الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحفة "الغذاء والمأوى"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرضت أفلام كثيرة فى مهرجان الإسكندرية السينمائى (من ٢١ إلى ٢٦ سبتمبر الماضى)، وقد شاهدت كل أفلام المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة كأحد أعضاء لجنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين (وهى الجمعية عضو الاتحاد الدولى للصحافة السينمائية فبريسى)، كما شاهدت أفلامًا عدة غيرها.. وعلى الرغم من وفرة ما عرض، وكثرة ما شاهدناه، فإنه يبقى فى الذاكرة والوجدان أكثر من أى فيلم آخر: الفيلم الإسبانى الجميل «الغذاء والمأوى» إخراج وسيناريو خوان ميجيل ديل كاستييو، وبطولة الممثلة الشابة البارعة ناتاليا دى مولينا، وهو فيلم بقدر ما يبدو بسيطًا فإنه آسر، وبقدر ما يبدو مركزًا على قصة وحيرة بطلته الشابة وهى ترعى طفلها، وحيدين فى ظرف قاس، تكافح بمشقة، وصلابة روحية وأخلاقية، من أجل الحصول على احتياجات الحياة الضرورية لهما، فإن الفيلم أيضًا يكثف من خلال ذلك ويعبر عن الحياة كلها وروحها ونبضها، إننا نشعر بالحياة والمجتمع الإنسانى والكون كله، وأشواقه وشجونه، عبر حكاية والدة الطفل «أدريان»، التى تبحث عن عمل، وما أن تجده حتى تفقده لتبحث عن آخر، وعن مخرج من مآزق كثيرة لا تريد أن تنتهى!.. ومن أجل (الغذاء والمأوى): أبسط وأول حقين فى الحياة! لكن مبدع الفيلم مخرجنا القدير لا يقدم فيلمه عبر حكاية تقليدية، بل إن الفيلم ليس من نوع أفلام الحكايات التى تروى، وإنما هو من نوع أفلام «السينما الخالصة» بكل معنى الكلمة، التى تشاهدها كلوحة إبداع تشكيلى، ونتلقاها ونستمتع بها مثل قطعة موسيقية، فهذا الفيلم هو سيمفونية الحياة والأمل والمثابرة والكدح، والعذاب الإنسانى والعذوبة الإنسانية!.
ولا توجد دقيقة واحدة يمكن أن تحذف من دقائق هذا الفيلم (الـ٩٣)، كما لا توجد لحظة ملل واحدة، على الرغم من أنه هكذا بلا حكاية أو حادثة كبيرة تروى، بل إن الفيلم ومن مشهد إلى آخر يسلمنا من مواقف ولحظات الحياة اليومية البسيطة إلى لحظات أخرى عادية، لكن بإمتاع وإشباع دراميين حقيقيين، وبإبداع شامل إذ تتكامل عناصره بإتقان ورهافة وجمال، من الإخراج والسيناريو والتمثيل إلى التصوير والمونتاج والموسيقى والمؤثرات البصرية والصوتية.
ولذلك فلا غرابة إن فاز «الغذاء والمأوى» بجوائز أحسن فيلم وأحسن سيناريو وأحسن ممثلة فى المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، كذلك فاز فيلم «الغذاء والمأوى» بجائزة لجنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين، التى تمنح جائزة واحدة لأحسن فيلم «توافقًا مع قواعد الفبريسى»، وهى اللجنة المكونة من ثلاثة نقاد: الناقدان الكبيران حسام الدين حافظ رئيسًا وياقوت الديب وكاتب هذه السطور.. وقد كتبت لجنتنا حيثيات منح الجائزة عند الإعلان عنها، وهذا هو نصها: (نظرًا لتميز الفيلم، على مستوى الرؤية الاجتماعية والإنسانية، وعلى المستوى الدرامى والجمالى، وتجسيده لموضوعه عبر تكامل عناصره السينمائية، برهافة مؤثرة وآسرة.. تمنح اللجنة جائزتها للفيلم الإسبانى «الغذاء والمأوى» للمخرج خوان دى كاستيلو)..
ولد مخرج «الغذاء والمأوى» عام ١٩٧٥ ودرس السينما فى برشلونة، أخرج فيلمه «روزاريو» (٢٠٠٧) الحائز على عدة جوائز، كما حصل فيلمه الوثائقى «باليه: إيقاع الأرض» على جوائز فى ٢٠١٠، ثم حصل فيلمه «الغذاء والمأوى» على جائزة أحسن ممثلة صاعدة وجائزة المواهب الأوروبية فى مهرجان برلين ٢٠١٥.
لقد شاهدنا فى مسابقة مهرجان الإسكندرية أفلامًا عادية، وأفلامًا أخرى جيدة، مثل الكوميديا الإنسانية الراقية فى فيلم «بوريك» من قبرص إخراج فلادان نيكوليتش، لكننا شاهدنا تحفة واحدة: هى «الغذاء والمأوى».
(عقل سولاف):
فى ندوة سولاف فواخرجى الممثلة والمخرجة العربية السورية، فى اليوم قبل الأخير من مهرجان الإسكندرية، هاجمها بشدة وغباء بعض (الإسلامجية)، واصفين سولاف بأنها (فنانة النظام السورى الأولى)!.. لكنها حاولت أن تناقشهم بهدوء ورقى.. قائلة: «أنا واحدة من فنانى الشعب السورى، هدفنا الأول والأخير حماية ووحدة سوريا»، وكان مما قلت أنا فى الندوة: «لسنا الآن فى (٢٠١١) وإنما فى (٢٠١٦)!.. إن القضية اليوم هى الوقوف إلى جانب سوريا شعبًا وجيشًا ودولة، فى مواجهة ومقاومة عدوان المشروع الأمريكى/ الصهيونى وأدواته العميلة (الإخوان/ داعش/ ملوك ورؤساء الرجعية العربية)»..
لفت نظرى مجددًا المقدرة الخاصة (من النوع النادر) لسولاف فواخرجى على التحليل بمنطق واضح، والمناقشة بعمق ومثابرة.. لا يوجد أجمل من (شكل سولاف) إلا (عقل سولاف)!.. وقدرتها على محاورة وإفحام الخصوم.. (وحقيقة بحنكة ووعى بل وكاريزما زعيمة شعبية!)، على حد تعبيرى فى لقاء لى معها، فاجأها التعبير، فقلت: «لا أجامل».. قالت بإحساس ذكى: «أثق أنك لا تجامل».
نعم، دون مجاملة، ولا مبالغة: كاريزما زعيمة.. وليس فحسب نجمة!.
حوار:
جاء ضمن الحوار فى الفيلم السورى الذى عرض فى مهرجان الإسكندرية «أنا وأنت وأمى وأبى» للمخرج القدير عبد اللطيف عبد الحميد، بطولة النجمة الكبيرة سوزان نجم الدين مع مجموعة من الممثلين المتميزين (وهنا أستعين بتفريغ للحوار فى نشرة المهرجان للزميلة الناقدة ناهد صلاح):
يسأل الابن والده «النخبوى» المعارض الذى يخبره أن بذلته العسكرية تثير أعصابه، إذ يشارك ضمن جيش الدولة فى المعارك الدائرة: 
ـ فيك تقول لى هادول الشيشان، السعوديين، القطريين، الأردنيين وكل الجنسيات شو بيعملوا عندنا هون!؟ هلا أنت إذا رحت عندهم على بلادهم بيسمحوا لك تملى رأيك عليهم، بيسمحوا لك تهد بلادهم فوق رأسهم!؟
يجيب الأب:
ـ ملاحظ إنك بتحكى تمامًا مثل أمك.
الابن:
ـ هاى الحقيقة، أنا من لما كنت ولد صغير، علمتنى أن أحكى رأيى.
الأب:
ـ اسمع يا ابنى القصة مو هيك..
الابن: 
ـ بابا بعرف شو بدك تقول، بعرف الأسوأ من هيك، أنت راح تقول إنه البلاد فيها فساد، ما فى حريات، ما فى تعددية حزبية، ما فى.. ما فى، أنا معك موافق، بس مو هادول اللى بيعلمونا هذا الشيء، القصة بلشت شىء بس شوف القفلة صراع دموى تكفيرى.. بابا أنا امبارح سمعت القرضاوى عم بيقول: لو كان الرسول محمد عايش لكان حط إيده فى إيد الناتو.. العمى!.