الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تركيا وإيران.. العشق المسموح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصف تركيا نفسها بخلافة السُّنة العائدة.. تبيع الوهم في الخليج على أنها ضد الشيعة.. تصطنع أزمة مفتعلة مع الحشد الشعبي في العراق بينما هي نائمة في فراش إيران وروسيا.. وتتقرب من بشار الأسد بنفس مقدار قربها من الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين، تكسب الأعداء وهى ضامنة قدرتها على التلاعب بالأصدقاء.. الكل يحتاجها لأنها عراب الجميع لإسرائيل، اللاعب الخفي خلف الكواليس لترتيب الإقليم مع روسيا - عدو الأمس صديق اليوم - في ظل الانعزال الاختياري للحليف الأمريكي.
ميكافيلية أردوغان وصراعه للبقاء على رأس السلطة التركية تدفعه إلى التعاون مع الشيطان نفسه للحفاظ عليه في مكانه، حتى ولو على حساب شعوب تركيا والعراق وسوريا والأكراد الذين يتقاتلون مع داعش وجبهة النصرة وغيرها من الحركات الإرهابية المسلحة التي كانت جزءًا من العمل الاستخباراتي التركي فيما قبل التصالح مع روسيا والانقلاب على الولايات المتحدة، قفز أردوغان من مركب صديقه أوباما ويحاول الآن الاحتفاظ بكل أوراق اللعب في انتظار الرئيس الأمريكي الجديد، ويبدأ مرة أخرى في اللعب معه ومع الروس أيضًا، فهو بلا مبدأ ويملك ألف وجه.
وقد لا يعلم الكثيرون أن تحت سطح ما يتوهم البعض أنه خلاف سنى شيعي بين إيران وتركيا هناك تعاون اقتصادي وصل إلى 30 مليار دولار، وهناك خطة لرفعه إلى 50 مليار دولار خلال الأعوام المقبلة بين تركيا وإيران، والشاهد على ذلك الزيارة التي قام بها أردوغان نفسه عقب توقيع الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران ورفع الحظر المفروض عليها والتقى خلالها بالمرشد الأعلى "علي خامنئي"، والرئيس "حسن روحاني".. كيف إذًا يمكن أن يتقاتل مع دولة يتعاون معها اقتصاديًا بمثل ذلك المبلغ.. فضلًا عن رغبة كلا الدولتين في منع قيام دولة كردية على حدودهما وفى ذلك تشاركهما حكومة دمشق أيضًا وهو ما اصطدم برغبة أمريكية في مكافأة الأكراد على قتالهم لداعش بالنيابة عن الولايات المتحدة.
ثم كانت لهفة إيران على أردوغان واضحة حينما تعرض للانقلاب العسكري الكارتوني والذى اتخذه ذريعة للتخلص من كل معارضيه بعدما جاءت نتيجة الانتخابات في غير صالحه، واضطر لإعادتها ثانيًا لينجح بنسبة ضئيلة على واقع خوف الأتراك من المستقبل، كانت إيران حاضرة لدعمه بقوة، فكيف يقود السُّنة لمحاربتها كما يحاول إقناعنا كُتاب السعودية.
مصادر متعددة تتحدث عن تنسيق كبير يتم بين إيران وتركيا، وأن سر التمسك السعودي بتركيا هدفه التوصل إلى تهدئة يقودها أردوغان مع إيران، فإذا كان الأمر كذلك لماذا المزايدة على الموقف المصري في الأزمة السورية، فالجميع يعلم أن مصر لا يوجد بينها وبين إيران علاقات مباشرة وأن مصر متمسكة بمطالبها السابقة في إعادة العلاقات مع إيران وأبرزها تغيير اسم الشارع المسمى باسم قاتل الرئيس الشهيد أنور السادات، وأن مَن التف حول الطلب المصري كان الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى الذى تحرك بإيعاز من جماعته وموافقة أردوغان واستقبل أحمدي نجاد بالقاهرة وفتح له مسجد الحسين، ثم فتح الباب أمام السياحة الإيرانية.
دخلت تركيا بقواتها للعراق في محاولة لفرض أمر واقع، وأنها شريك في إخراج داعش ونفس الأمر حدث في سوريا، وتحرك الجيش التركي في مساحات خالية من الجماعات الإرهابية المسلحة، ولم يظهر أنهم أطلقوا رصاصة واحدة أو قتلوا داعشيًا، فضلًا عما تعرض له الجيش التركي من إذلال بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وفقدانه لكثير من قواته المدربة الموجودة في السجون، وهو ما يؤكد أننا أمام حركة مسرحية يسعى من خلالها أردوغان لإثارة الجدل وجمع الكروت من المنافسين وإثبات وجوده أمام الأتراك في الداخل.
أردوغان لخص صراعه الوحيد في المنطقة مع مصر ومع الرئيس عبدالفتاح السيسي، وفى ذلك التقى برغبة إيرانية في تعطيل مصر ورفع تكلفة أزمتها الاقتصادية، والهدف المشترك هو عدم استفادة مصر من اكتشافاتها البترولية الجديدة والتى تنافس الغاز الإيراني والروسي والقطري والإسرائيلي في المتوسط، وقد ظهرت نوايا مصر خلال اللقاء الثلاثي بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء اليوناني والرئيس القبرصي، وهو أمر قد يهدد العوائد المتوقعة لهذه الدول من وجود احتياطيات للغاز لديها.
لا تركيا أو إيران تريدان لمصر أن تعود لممارسة دورها الإقليمي والدولي، وتحاولان استثمار الخلافات العربية البينية للمزايدة على مواقفها ودعم جماعات الإرهاب باسم الدين فيها، فالكل يعلم أن عودة مصر تقتطع من رصيده الإقليمي والدولي، فمصر تبحث عن السلام وإنهاء معاناة الشعوب واستعادة الحكومات الوطنية لمكانتها ودورها، وهو أمر قد يعطل خطط تركيا وإيران للاستيلاء على أراضٍ جديدة ومص دماء شعوب المنطقة وخيراتهم في معارك طائفية تهدد حياة الجميع.