الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

موقف كولن من قتل المرتد «1-2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما العلاقة بين الإيمان وحرية الاختيار؟ وهل الإنسان مجبر على اتباع دين ما؟ وهل فى النصوص الإسلامية إجابة عن السؤالين؟
طلب أتباع الداعية التركى «محمد فتح الله كولن» من مرشدهم الروحى شرح معنى الآية (٢٥٦) من سورة البقرة «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى»، فأجاب: «لا يوجد فى جوهر وفى لب الدين إكراه، لأن الإكراه يناقض روح الدين، والإسلام يتخذ الإرادة والاختيار أساسا، لذا ليس هناك أى اعتبار أو قبول لأى عمل أو فعل جرى بالإكراه، سواء كان ذلك فى أمور الاعتقادات أو العبادات أو المعاملات».
وأضاف «كولن»: إن وضعًا مثل هذا الوضع يصادم قاعدة «إنما الأعمال بالنيات» ولا يتلاءم معها، وكما لا يرى الإسلام جواز الإكراه فى معاملاته، كذلك لا يرى جواز إكراه الآخرين للدخول إلى الإسلام، لأنه يفضل أن يخاطب الناس وهم أحرار، فأفق الإسلام فى المسامحة أفق واسع رحب. ثم إن الدين ليس نظامًا يمكن فرضه بالقوة وبالإكراه، لأن أهم شيء عنده هو الإيمان». (ص ٢٦٠).
وينفى «كولن» أى دور للجهاد والحروب الإسلامية فى فرض الدين، ويقول إنها كانت من أجل حماية الحرية والإرادة، وما تأسست هذه الحرية إلا بالجهاد.
ولا يعطى الداعية أتباع ودعاة الأديان الأخرى، أسوة بالمسلمين، حق استخدام الحرب والفتح وتغيير الأنظمة، أداة لنشر دعواتهم وأديانهم، ولكن يضيف: «هناك حكم آخر للآية نفسها يشمل جميع الأدوار والأزمان ويكون ساريًا على الدوام، وهو الحكم المتعلق بالأقليات الدينية التى تعيش فى الديار الإسلامية، فليس لأحد إكراههم للدخول إلى الإسلام، بل يجب أن يكون الجميع أحرارًا فى عقائدهم الدينية».
ويشير «كولن» إلى علاقة المسلمين باليهود والمسيحيين فى العالم الإسلامى عبر التاريخ فيقول: «عندما نلقى نظرة على التاريخ نرى بوضوح أن المسيحيين واليهود عاشوا معنا على الدوام. وباعتراف الغربيين فإن اليهود والنصارى لم يكونوا فى أمن وسلام حتى فى دولهم مثلما عاشوا بيننا، لقد قبلوا دفع الجزية، وقبلوا ذمتنا فقمنا نحن بدورنا بالمحافظة عليهم، ولكن لم يقم أحد بإكراههم فى الدخول إلى الدين الإسلامى، وحتى بالأمس القريب كانت لهم مدارسهم الخاصة، ويقيمون شعائرهم الخاصة، ويحافظون عليها، والذين كانوا يدخلون إلى محيطهم منا - حتى فى أزهر عهودنا - كانوا يرون وكأنهم يعيشون فى أوروبا، أى كانت حرياتهم واسعة إلى هذه الدرجة».
ولكن هل كانت حرية اليهود والمسيحيين فى العالم الإسلامى، بلا قيود وبنفس درجة ما يتمتع به المسلمون، أو باتساع حرية المسلمين اليوم فى أوروبا والولايات المتحدة؟ كلا بالطبع. إذ كانوا يخضعون فى أغلب المجتمعات الإسلامية وربما كلها، للكثير من القيود الدينية والاجتماعية، مما يحتاج الخضوع فى تفاصيلها إلى مقالات خاصة، ويكفى أن نطالع كتب التاريخ والفقه لنعرف التفاصيل.
وينبغى أن نتذكر كذلك أن المسيحيين أنفسهم فى أوروبا كانوا غارقين خلال هذه القرون فى الحرب الدينية والصراعات القومية والمنافسات الإمبراطورية بين ممالك أوروبا وضد اليهود، وفى المستعمرات شرقا وغربا، كما أن اليهود عندما أبعدهم ملك إسبانيا الذى أنهى فى بلاده حكم المسلمين وطردهم من شبه الجزيرة الأيبيرية، أى إسبانيا والبرتغال، أخرج معهم اليهود كذلك، فلجأ اليهود إلى شمال إفريقيا وإلى الدولة العثمانية فى البلقان وتركيا واليونان، فاستفادوا من تسامح العثمانيين واستفادت الدولة من علومهم وعلاقاتهم، يهودًا ومسيحيين.
وكما هو مفهوم فى الفقه الإسلامى، فإن الحرية التى يشير إليها «كولن» تشير إلى قبول الإسلام والدخول فيه فقط، حيث لا إكراه ولا إجبار، ولا تشمل بالطبع تغيير الدين.
يقول كولن: إن القيود على أهل الذمة كانت ضرورية للمحافظة على سلامة مجتمعنا، فمثلًا إن ارتد أحدهم عن الإسلام يعدّ مرتدًا وتعطى له فترة للعودة إلى الإسلام، فإن لم يعد قُتل». (ص ٢٦٢).
ويضيف إن هذا عقاب مقابل الإخلال بعهد سبق عقده، وهو متعلق بأمر المحافظة على نظام المجتمع، لذا فباسم المحافظة على حقوق جميع المسلمين لم يقم الإسلام بصيانة حياة المرتد وحفظها. إن من يدخل إلى الدين الإسلامى يتكفل بأداء بعض الأعمال، وتجنب أداء بعض الأعمال ولا توجد علاقة لهذا الأمر بالإكراه. إن الإسلام مع عدم استعماله الإكراه للدخول فى الإسلام، إلا أنه لا يدع حبل من دخل الإسلام بكامل إرادته على غاربه». (ص٢٦٢). ولكن الداعية «كولن» لا يناقش نقطة أخرى!
فلربما كانت مثل هذه السياسة الدينية ضرورية فى بداية الدعوة الإسلامية حفاظًا عليها وعلى المجتمع الإسلامى يومذاك، وربما كان لا بد من مثل هذه الموانع فى زمن انتشار الدعوى فى بلاد فارس والشام وغيرهما، حيث كانت الظروف العسكرية مثلا تملى بعض الشروط الحاسمة لضمان سير المعارك وغير ذلك من أسباب. ولكن هل مثل هذه المبررات لا تزال قائمة فى الوضع الراهن، حيث يعتبر الإسلام بأتباعه الذين يزيدون على مليار ونصف الميار إنسان، من الأديان الرئيسة فى العالم، خاصة أن دول العالم الإسلامى أعضاء فى الأمم المتحدة، وأنها كذلك قد وافقت على القانون العالمى لحقوق الإنسان، وهى حقوق تتضمن حرية الدين والعقيدة؟
وإذا كان دخول سكان بعض الدول الإسلامية قبل مئات السنين بمثابة قبولهم لعقد اجتماعى متعلق بأمر المحافظة على نظام المجتمع، فهل لا يزال مثل هذا العقد ملزمًا للأجيال الحديثة؟ ولماذا لا نطبق الشروط نفسها والتحفظ على المجتمعات المسيحية التى يتزايد فيها اليوم عدد المسلمين، مثل إنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة والكثير من الدول الأخرى؟
نقلًا عن الجريدة الكويتية