الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحكومة تحرق كروت المعارضة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فاجأت حكومة المهندس شريف إسماعيل الرأي العام المصري بعدد من القرارات الثورية غير المسبوقة ، بل يمكن أن ترتفع درجة استغرابك لمستوى اعلى حينما تربط بين قرارات الحكومة ومطالب المعارضة ، فتجد ان الحكومة تلعب بنفس كروت قادة المعارضة والنشطاء السياسيين ونواب البرلمان في مشهد جديد على المسرح السياسي المصري يعطيك انطباعًا محيرًا عن مغزى وجود الحكومة في ملعب المعارضة .
كانت المعارضة تطالب منذ زمن بإصلاح الاختلالات الموجودة في الموازنة العامة للدولة بضم الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة ، متهمة القائمين عليها بالتلاعب والتربح منها ..و ظل المطلب معلقا في الفراغ بين الحكومة والمعارضة ، لا احد يعلم قيمة الموجود في الصناديق الخاصة ..التي قالت التقديرات غير رسمية انها حوالى 50 مليار جنيه ..الى ان قررت الحكومة تشكيل لجنة تضم وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي، لحصر الصناديق وتشكيل لجنة قانونية لتعديل القانون بما يضمن ضم الصناديق الخاصة لموازنة الدولة.
ولأول مرة لجنة من مجلس الوزراء تجتمع برؤساء البنوك ، للحصول على تقارير بكافة المعلومات عن الصناديق الخاصة الموجودة في عدد من البنوك، واطلاع رئيس الوزراء عليها تمهيدا لعملية الضم التي ستتم قبل نهاية العام .
ضم الصناديق خطوة كبيرة للأمام لضبط حركة الاموال ما بين السوق الرسمي والموازي وحل لغز مستعصى من ألغاز الاقتصاد المصري وحرق لكارت تلاعبت به قوى المعارضة ضد الدولة طوال عقود .
لم تتوقف "ثورة " الحكومة عند هذا الحد بل امتدت ايضا الى اجراء تخفيض في رواتب الوزراء و رواتب مديري مكاتب الوزراء أيضًا ، وتقليل عدد المستشارين في الوزارات داخل الدولة، وأن كل وزير يكون له كحد أقصى اثنان من المستشارين وتكون رواتبهم حسب الخبرة والشهادات العلمية، مع وضع سقف لرواتب مستشاري الوزراء وتقييمات لهم على مدار السنة ..وبذلك تنتهى اسطورة اخرى من اساطير المعارضة اسمها رواتب الوزراء والمسئولين والمستشارين بإخضاعها لتقشف غير مسبوق في تاريخ مصر ..ليس ذلك فحسب بل امتدت أيضا يد التقشف الثقيلة الى تقليل السيارات الموجودة في مواكب الوزراء بحيث تقتصر على سيارة الوزير ومعه سيارتان للتأمين فقط.
ويدرس المجلس حاليا أيضا مقترح الغاء سفر الوزراء في فئه "vip" وسفرهم فى فئات اخرى ارخص سعرا بالإضافة الى وضع خطة لتقليل النفقات الحكومية والمصاريف والهدايا الخارجية ، وبالفعل اتخذ قرار بتخفيض البعثات الدبلوماسية للنصف وهو ما يعنى ترشيد نفقات دولارية كبيرة لم تكن تستفيد منها الدولة .
خطوات جريئة تقوم بها حكومة اسماعيل لمحاصرة كل ثغرات الإنفاق الحكومي بجرأة غير مسبوقة لم تقدم عليها أي حكومة اخرى مما يعكس مدى جدية الدولة المصرية في اجراء اصلاحات هيكلية صعبة وحاسمة بالاقتصاد المصري المترهل والمريض منذ سنوات عده .
استجابت الحكومة لأصوات عديدة من الموالاة والمعارضة طالبتها بأمرين اولهما ان تطبق على نفسها تقشفًا شديدًا وقويًا يماثل تأثر الناس بالإجراءات الاقتصادية بمعنى ان يبدأ التقشف من أعلى ليعطي المثل والنموذج ، اما الامر الثاني فكان سرعة الاستجابة لمطالب الناس وعدم تعطيل مصالحهم مع الادارات المحلية ، والحذر من تكرار ما حدث في بورسعيد بسبب بطء المحافظة في تسليم شقق الاسكان الاجتماعي للمستحقين ، الاستجابة لمطالب الناس ضرورية في حالة استيفاء كل الشروط وتوفر الشقق فلماذا التعطيل والتسويف لتكون النتيجة .. الانفجار.
نفس الامر نطالب به في تسليم الأراضي التي اعلن عنها رئيس الوزراء على الشباب لتعطى الامل والطمأنينة خاصة مع الاهتمام المتزايد بالمشاركة في هذا المشروع ..قتل البيروقراطية - سيئة السيرة والسمعة- سيعطى للمواطن ثقة أكبر في الدولة ، وفى تغيرها نحو الافضل فحينما يشعر بالأمان والثقة لن يمانع في تحمل تبعات الاصلاح مهما كانت درجه صعوبتها فهي مرحلة أخيرة ونهائية قبل الانطلاق الاقتصادي الذى اعلن عنه صندوق النقد الدولي في عام 2018 ، اذ ما بدأت مصر تطبيق الاصلاحات المطلوبة سواء على مستوى تعويم الجنية او رفع الدعم عن المحروقات ، وضرورة ان يصاحب ذلك الضرب بعصا الدولة الغليظة على المتلاعبين في السوق السوداء او مخزني السلع حتى لا يصبح الاصلاح نقمة على المواطنين .
لا اعلم كيف ستتعامل المعارضة مع كروتها المحروقة على يد الحكومة ، ولا اعلم الى أي مدى ستلتزم الحكومة بما قطعته على نفسها من تعهدات امام المواطن ومجلس النواب ، لكن المؤكد ان الوطن يمر بلحظة دقيقة ومفصلية في تاريخه ويحتاج الى تضافر جهود الجميع –حكومة ومعارضة –للعبور بالوطن .