الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من تاريخ اليسار.. صحفيون ونبلاء "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الثامن أستاذ صحافة اليسار، يندر أن تنجب الأوطان مثله، أستاذ كل من عملوا فى صحافة اليسار ولو عن بعد، من لم يتابعه ومن لم يقرأ له قُل له شكرا.
إنه الأستاذ صلاح حافظ تعالوا نتابع معا.
يوما ما نشرت مجلة «صباح الخير» فى فبراير ١٩٧٧ موضوعًا عن الكاتب الصحفى صلاح حافظ، كتبه الصحفى رشاد كامل تحت عنوان «لماذا أبقت تحية كاريوكا صلاح حافظ فى بيتها ثلاثة أيام؟» يقول فيه:
هناك واقعة شهدها المجتمع الصحفى، وكان بطلها الكاتب اليسارى صلاح حافظ والرئيس أنور السادات.
كتب صلاح حافظ ينتقد الرئيس السادات بسبب تجميده منهج الحوار مع الصحفيين حول أحوال البلاد، فما كان من السادات إلا أن رد عليه منفعلًا رغم قناعته الكاملة بكفاءة صلاح حافظ المهنية ونزاهة مقصده، قائلًا: «أنا يا صلاح كنت سأصدر اليوم قرار تعيينك رئيسًا لمؤسسة روز اليوسف، ولكن ما قلته يجعلنى أختار اللى قاعد خلفك لهذا المنصب وهو السيد عبد العزيز خميس».
لم يهتم الأستاذ وكأنه حتى لم يسمع.
يوما ما انضم صلاح حافظ لتنظيم سرى يسارى يعمل على تصحيح مسار الثورة، وأثناء أحد الاجتماعات حضرها محمود أمين العالم، وصلاح حافظ، وشريف حتاتة، وصلت إخبارية أن السلطات تبحث عن صلاح حافظ للقبض عليه.
فعرضت تحية كاريوكا «صديق العائلة» على صلاح أن يختبئ فى بيتها وقت كانت تعيش مع والدتها، وبالفعل قضى صلاح فى بيتها ثلاثة أيام، خرج بعدها ووقع فى غرامها إعجابًا بشجاعتها وشهامتها، حتى أنه أسمى ابنته «تحية» على اسم تحية كاريوكا، وهى ابنته الممثلة تحية حافظ.
لم يكن صلاح حافظ صحفيا، بل كان شعلة صحافة، وعندما ترأس تحرير أجمل إصدارات اليسار المصرى «روزاليوسف» كان لا ينام حتى وصلت إلى توزيع لم تعرفه مجلات مصر من قبل، ومن بعد حتى فى المعتقل كان أعلى استماع لجريدته الناطقة باسم قطته التى حرموه منها. 
مع فتحى غانم وقت كان عبد الرحمن الشرقاوى رئيسًا لمجلس الإدارة، نشر صلاح تحقيقًا صحفيًا حول أحداث ١٨ و١٩ يناير، واصفًا ما حدث بأنه انتفاضة شعبية، بينما وجد السادات أنها انتفاضة حرامية، وكانت النتيجة إعفاء الشرقاوى وفتحى غانم وصلاح حافظ من رئاسة تحرير ومجلس إدارة مؤسسة «روزاليوسف».
صلاح حافظ.. الصحفى اليسارى المشهور بـ«انتصار الحياة»
نشرت هدير حسن فى ١٨ يناير ٢٠١٥.
** «روزاليوسف» تصدر أول أعدادها يوم مولده.. ومصيره يرتبط بها
** اعتقل لثمانى سنوات أبدع خلالها الروايات والقصص القصيرة
بسبب «الدوجما اللى فى دماغه» لم يستطع صلاح حافظ أن يتولى رئاسة تحرير «روزاليوسف»، ففى أثناء لقاء الرئيس السادات بعدد من رؤساء التحرير والصحفيين المصريين، فى أواخر السبعينيات، قرر السادات، حينها، أن يحرمه من هذا المنصب، بسبب رأيه فى تظاهرات ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧.
كان صلاح حافظ صحفيًا وروائيًا وكاتب سيناريو، كما كان منحازا لقضايا الوطن، التى أرسلته إلى السجن مرات، وفى الفيوم، كانت البداية، حيث وُلد حافظ فى ٢٧ أكتوبر عام ١٩٢٥، اليوم الذى يوافق صدور العدد الأول من «روزاليوسف»، ودرس بالفيوم، وكانت بداية تعلقه بالصحافة والأدب، ففى أثناء دراسته بالمرحلة الثانوية شرع حافظ فى كتابة أولى قصصه، وتقدم وقتها لمسابقة القصة القصيرة، التى كانت تنظمها وزارة المعارف، وفازت قصتان من تأليفه بالمركز الأول، وكان لقراءاته أثر فى تنمية أسلوبه وصياغته، فكان متابعًا جيدًا لكتابات المنفلوطى، وطه حسين.
محطته الثانية، كانت القاهرة، حيث انتقل إليها لظروف دراسته الجامعية، فقد التحق عام ١٩٤٨ بكلية الطب، نزولًا على رغبة والده الذى أراده طبيبًا، ولكن شغفه بالصحافة لم ينتهِ، فالتحق بجريدة «المسائية»، فى أثناء الدراسة، وكان يرأس تحريرها، وقتها، كامل الشناوى، وكانت «المسائية» فرصة حافظ للتعرف على الكتاب مأمون الشناوى، ومحمود السعدنى، ومصطفى محمود، وإبراهيم الوردانى، ثم انتقل بعدها إلى جريدة «النداء»، التى كان يملكها يس سراج الدين، وطلب منه أن يعد مجلة «القصة»، وكانت المجلة تنشر قصص يوسف إدريس، ويتولى الشاعر إبراهيم ناجى رئاسة تحريرها.
وإلى «روزاليوسف»، المحطة الأبرز فى مسيرة صلاح حافظ المهنية، حيث عمل بها سكرتيرًا للتحرير، فى البداية، واشتهر بمقاله الصحفى بها، الذى يأتى تحت عنوان «انتصار الحياة»، الذى ظل العلامة المميزة له لدى جمهور القراء، على الرغم من كثرة كتاباته السياسية والسينمائية والروائية، يقول هو نفسه عن هذا المقال: «يأبى معظم الذين قرأوا لى إلا أن ينسبونى إلى عمل واحد، هو مجموعة المقالات التى نشرتها فى مجلة روزاليوسف بعنوان انتصار الحياة، وما أكاد أقدم نفسى أو يقدمنى غيرى إلى أحد من القراء، حتى يصيح: صلاح مين بتاع انتصار الحياة.. وأرد بغاية الأدب: يا سيدى أنا «بتاع» أشياء كثيرة… أنا عالجت الشعر والقصة والرواية والنقد والسياسة والترجمة والتحقيقات الصحفية.. وجربت نفسى فى الفكاهة وقصص الأطفال وسيناريوهات السينما.. وكتبت عددًا لا بأس به من المنشورات السرية.. ألم تقرأ شيئا من ذلك كله؟».
فيجيب باستنكار شديد: «عيب يا أستاذ.. أنا لم يفتنِى سطر واحد مما كتبت.. فى انتصار الحياة».
اتجاهاته وميوله السياسية اليسارية أفضت به إلى الاعتقال لثمانى سنوات، فكان حافظ عضوًا فى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى «حدتو»، ذات الخلفية الشيوعية، وكان وقتها ملتحقًا بـ«أخبار اليوم»، منذ عام ١٩٥٢، ولأنه كان يحمل منشورًا سياسيًا يتبنى أفكار الحركة التى ينتمى إليها، تم القبض عليه فى أوائل عام ١٩٥٤، وإيداعه سجن الواحات بالوادى الجديد، الذى ظل به ٨ سنوات، حتى عام ١٩٦٢، أنتج خلالها عدة أعمال أدبية، حيث كتب رواية «المتمرد» ومسرحية «الخبر»، ورواية «القطار»، وقصتين هما «أيام القلق»، و«الولد الذى جعلنا لا ندفع».
ويخرج من محبسه لتولى رئاسة تحرير مجلة «آخر ساعة» عام ١٩٦٥، التى ارتفع بتوزيعها إلى ما يقرب من ١٠٠ ألف نسخة، وانتقل بعدها إلى «روزاليوسف» ليشارك فتحى غانم رئاسة تحريرها فى ١٧ يونيو ١٩٧٤، وقت تولى عبد الرحمن الشرقاوى رئاسة مجلس إدارتها، وحلت أحداث ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، التى عبر عنها حافظ، عبر صفحات «روزا» واصفًا إياها بالانتفاضة الشعبية، مما جعل السادات يترصده.
وحسب رواية الكاتبة سناء البيسى فى مقالها المنشور بالأهرام«صلاح حافظ.. سيد المقال»، المنشور بتاريخ ١٤ أكتوبر ٢٠٠٧، فإن الرئيس السادات، وقت اجتماعه بالصحفيين ورؤساء تحرير الصحف المصرية، أواخر السبعينيات، وجه إلى صلاح حافظ سؤالًا حول أحداث ١٨ و١٩ يناير، قائلًا: «ما رأيك يا صلاح فى ١٨ و١٩ يناير.. ها.. انتفاضة شعبية ولا انتفاضة حرامية؟»، فأجابه صلاح، وهو يحتفظ بابتسامته: «إن هناك عوامل موضوعية أدت إلى الانتفاضة، وإن دخول العابثين فى صفوفها لا يعنى أنها انتفاضة حرامية»، فرد عليه السادات: «يعنى يا صلاح الدوجما اللى فى دماغك زى ما هى، طيب أنا كنت حختارك رئيس تحرير لـ«روزاليوسف»، خليك بقى المرة دى، وعبد العزيز خميس حيكون رئيس التحرير».
إلى جانب مشواره الصحفى، وأعماله الأدبية، ساهم حافظ فى تحويل رواية «زينب والعرش» إلى مسلسل عكف هو على كتابة السيناريو الخاص به، كما ترجم بعض الكتب والمذكرات الأجنبية، ومنها: «التاريخ الجنسى للإنسان»، و«شارلى شابلن».
وظل حافظ يكتب مقالاته، التى يعبر بها عن أحوال البلاد، والتى اعتبر البعض أبرزها مقاله عن تزوير الانتخابات البرلمانية، المنشور بـ«روزاليوسف» فى ١٥ نوفمبر ١٩٨٥، والمعنون «أهلا بالاستبداد»، وواجه فيه ما رأه استبدادًا لرفض الديمقراطية، واستمر على حرصه الشديد على كتابة هذه المقالات، حتى مع إصابته بورم فى المخ، أصبح على إثره جليس الفراش، فحتى آخر يوم فى حياته أبدى صلاح حافظ قوة وشجاعة فى مواجهة ما يخالف ضميره ومبادئه، حتى رحل فى ٤ مارس ١٩٩٢.
ألف تحية لأستاذنا صلاح حافظ