطى، إلا أن حزب العدالة والقانون يسعى الآن سعيًا حثيثًا إلى السيطرة الواسعة على السلطة، وذلك بمحاولة السيطرة على المحكمة الدستورية بالبلاد، والسيطرة على قنوات وسائل الإعلام العامة، وكذلك السيطرة على الخدمات الأمنية. وبدلًا من ترسيخ أهمية بولندا لمنظمة حلف شمال الأطلسى «ناتو» ومكانها الصحيح بوصفها دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي ذات قوة واحترام، أصبح حزب العدالة والقانون مهووسًا بالسير في اتجاه معاكس لاتجاه الحداثة. والدليل على ذلك لا يستوجب النظر إلى ما هو أبعد من إساءة الحكومة لمؤسساتها القضائية والديموقراطية، الأمر الذي يثير الدهشة في الولايات المتحدة وبروكسل وفى جميع أنحاء أوروبا.
تعانى بولندا من أزمة دستورية بدأت برفض الرئيس البولندى أندريا دودا المدعوم من حزب العدالة والقانون قبول حلف اليمين من قبل ثلاثة قضاة من المحكمة الدستورية الذين اختارهم البرلمان السابق. ومن ثم اختار حزب العدالة والقانون قضاته بنفسه بدلًا من ذلك، في الوقت الذي تبنى التشريعات التي كانت سببًا أساسيًا في تعطل عمل المحكمة. وقد أعلنت المحكمة عدم دستورية التغييرات التي أدخلها حزب العدالة والقانون على القواعد القضائية، إلا أن حكومة حزب العدالة والقانون رفضت نشر قرار المحكمة مما يعنى تعطيل دخول القرار حيز التنفيذ كما أصبح من المستحيل على المحكمة أن تقيم دستورية التشريعات الصادرة عن البرلمان الحالى، على الرغم من وجود نص صريح في الدستور البولندى يجيز إجراء المراجعة القضائية.
وحيث إن تصرفات حزب العدالة والقانون تدينها جميع الأطراف عالميًا في الوقت الراهن، فإن الحزب ينتظر حتى نهاية العام عندما تنتهى ولاية رئيس المحكمة الدستورية الحالية ومن ثم يعين رئيسًا أكثر تعاطفا معه ويلبى رغباته ولكن على الأرجح لن يتمكن هذا الرئيس المعين حديثًا من إنهاء الأزمة الدستورية لبولندا ذلك أن أحكام المحكمة السارية المفعول الصادرة هذا الصيف لم تنشر بعد، الأمر الذي سيخلق فراغا في النظام الدستورى البولندى.
ولقد بدأ الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات قانونية ضد بولندا، ويدعو الحكومة البولندية إلى العمل مع أحزاب المعارضة من أجل إصلاح المحكمة. فإذا لم تلتزم بولندا بهذا الأمر، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يجردها في نهاية المطاف من حقوقها في التصويت. ولكن من غير المرجح أن يضمن الاتحاد الأوروبي أو غيره من الجهات الدولية الأخرى إيجاد حل للمشكلة السياسية البولندية، إذ مآل الأمر إلى البولنديين أنفسهم فقط.
وفى الحقيقة، خرجت مظاهرات كبيرة مناهضة لمشروع القانون الأخير الذي يحظر جميع عمليات الإجهاض (تحت طائلة السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات) مما أدى إلى تراجع الحكومة وسحب التشريع المقترح. وقد عد هذا نصرًا للمرأة البولندية، وإشارة إلى أن بولندا أكثر تقدمية مما يظن كاتشينسكى.
ومع ذلك، وفى الوقت الذي تلقت فيه الحكومة الهزيمة في مسألة عامة رئيسية واحدة، تظل التوجهات المعادية لليبرالية الأيديولوجية التي يتبعها حزب العدالة والقانون سارية وفاعلة، الأمر الذي يعنى أنه على المدافعين عن المجتمع المدنى في بولندا مواجهة العديد من المعارك في الشهور القادمة بغية احتواء الفوضى وانعدام الشرعية التي يتبعها حزب العدالة والقانون وإبطال تقدمها.
نقلًا عن بروجيكت سنديكيت