الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

إبراهيم عبدالتواب.. عنوان الصمود

 العقيد أركان حرب
العقيد أركان حرب إبراهيم عبد التواب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حفر العقيد أركان حرب إبراهيم عبدالتواب الذي قاد الرجال في ملحمة كبريت البطولية خلال حرب أكتوبر 1973، اسمه في التاريخ بحروف من نور، لصموده مع رجاله طوال فترة الحصار من أبرز الشخصيات العسكرية المصرية، وسيظل اسمه شهابًا لامعًا في سجل الخالدين، رائدًا من رواد العسكرية المصرية بعد أن خضب بدمه أراضيها، وبرهن على أن النفس تُبذل رخيصة في سبيل الوطن.
نشأ إبراهيم عبدالتواب أحمد في بيت صغير بإحدى قرى محافظة أسيوط في 10 مايو 1937، وكان والده رجلًا متدينًا يحفظ القرآن الكريم، يربى أولاده وفقا لتعاليم الإسلام، ومع بداية المرحلة الثانوية خرج إبراهيم لأول مرة خارج بلدته حيث التحق بمدرسة المنيا الثانوية، وكان حلمه الكبير الذي يضعه نصب عينيه هو التحاقه بالكلية الحربية.
فور حصول إبراهيم عبدالتواب على شهادة إتمام الدراسة الثانوية تقدم بأوراقه إلى الكلية الحربية، ولكن لسوء الحظ لم يوفق في القبول بها، وتقدم إلى كلية التجارة رغمًا عنه، وضد رغبته الشخصية وأتم السنة الأولى بنجاح، إلا أنه تقدم في محاولة أخرى لدخول الكلية الحربية في العام التالي بروح لا تعرف اليأس، وقبل ضمن الدفعة الجديدة، وبدأ رحلته في الجندية مع بدايات عام 1955، وفى نهاية عام 1956 تخرج في الكلية الحربية برتبة ملازم ثان فكان مثالا لاحترام القادة وطاعة الأوامر.
وكان مثاليًا في قيادة الرجال فاكتسب محبة القادة والزملاء وحاز على ثقتهم، فكانت تسند إليه المهام الخطيرة إيمانا من القادة بأنه لن يتوانى في تنفيذ المهام مهما كانت صعبة.
وتدرج في سلك القيادة إلى أن وصل إلى رتبة النقيب، وكانت وحدته ضمن القوات المصرية التي ذهبت إلى اليمن لمساندة الثورة في مهدها حيث كشفت هذه الحرب عن معدن البطل وكفاءته في قيادة الرجال، ثم عاد من اليمن فوجد نفسه مرشحًا للعمل مدرسًا في الكلية الحربية تكريمًا له وحتى يكون مثلًا يحتذى به لقادة المستقبل.
وفور وقوع نكسة الخامس من يونيو 1967 طلب الانتقال إلى صفوف المقاتلين إيمانًا منه بأن الواجب في هذه المرحلة هو محاربة العدو والنيل منه من أجل مصر، فتم نقله إلى القوات الخاصة.
وتولى مناصب قيادية عديدة خلال ثلاثة أعوام حتى وصل إلى منصب رئيس أركان إحدى مجموعات الصاعقة، وخلال تلك الفترة صدرت الأوامر بتشكيل لواء ميكانيكي مستقل يتبع القوات الخاصة، فكان إبراهيم أول من تقدم للانضمام إلى هذا اللواء، وأمام هذه الرغبة تم تعيينه قائدا لإحدى كتائب هذا اللواء.
كانت مهمة الكتيبة التي يقودها إبراهيم عبد التواب هي القيام بالعمل كمفرزة برمائية تقتحم البحيرات المرة الصغرى، وتتحرك شرقًا على طريق الطاسة، ثم طريق الممرات لتهاجم وتستولى على المدخل الغربي لممر متلا، وتؤمنه بقوة كتيبة عدا سرية ورفع سرية مدعمة لتأمين درب الحاج.
وفور انطلاق الشرارة الأولى لحرب أكتوبر1973 اقتحم إبراهيم عبد التواب مع رجال كتيبته البحيرات المرة الصغرى، حتى وصل إلى الضفة الشرقية للبحيرات دون اكتشاف العدو له، وواصلت الكتيبة تقدمها وهى تقاتل العدو قتالا ضاريا تحت قيادتة.
وتمكن مع رجاله من تدمير دبابتين، ثم صدرت له الأوامر بعد ذلك باحتلال رأس شاطئ وتحقيق الاتصال مع الفرقة السابعة المشاة، وعلى الفور أخذ أوضاع الدفاع عن تلك المنطقة وقامت الكتيبة تحت قيادته بصد هجمات العدو الجوية والأرضية المتتالية، والتي تكبد فيها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، حيث تم إسقاط طائرة فانتوم وطائرتين ميراج بأيدى رجال الدفاع الجوى العاملين من الكتيبة، إضافة إلى الخسائر الجسيمة في الأفراد.
وفي يوم 9 أكتوبر1973 صدرت الأوامر للمقدم إبراهيم بالاستعداد لمهاجمة النقطة القوية شرق كبريت والاستيلاء عليها وتأمينها وعلى الفور واتخذ في ذات الوقت قراره السليم باستغلال نيران المدفعية والدبابات بحيث يتم اقتحام نقطة كبريت القوية من اتجاهى الجنوب والشرق بقوة سرية مشاة مدعمة، وقيام باقى وحدات الكتيبة بعزل النقطة وحصارها من جميع الاتجاهات لمنع تدخل الاحتياطي المحلى للعدو.
وفى تمام الساعة السادسة والنصف من صباح يوم التاسع من أكتوبر تحركت الكتيبة بقيادة البطل في طريقها إلى النقطة لينهال عليهم قصف طيران العدو، إلا أن معنويات البطل وجنوده كانت في السماء وواصل تقدمه نحو الهدف وعلى مسافة نحو 3 كم من النقطة ظهرت قوات العدو وعلى الفور أمر المقدم إبراهيم رجاله بالتعامل معهم بالصواريخ المضادة للدبابات، وتم تدمير دبابتين للعدو فما كان من باقي دبابات العدو إلا أن توقفت وبدأت في التراجع والهرب خلف التباب.
وبدأ في اقتحام النقطة بالفعل ليجد دبابات العدو وبدأت في الانسحاب في اتجاه الشرق مذعورة، ليصدر أوامره على الفور لرجاله بالتعامل معهم، لتكون النتيجة تدمير كل الدبابات تدمير كل الدبابات وقتل معظم أفرادها وأسر الباقي، وتم اقتحام النقطة والاستيلاء عليها ورفع علم مصر عليها.
أدرك البطل منذ اللحظة الأولى أهمية موقع كبريت، كما أدرك أن العدو سيعاود الهجوم المضاد في محاولة لاسترداده حيث إنه كان مقرًا لإحدى قياداته الفرعية وملتقى الطرق العرضية شرق القناة.
ويمكن منه السيطرة على كل التحركات شرق وغرب منطقة كبريت، وأنه يعتبر نقطة الاتصال بين الجيشين الثانى والثالث وبالفعل حاول العدو استرداد الموقع مرارا إلا أنه فشل فشلًا ذريعًا، ونتيجة لفشل العدو المتكرر في استرداد النقطة قاموا بحصارها بأمل تحقيق هدفه عن طريق عزلها عن باقى القوات المصرية، ومنع الإمداد عنها واستمر هذا الحصار لمدة 134 يومًا كاملة، حتى فرض على العدو اتخاذ قرار الانسحاب نتيجة اتفاق الفصل بين القوات، ورغم ظروف الحصار القاسية.
إلا أن البطل إبراهيم عبد التواب وقف وسط جنوده وقال لهم: "إذا ضربوا طلقة نرد عليهم بعشرة"، وكان لا يسمح بأى تحرك في مواجهة الأرض التي يسيطر عليها الموقع، أي حركة من جانب العدو كانت تقابل بإطلاق النار الفورى من الموقع، وكان إبراهيم عبد التواب يدفع بكمائن مسلحة إلى المياه لحماية قوارب التعيين الآتية من الجيش الثالث.
جن جنون العدو فازدادت الهجمات المضادة شراسة ولكنه خسر الكثير وحاول تفسير سر هذا الصمود، فظن أنه رغبة في التمسك بالحياة، فعرض عليهم الاستسلام مع الوعد بحسن المعاملة، لكن البطل رفض ذلك بل قرر القيام بإغارة على العدو.
وفى يوم 13 يناير1974 بينما كان البطل إبراهيم عبد التواب يقود إحدى الغارات على العدو سقطت دانة غارة للعدو بالقرب منه، فاستشهد أسطورة الصمود وكانت آخر كلمات التي قالها" إياكم والتفريط في الموقع فشرف مصر وكرامة جيشها معلق بنصركم".
وأرسل قائد الجيش الثالث برقية إلى موقع كبريت من هيئة عمليات القوات المسلحة وذكر فيها" نقدر فيكم روح البطولة والفداء ونحيى روح الشهيد إبراهيم عبد التواب أملنا وثقتنا كبيرة في صمودكم وثباتكم تحيتنا لجميع رجالكم وإلى الأمام على طريق النصر".
وتعاهد الرجال على الصمود، كما أراد الشهيد العظيم ولابد أن نحقق له ما أراد، وقاموا بدفنه على مستوى الأرض وكانت الدانة التي استقرت إحدى شظاياها داخل جسد الشهيد العظيم آخر دانة تطلق على الموقع فقد انسحب العدو بعد أيام تنفيذًا لاتفاقية فصل القوات وبقى موقع كبريت وقائده البطل الشهيد إبراهيم عبد التواب إلى الأبد رمزا للبطولة والصمود.