الجمعة 07 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

النورس عاد يغرد من جديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل عام ومصر بخير، مرت ثلاثة وأربعون عامًا على انتصار حرب أكتوبر ما دعانى كى أتأمل وأسترجع ذكريات اليوم العظيم «السادس من أكتوبر» فقد كان يوم سبت ووافق العاشر من شهر رمضان وكنا صائمين ونستعد لبدء العام الدراسى، وعلى ما أذكر كنت فى السنة الثانية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولكن فى هذا اليوم كنت فى دمياط بحكم أنى من أبناء القناة، وتقرر تهجير أهالى بورسعيد سنة ١٩٦٩ مع تطوير حرب الاستنزاف وبناء حائط الصواريخ، حيث لعبت منظومة الدفاع الجوى دورًا أساسيًا فى مواجهة العدو الإسرائيلى الذى تساقطت طائراته فى أجواء الوطن ولكن هذه المرة بجد وليس كما روج إعلام ١٩٦٧!. 
وقبل حرب أكتوبر بـأشهر قليلة عملنا معسكرًا لمنظمة الشباب ببورسعيد وحرصت مع زملائى على التجول فى شوارع المدينة الخالية من سكانها وشعرت بالأسى لأنه انتابنى إحساس باننا لن نعود مرة أخرى إلى بورسعيد التى كنت أصفها دوما بعاشقة البحر والبحيرة والقناة، وتوجهنا إلى ممشى ديليسبس باحثين عن طائر النورس الذى كان رفيقًا للممبوطية ولكن لم نجد شيئا، كلاهما هجر المكان. 
وبعد عودتى دمياط ازداد شعورى بالغصة والإحباط لأنى كنت متصورا أن التهجير قد يستغرق أياما، ولكنه امتد لسنوات، وفجأة وفى يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ عند الساعة الثانية ظهرًا وجدت فرحة عارمة بين الناس لأن الراديو كان يذيع البيان العسكرى رقم «١» بصوت الإذاعى الراحل، صبرى سلامة، بهدوئه الذى تعلمناه منه ودون انفعال أو حماس يقول «نجحت قواتنا المسلحة فى عبور قناة السويس بطول خط المواجهة مع العدو» وهنا أدركت أن الحلم الذى طال انتظاره قد تحقق لكن ساورنى القلق وتذكرت لحظات الهزيمة القاسية فى ٦٧ وسرعان ما تبين لى أن الأمر هذه المرة مختلف. 
مع تواتر الأنباء والبيانات العسكرية عن سقوط خط بارليف المنيع ورفع العلم المصرى على الضفة الشرقية للقناة، توجهت على الفور مع أصدقائى نطلب التطوع فى قوات الدفاع المدنى والمقاومة الشعبية، كما قررت جامعة القاهرة التدريب العسكرى لكل الطلاب وانتظمت مع زملائى فى التدريب بملاعب المدينة الجامعية، وتعلمت خلاله كيفية استخدام البندقية الآلى وبندقية أخرى كانت تسمى ٧/٦٢ نصف آلى. 
وهكذا وقفت الجبهة الداخلية خلف القوات المسلحة الباسلة على خط النار التى صنعت ملحمة قتالية غير مسبوقة فى التاريخ العسكرى وحطمت أسطورة جيش إسرائيل الذى لا يقهر، وبعد أقل من عام من نصر أكتوبر قرر الرئيس الراحل أنور السادات عودة سكان مدن القناة الثلاث، وإنهاء حالة التهجير القاسية، وعدت إلى بورسعيد وأول شيء قمت به بمجرد وصولى التوجه إلى شط القناة، ورغم أن القناة لم يتم إعادة افتتاحها إلا فى الخامس من يونيو ١٩٧٥ إلا أننى وجدت شيئا غريبا، وجدت طائر النورس يرفرف بجناحيه ورايته يحوم بالقرب من معدية بورفؤاد كأنه عاد يهنئ مع شعوره بالنصر ومع عودة المهجرين إلى بلاهم التى لم تعد مدن أشباح، وعاد يغرد طائر النورس من جديد!!