السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

فتش عن الإخوان في حزب النور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قديمًا قالوا: التاريخ يعيد نفسه مرتين، الأولى مأساة والثانية مسخرة.. في عهد مبارك كان جهاز أمن الدولة مزاجه اللعب في بنيان الأحزاب السياسية.. ودائمًا ما كان اللعب ينتهي بخناقات وفضائح وانقسامات، مثلما حدث في أحزاب “,”الأحرار والغد والعمل والوفد“,”.. وانتهى عصر مبارك وبدأ عهد مرسي وإخوانه. لكن اللعب لا يزال “,”شغال“,” رغم حل جهاز أمن الدولة الذي لا يمكن اتهامه بما يحدث داخل حزب النور والدعوة السلفية.. انقسم حزب النور على نفسه، وطال الانقسام الدعوة السلفية التي أسست الحزب.. أصبح لحزب النور رئيسان وجمعيتان عموميتان، وكل قيادة لها عدة محافظات.. حتى الآباء المؤسسون للدعوة السلفية، رفاق العمر الذين بدأوا مسيرتهم منذ أربعين عامًا ولم يفترقوا أو يتفرقوا، دب الخلاف بينهم بسب الموقف من الحزب .
وفقًا لروايات وذكريات مشايخ السلف على صفحات الويكيبديا (الموسوعة الحرة) نشأت الدعوة السلفية بالإسكندرية في سبعينيات القرن الماضي على أيدي مجموعة من الطلاب، كان أبرزهم محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، وسعيد عبد العظيم، ومحمد عبدالفتاح، ثم ياسر برهامي، وأحمد حطيبة فيما بعد. التقوا جميعًا في كلية الطب بجامعة الإسكندرية.. رفضوا الانضمام إلى جماعة (الإخوان المسلمين)، متأثرين بالمنهج السلفي لشيوخ السلفية السعوديين خلال رحلات الحج والعمرة وشيوخ جمعية (أنصار السنة المحمدية)، وكتب ابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب، وغيرهم. وبمرور الوقت تكوّنت النواة الأولى للشباب السلفيين تحت اسم “,”المدرسة السلفية“,” عام 1977.. وبدأ محمد إسماعيل المقدم في تأسيس النواة الأولى من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس في مسجد “,”عمر بن الخطاب“,” بالإبراهيمية، وكان هذا الدرس بمثابة الملتقى الأسبوعي لهذه المجموعة الصغيرة إلى جانب حلقة أخرى بمسجد “,”عباد الرحمن“,” في “,”بولكلي“,” صباح الجمعة، ولم يكن مع المقدم أحد في هذه الفترة غير زميله أحمد فريد، الذي يحكي في مذكراته عن هذه الفترة، قائلاً: “,”كان الحضور في هذه الحلقة لا يتجاوز عشرة أفراد، ولم يكن معنا أحد من قادة الدعوة السلفية الآن، وكان الشيخ محمد يُحفظنا متن “,”العقيدة الطحاوية“,”، وكذا “,”تحفة الأطفال“,”، وكلفني بتدريس كتاب مدارج السالكين“,”.
بعد انفصال “,”المدرسة السلفية“,” عن تيار الجماعة الإسلامية في الجامعات وتخرج هؤلاء الطلاب أطلق عليها “,”الدعوة السلفية“,” في العام 84-1985؛ وذلك لإثبات “,”شمولية دعوتها“,”، على حد قول الشيخ عبد المنعم الشحات.
خلال مرحلة الانتشار والتوسع، منذ منتصف الثمانينيات، أسست الدعوة السلفية معهد “,”الفرقان لإعداد الدعاة“,” في الإسكندرية عام 1986، كأول مدرسة إسلامية ذات منهجية سلفية لتخريج الدعاة، وشرع الدعاة السلفيون يشرفون عليه ويضعون مناهج التدريس لطلابه.. وفي فترة وجيزة تخرج في المعهد عشرات من الدعاة حملوا مشعل الدعوة السلفية في مصر، كما أصدرت الدعوة السلفية في هذه المرحلة مجلة (صوت الدعوة)، وهي مطبوعة شهرية كانت تهتم بكل ما يتعلق بالمنهج السلفي من خلال مقالات مطولة يكتبها الدعاة السلفيون. ولم يتوقف النشاط السلفي في الإسكندرية على الجوانب التعليمية والدعوية فحسب، بل تعداه إلى جوانب اجتماعية وإغاثية ككفالة الأيتام والأرامل، وعلاج المرضى، وغير ذلك من النشاطات جرى العمل فيها من خلال “,”لجنة الزكاة“,” التي كان لها فروع في كل منطقة وحي من مناطق وأحياء الإسكندرية. وبالطبع كان هذا النشاط المتعاظم تحت أعين وبصر الجهات الأمنية التي لم تجد غضاضة في تعاظمه طالما أنه لا يتجاوز حدود المساجد.. لم تسع السلفية إلى الصدام مع الدولة ونظامها الحاكم، كما فعلت “,”الجماعة الإسلامية“,” و“,”الجهاد“,”، ولم يشارك السلفيون في أي عمل سياسي.. وهم يرفضون الديمقراطية؛ لأنها لا تراعي الشروط الإسلامية فيمن يحكم أو يشرع القوانين، وقد تأتي “,”بكافر أو امرأة لحكم الدولة الإسلامية، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين“,”، على حد قول الدكتور سعيد عبد العظيم .
وجاءت ثورة يناير وأعلن السلفيون رفضهم الخروج على الحاكم ووقفوا ضد الثورة.. لكن الموقف تغير بعد نجاح الثورة ورحيل مبارك.. سال لعابهم على نيل نصيب من الكعكة.. وأسسوا حزب “,”النور“,”، وخاضوا الانتخابات البرلمانية التي رفضوها في السابق وفقًا للأحكام الشرعية.. وفوجئ الجميع، بمن فيهم الإخوة السلفيون، بأنهم قد حصلوا على أكثر من ربع المقاعد البرلمانية.. ولكن كان لهذا النجاح ضريبته.. فقد اضطر حزب النور وهو يخوض الانتخابات إلى حشو القوائم بمرشحين من الجيل الثالث للسلف، أسفرت عن فضائح في الممارسة السياسية عندما انشغلوا في البرلمان بقضايا مضاجعة الزوج لزوجته الميتة وختان البنات وزواج القاصرات.. وحتى الممارسة الأخلاقية مثل الأخ البلكيمي والأخ علي ونيس.. وبدأت الأصوات تعلو داخل مجلس الدعوة السلفية بضرورة التدخل في أعمال الحزب.. بينما كان رجال الحزب منتشين تحت أضواء الفضائيات ومانشيتات الصحف.. وبدأ الصراع على خفيف حتى تفجر مع قرب الإعلان عن الانتخابات الجديدة للبرلمان المنحل.. ومن الذي سيحدد المرشحين الجدد.. وزادت حدة الصراع مع إجراء الانتخابات الداخلية للحزب.. وانتهى الصراع أو بدأ بجبهة يقودها الرئيس المعزول ووكيل مؤسسي الحزب، عماد عبدالغفار، يسانده فيها النائب الثاني لرئيس الدعوة السلفية، الدكتور سعيد عبدالعظيم.. والجبهة الثانية المعروفة باسم جبهة أشرف ثابت، الوكيل السابق لمجلس الشعب المنحل، والتي اختارت سيد مصطفى خليفة قائمًا بأعمال رئيس الحزب، يساندهم النائب الأول لرئيس الدعوة، ياسر برهامي.. لكن الصراع الحالي لا يفسره فقط رغبة مجلس الدعوة في السيطرة على مقاليد الحزب أو محاولات رجال الحزب الخروج من عباءة مجلس الدعوة.. صحيح أن الآباء المؤسسين للدعوة السلفية يشعرون بأسى وألم بعد أربعين عامًا من بناء تنظيمهم لينتهي الأمر في النهاية إلى أن يحصد سنوات عمرهم جيل لم يدفع شيئًا.. وصحيح أيضًا أن رجال الحزب يشعرون بخنقة من سيطرة رجال الدعوة ويسعون إلى التخلص من قبضتهم .
لقد كان حزب النور مثل الحصان الأسود في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. وتوقع كثيرون أن يحصد حزب النور في الانتخابات المقبلة مزيدًا من المقاعد، خاصة مع تراجع شعبية الحزب الأول الحرية والعدالة بفعل ممارستهم البرلمانية وممارسة حكومتهم أو حتى ممارسات رئيس الجمهورية الذي اختاروه.. وكانت ممارسات الإخوان وحزبهم في التكويش قد أفقدتهم ثقة كل القوى السياسية .
وإذا كان هناك مستفيد مما يحدث في حزب النور فإنهم بالتأكيد الإخوان المسلمون. ويصبح السؤال: هل أصبحت جماعة الإخوان تقوم بدور جهاز أمن الدولة المنحل.. وأصبح مزاج الجماعة -بجانب التكويش- هو اللعب في بنيان الأحزاب السياسية حتى لو كانوا من أقرب حلفائهم على المستوى الفكري والسياسي؟