السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"عاوزة اتجوز".. حلم 5 ملايين عانس في مصر.. انتشار عشرات المكاتب لتوفيق راسين في الحلال بالمناطق الشعبية..ادفعى 700 جنيه وقدمي حافظة ورق مرفق بها صورة حديثة6×6 وانتظري فارس الأحلام

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جوزوها، صرخات جمعيات الرفق بالعوانس، 103 مكاتب بالقاهرة شاغلهم الشاغل الآن القضية، أخذوا على عاتقهم مواجهة تأخر زواج البنات، انتشار خاص لهم في المناطق العشوائية، أسعار حجز تبدأ من 700 جنيه للراغبين في الحصول على المراد وفارس الأحلام، بشرط تقديم حافظة ورق مرفق بها صورة حديثة 6×6 وصورة بطاقة شخصية مع شعار: "الباقي ع الله". 

اللافت أن العنوسة بين الشباب المصري أصبح يضرب بها المثل بين المجتمعات العربية، فيما أكدت آخر الإحصاءات الرسمية أن هناك ما يقرب من 5 ملايين فتاة وصلن إلى سن 35 سنة دون زواج ما يقلل من فرصة الارتباط أو مصادفة زوج مناسب، ما يفتح "أبواب جهنم" ويسمح بظهور بدع اجتماعية جديدة لا تناسب حياتنا وعاداتنا وتقاليدنا تتمثل في " مكاتب الزواج " التي تهتم بالبحث عن "شريك الحياة" بما فيها من نصب وابتزاز لمشاعر وجيوب الشباب، البعض يراها بديلا للخاطبة ويؤيدها، والبعض يرفضها. 
"سميرة محمد" قالت، أنها متزوجة لكنها سمعت بتلك المكاتب فقامت بالتقديم لصديقة عزيزة عليها فيها وأعطتهم مواصفاتها لأن طبيعة الحياة في المدينة و"ريتم" الحياة السريع لا يجعل الناس تتعارف وبالتالي يصعب فرصة التلاقي بين الأشخاص فكانت الحاجة للعودة لمن يوفق "راسين في الحلال".
بينما جاء رد "رامي عبد النعيم" رافضا لتلك المكاتب مؤكدا أن معظمها "نصب في نصب" وأهم شيء عندهم الرسوم التي يتحصلون عليها منك، لكن مسألة الجدية في مساعدتك في الاختيار غير موجودة هما بيرشحوا الأسماء اللي عندهم وانت وحظك.
كما كشفت "مرفت جمال" عن أن بعض تلك المكاتب يسير في "الغلط" ويروج للحرام والدعارة وقد سمعت من إحدى صديقاتها أنها تعاملت مع أحد المكاتب وكان العريس في النهاية يريد زواج عرفي أو ما يشبه "المسيار" في الخليج، وطبعا هذا ليس زواج لأنه ليس فيه استقرار وعرف المجتمع يرفضه ومشكوك فيه شرعا.
وفي ذات السياق أشارت د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع إلى أن تلك المكاتب يعد العمل فيها جريمة جنائية واجتماعية فلا تراخيص لها وهذا ما علمناه من أكثر من مصدر، وأيضا جريمة في حق المرأة والشباب بشكل عام، هي أشبه بسوق الجواري والعبيد تدخل "تنقي وتختار من يعجبك بحسب المكتوب من البيانات وهذا لا يمت للزواج بصلة، لأن الزواج لابد فيه من التوافق بين الفكر والنفسية والأهداف والبيئة الاجتماعية وعوامل أخرى كثيرة، مطالبة بتضييق الخناق على تلك المكاتب وإغلاقها أو الإشراف عليها من قبل وزارة الداخلية والتضامن الاجتماعي.


من جانبنا، حاولنا الاقتراب من هذا العالم الغامض لمعرفة ما يدور فيها، رصدنا أهم المناطق التي تنتشر فيها وكيفية التعامل معها وسيناريوهات التعامل، لوحظ أن أصحاب المكاتب حذرين من كشف هويتهم أو تمكين أحد منهم بما يسهل وقف نشاطهم أو القبض عليهم والسبب أنهم أو كثير منهم يمارسون عملهم خارج نطاق القانون.
صادفتنا بعض اللافتات المعلقة على جدران بعض الشوارع في منطقة فيصل "الشعبية" مكتوب فيها أرقام محمول وعليها عبارات من قبيل "عروستك عندنا" أو "نساعدك في البحث عن النص الحلو" ولافتة ثالثة كتب عليها بكل صراحة "مكتب زواج للجادين" وخلال التفكير في القصة التي سندخل بها عليهم وجدنا طريقة أخرى أسهل وأكثر انتشارا للترويج لتلك المكاتب وهي مجلات الإعلانات المبوبة التي تزايد انتشارها في الفترة الأخيرة، حيث الإعلان عن شركات وهمية مثل "الماسة" و"فرح" و"الفجر" و"الأميرة" و"جوهرة التاج" تدعوك للاتصال بها من خلال عدة أرقام من مختلف شبكات الحمول وبعضها يضع رقم خط أرضي لتشجيعك ولكسب مزيد من الثقة في قانونية عملهم وسمعتهم الطيبة وبالتأكيد "هتلاقي عندهم طلبك وشريك الحياة المنتظر".
كان أول تعامل مع تلك المكاتب من خلال أحد الأرقام مع مكتب "فرح" والذي كان يتخذ له من شارع فريد السباعي بمنطقة فيصل مقرا له وبعد الاتصال الأول مع أحد ممثلي المكتب بدأنا معها بالتعارف وكان اسمها "مدام مروة" والتي حرصت أول شيء على التأكد من بياناتنا بداية من الاسم والسن والمؤهل والمهنة التي لم ننكر أو نخفي عليهم عملنا الصحفي، نهاية بمواصفات شريك الحياة المرتقب، واشترطت تقديم صورة من البطاقة وصورة شخصية.
لم يكن صعب تعريف نفسي لها بأني منفصل وأبحث عن زوجة جديدة تشاركني الحياة بعد أن فشل زواجي الأول، وأني لا أجد في محيط عملي أو الأقارب من يناسبني؛ لذلك اتجهت للبحث عنها بين مكاتب الزواج لعلي اهتدي إليها، وشعرت أثناء حديثي معها لأول مرة على الهاتف أنه لا يعنيها أي شيء مما شرحت لها غير "الخلاصة" وهي رسوم المكتب والتي كانت 300 جنيه تدفع في البداية عند أول مقابلة مع صورة البطاقة وصورة شخصية وستقوم بترشيح أكثر من عروسة تناسبني خاصة أني امتلك شقة تحرص أي عروسة على جعلها شرط أساسي في الزواج الآن بعيدا عن تعب التنقل كل فترة بين شقق الإيجار.
بالفعل أخذت منها العنوان في منطقة طالبية فيصل رقم 16 من شارع فريد السباعي، بعد أن اتفقت معها بعد تفاوض على ألا أدفع غير 150 جنيها في البداية ويكون باقي المبلغ على دفعتين أو دفعة واحد بحسب طول الفترة الزمنية التي أجد فيها عروستي الجديدة، وفي المرة الأولى لم يلفت انتباهي أي شيء غير عادي فالشقة مساحتها عادية وأثاثها كأي مكتب سمسار أو عيادة طبيب موظفة استقبال وغرفة للمدير وغرفة أخرى علمت أنه يتم فيها المقابلة الشرعية بوجود العروسة مع أحد من أهلها أو مدير المكتب، وتم عرض على بعض الاستمارات التي وضع عليها صورة فتيات وبعضها لا توجد صورة شخصية وجميعها مدون فيها بيانات من نوعية السن والطول والوزن ولون العين والشعر والبشرة والمهنة والمؤهل والرغبة في الإنجاب والموافقة على التعدد ام لا، أو الانتقال خارج محافظة الاقامة أم لا وغير ذلك من البيانات التي تعد مفتاح للشخصية يستطيع العريس أن يبني عليها وجهة نظر مبدئية.
تم الاتفاق على عدة استمارات وجدت أنهن الأنسب لي وكانت الخطوة الثانية أن تتصل بهن مدام روة واحدة واحدة بالترتيب الذي وضعناه وسؤالها عن رغبتها المبدئية في التعرف على بعد عرض مواصفاتي بالطبع عليها، واتفقنا أن من توافق سنحدد موعد للقاء بيننا أو تعطيني رقمها واتواصل معها واذا لم أو فق مع الأوى نأخذ "اللي عليها الدور" وهكذا حتى اجد الإنسانة التي تناسبني وكان على الانتظار بعض الوقت حتى أتحصل على رد لكنه لم يكن غير يوم تقريبا.

حيث اتصلت بي "مدام مروة" وأخبرتني أن أول اثنتين وافقتا على مواصفاتي وليس عندهما مانع من التعارف، وبالفعل اعتطتني أرقمهما بحيث إذا لم أوفق مع الأولى يكون الرقم الثاني معي فأتصل بها دون الرجوع إلى المكتب، وكانت الأولى في أول الثلاثينات حسب قولها واسمها "إيمان" وبعد حصولي على الرقم بدقائق قمت بالاتصال عليها وعرفتها بنفسي وأني من طرف مكتب "فرح" ووجدت ترحيبا فاترا ولفت انتباهي عبارة قالتها وسط الحديث " سعيدة بالتعرف عليك حتى لو محصلش نصيب" ودارت أسئلة كثيرة عما إذا كانت هناك نية جادة أم لا من قبلها، ولما تقدم فشل التعارف قبل أن يبدأ، واتفقنا بعد اتصال التعارف أن يكون هناك اتصال آخر لمزيد من التعارف بيننا لكن حدث أنها تهربت من الحديث واعتذرت أن معها ضيوف على وعد بأنها ستتصل بي عندما تسمح ظروفها، لكن مر يومين دون جدوى فحاولت الاتصال بها لمعرفة جديتها فتهربت وجعلت اختها ترد على وتعتذر عن عدم الرد، فأدركت أن في الأمر خدعة.
حاولت الاتصال بالرقم الثاني لشخص تدعى "نسمة" وكانت من سكان منطقة فيصل بحسب قول مدام مروة، لكن فوجئت أن الرقم مغلق فحاولت مرارا وتكرارا حتى أفهم ما يدور حولي فأدركت أنه تم إعطائي أرقام لأشخاص وهميين أو ربما توقفن عن التعامل مع المكتب وربما غيرت الأخيرة رقمها أو أغلقته بسبب كثر الاتصال عليها من أشخاص مثلي يتبعون مكتب "فرح".
دارت تلك التفاصيل خلال أسبوع وكان على الذهاب ثانية إلى المكتب لتوبيخهم واسترداد المبلغ الذي دفعته، وكانت المفاجأة أن المكتب مغلق، وعندما سألت أحد الأشخاص صاحب محل مجاور للعمارة رقم 16 في شارع فريد السباعي أوضح لي أن مشاكل عديدة حدثت من قبل هذا المكتب ومؤخرا رحلوا وتركوا المكتب وانتقلوا إلى مكان جديد في المريوطية، كاشفا عن أن المكتب كان ينصب على الزبائن وحدث مشاجرة مع أحدهم وكان قد أخذ رسوم منه 500 جنيه ولم يوفق فساعده أهالي الشارع في استرداد 400 جنيه.
وسط الحديث قال لي أحد أهالي الشارع: إن المكتب "كان يدخله بنات وستات شكلهم شمال" ويظهر كان واخد المكتب واجهة، وكنا عندما نسأل أحداهن يقلن إنهن يتعاملن مع جمعية "السباعي" الخيرية الموجودة في نفس العمارة، وعدما علموا اني كنت زبون عندهم ودفعت لهم جزءا من المبلغ المتفق عليه قالوا لي "أحمد ربنا وعوضك على الله في اللي دفعته، وكويس انك ماتدبستش".
كانت تلك التجربة الشخصية مفتاح لحل لغز مكاتب الزواج حيث علمنا أثناء البحث عن عروسة أن رسومها تتراوح ما بين 100-700 جنيه وبعضها يساعد على تعدد الزوجات وبعض المكاتب يسهل زواج العرب بالمصريات فيما يشبه بيع "لحم رخيص" مقابل مبالغ قد تصل لمليون جنيه، وبعضها يساعدك في الزواج العرفي تحت مسميات مختلفة والمهم هو "رضا الطرفين".