رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" تكشف اللحظات الأخيرة في حياة "قاتلي السادات"

يرويها أحد منفذى حكم الإعدام رمياً بالرصاص

قاتلى السادات
قاتلى السادات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
١٠ جنود أطلقوا الرصاص على خالد الإسلامبولى فمات خلال دقائق.. وحسين عباس كان مهزوزا والإثنان لم يتراجعا حتى في اللحظات الأخيرة
لحظات حاسمة وعصيبة تلك التي يواجه فيها الإنسان الموت، سواء كان محكوما عليه بالإعدام أو منفذا للحكم، في مواجهة ذلك العدو الأشرس تجد القوى ضعيفا، ويفقد المتماسك ثباته فيصير مذعورا مهزوزا، لحظات وينتهى كل شىء ويواجه الإنسان مصيره.
ليس من سمع كمن خبر، فتفاصيل مشهد كهذا لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، تترك صورة الدماء أثرها في النفس طوال العمر، وتحفر الكلمات الأخيرة والحركات والسكنات تفاصيل اللحظة بما فيها من مشاعر متناقضة في الخيال. مشاعر متلاطمة تسيطر على صاحب فعل «القصاص»، موجة تحمل الرحمة وأخرى تغمرها القسوة، وفى المقابل يمتزج الإصرار والثبات على الموقف بالندم أو على الأقل الرغبة في فرصة أخيرة للحياة.
لم يكن المجند الصعيدى عربى عبد القادر ابن محافظة المنيا عندما التحق بالجيش عام ١٩٨٠ يعلم أنه سيكون على موعد مع التاريخ، وأنه سيكون أحد القناصة الـ١٢ الذين قاموا بتنفيذ عملية إعدام خالد الإسلامبولى قاتل السادات.
عربى البالغ من العمر ٤٩ عاما الآن، من مواليد مدينة المنيا التحق بالجيش عام ١٩٨٠، وأمضى به عامين كمجند قبل أن يتم اختياره لينتقل إلى مركز تدريب الشرطة العسكرية كمدرب، فقد كان أحد أمهر القناصة بالجيش في ذلك الوقت.
تفاصيل ما جرى لا تزال محفورة في ذهن عربى وهو يرويها قائلا: «ذات يوم جاء القائد الخاص بنا واختار ١٢ جنديا من القناصة كنت من بينهم، قاموا بنقلنا إلى سرية أخرى تتبع أيضا الشرطة العسكرية، وتم نقلنا في سيارة مغلقة في وقت متأخر من الليل، ولم يخبرنا أحد بأى شىء عن سبب نقلنا من مكاننا، وبعد أن أمضينا ليلتنا في هذا المكان جاءت سيارة في نحو الساعة الخامسة صباحا وحملتنا إلى منطقة تسمى الجبل الأحمر، وهى منطقة جبلية عسكرية بها ميدان للرماية، تم إنزالنا في هذا الميدان ونحن ما زلنا لا نعرف شيئا عما يدور حولنا.
بعد ذلك تم إحضار هياكل على هيئة أشخاص وأمرونا بأن نقوم بالنيشان على هذه الهياكل تحديدا في منطقة القلب، وكان هذا بالنسبة لنا أمرا في غاية السهولة، فهذه المجموعة من أمهر القناصين الموجودين بالجيش المصرى، وبعد أداء هذه التدريبات اجتمع بنا القائد، وقال لنا إننا الآن بصدد القيام بمهمة عسكرية مهمة جدا، فلقد أتينا اليوم لتنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص في خالد الإسلامبولى وحسين عباس.
كانت غالبية الآراء طبعا مع تنفيذ الأمر، وكان الجميع ناقمين على خالد ومجموعته ومتعاطفين جدا مع الرئيس السادات، فقد كانوا يقولون: «هو الرئيس السادات عمل إيه وحش عشان يقتلوه؟!»، لكن أنا كنت قد حسمت أمرى بسرعة، واتخذت قرارى بعدم إطلاق النار على خالد أو حسين أو أي مواطن مصرى آخر، فالأسماء لا تهم فقد تدربت وتعلمت في الجيش على أن أوجه بندقيتى إلى العدو وليس إلى أحد من أبناء الشعب».
يمضى عربى قائلا: «جلسنا في الخيمة الموجودة في مسرح العملية الذي كان عبارة عن منطقة جبلية بها جسر مبنى من شكائر الرمال ترتفع نحو ٥٠ سم من سطح الأرض موجهة إلى شىء اسمه «العروسة» على بعد ١٥ مترًا منها، والعروسة هذه عبارة عن دوران مسلح تقريبا مترين في مترين يخرج منه عامود خشبى على هيئة صليب يتم ربط المحكوم عليه بالإعدام فيه.
وفى نحو الساعة السادسة والنصف صباحا جاءت عربة مصفحة يحرسها أكثر من سيارة أخرى، بينما كانت ثلاث طائرات هليكوبتر تدور حول المكان، وتم فتح باب السيارة المصفحة، ووجدنا خالد الإسلامبولى مسلسلا بالحديد من يديه ورجليه، وتم إنزاله من السيارة، وكان يرتدى بدلة زرقاء ما عدا منطقة القلب كان عليها ما يشبه الجيب الأبيض، وهذه المنطقة هي التي سيتم النيشان عليها، ويرتدى شالا أبيض اللون على كتفيه، وكانت هيئته مهيبة في الحقيقة».
يكمل عربى: «قام أحد الضباط بإلقاء البيان الخاص بإعدام خالد الإسلامبولى ووقائع الحكم عليه، وبعد انتهائه من تلاوة البيان قام بإعطاء التمام للواء الموجود، في ذلك الوقت لم يكن بينى وبين خالد سوى ٥ أمتار قليلة، وكان ثابتا قويا لا يهتز ولا تبدو عليه علامات تفصله عن الموت خطوات.
بعد أن أعطى الضابط التمام للواء أشار إليه اللواء ببدء عملية الإعدام، فتوجه الضابط إلى خالد وسأله بالحرف الواحد:
الضابط: نفسك في إيه يا خالد قبل الإعدام.
خالد: أريد أن أصلى ركعتين لله.
الضابط: سأقوم بإحضار الماء لك لتتوضأ.
خالد: لا، أنا متوضئ.
افترش خالد الشال الذي كان على كتفه أرضا، وبدأ في صلاته وفى السجود الأخير في الركعة الثانية أطال الشيخ خالد في سجوده كثيرا والصمت يخيم أرجاء المكان، فتوجه إليه الضابط ووضع يده على كتفه لأننا ظننا أنه توفى، إلا أن اللواء صرخ في الضابط بصوت عال وقال له: «سيبه خليه يصلى براحته زى ما هو عايز».
هنا انتبه خالد، وقام من سجوده، وقرأ التشهد الأخير في حياته، وأنهى صلاته، ووقف على قدميه، فتوجه نحوه اثنان من الجنود، وقاما بإمساكه من ذراعيه، وتوجها به إلى العروسة، وقبل أن يوثقاه، قام بوضع يده في جيبه وأخرج منه مصحفا صغيرا وعود سواك، وقام بتسليمهما للضابط، وطلب منه إيصالهما إلى والدته.
قام الضباط بربط خالد بالعروسة من ذراعيه اليمنى واليسرى، ومن أسفل قدميه، وعندما أرادوا تغميته رفض ذلك وأصر فتركوه كما أراد، رجع الضابط إلى الخلف، وبدأ برفع يده اليمنى إلى أعلى، وأثناء رفع يده هناك مجموعة من العازفين على الطبول الصغيرة بدأت تدق بسرعة، وهذا معناه في الجيش وضع الاستعداد، وبالفعل قام الجنود العشر بأخذ وضع الاستعداد، وشد أجزاء السلاح الموجود به طلقة واحدة فقط مع كل منهم، وكل واحد يصوب سلاحه إلى قلب خالد، وفى اللحظة التي قام الضابط بإنزال يده إلى أسفل تم العزف على الطبلة الكبيرة بالدق مرة واحدة، وهنا قام الجنود العشرة في لحظة واحدة بإطلاق رصاصاتهم إلى صدر خالد الإسلامبولى.
الرصاصات العشرة اخترقت جسد خالد وخرجت من الناحية الثانية، واصطدمت بالجبل الذي كان خلفه، وأحدثت غبارا كثيفا، في هذه الأثناء كان خالد مثبتا نظره إلى أعلى في قوة غير طبيعية، وكان ذلك مسار رهبة لكل الموجودين الكبير قبل الصغير، والحقيقة أنهم تعاملوا مع خالد باحترام شديد جدا في حياته وبعد موته».
يقول عربى: «منذ وصول خالد الإسلامبولى إلى هذه اللحظة وعيناى لم تذهب بعيدا عنه، وبعد إطلاق العشر رصاصات عليه كانت المفاجأة، فهو لا يزال حيا، فقد بدأت يده اليمنى تتحرك ويداه اليسرى ورأسه تتحرك إلى اليمين، فأسرع ضابط متجها ناحيته، ويبدو أنه كان ضابطا طبيبا أمسك يد خالد اليسرى ليقيس له النبض، وإذا به يخرج مسدسه من جيبه ويشد الأجزاء ويوجهه نحو رأس خالد استعدادا لإطلاق النار على رأسه لإنهاء حياته حتى لا يتعذب، وهذه هي القواعد في الجيش، إلا أن الضابط الآخر أشار له بالانتظار لثوان، وفعلا ما هي إلا ثوانى معدودة وفارق خالد الإسلامبولى الحياة.
بعد ذلك تم حل خالد وإنزاله من على العروسة وجاءت سيارة الإسعاف ونزل منها اثنان وقاما بحمله على النقالة إلى سيارة الإسعاف وغادرا بالجثمان في حراسة شديدة».
يكمل عربى: «بعد نحو ربع ساعة جاءت سيارة أخرى مصفحة ونزل منها حسين عباس الذي كان يرتدى نفس بدلة خالد، ولم يكن ملتحيا، وعقب نزوله تم إلقاء البيان الخاص بإعدامه، وفى الحقيقة حسين عباس كان مهزوزا جدا، وكان يقول بأعلى صوته: «حرام عليكوا يا ظلمة يا عملاء.. قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.. حسبنا الله ونعم الوكيل»، ولم يرد عليه أحد.
وتوجه إليه الضابط وسأله هل تريد شيئا؟ فلم يجب، وعندما أخذه إلى العروسة لتنفيذ الحكم فيه رفض السير وتشبث بمكانه، فقاموا بسحبه إلى العروسة وربطه فيها بصعوبة بالغة، وقاموا بتغطية وجهه، وبدءوا في تنفيذ نفس المراسم التي تمت في إعدام خالد الإسلامبولى وبمجرد إطلاق النار على حسين لم يحرك ساكنا، ومات على الفور من لحظته».
يقول عربى: «مجموعتنا قامت بإعدام خالد الإسلامبولى وحسين عباس فقط، ولا أعرف شيئا عن الآخرين ربما تكون هناك مجموعة أخرى هي من تولت إعدامهم.
وأثناء عودتنا إلى وحدتنا كان الصمت يخيم على الجميع والكل كان متأثرا جدا، وفجأة صاح أحدنا بصوت عال يملؤه الحماس، وقال لقد أطلقت النار على رقبة حسين عباس مثل ما أطلق النار على رقبة الرئيس السادات، وكان مفتخرا جدا بما فعله، أما بالنسبة لى فهذه الحادثة لم تفارق ذهنى طيلة حياتى إطلاقا، فلم يبد على خالد الإسلامبولى الندم بل كان ثابتا وقويا، وقد استفدت من هذه التجربة، حيث إننى تعلمت أن الإنسان عندما يأخذ قرارا لا بد أن يراجع نفسه فيه أكثر من مرة.