الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حماس تعترف بكوارثها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المسئولون ممن يتخذون القرارات، أو يشاركون مباشرة فى اتخاذها، ينبغى عليهم تحمل نتائج قراراتهم، فإّما أن يتنحوا إذا كانت كارثية، وإما أن يغيروا المسار إذا كانوا يستطيعون ذلك. أما الاعتراف بالخطأ وسوء التقدير والاستمرار فى الاتجاه السياسى ذاته، فهذا إن قُبل من كاتب أو مجتهد أو محلل فى معهد، فمن غير المعقول والمقبول أن يتفهم لو صدر عن صانع قرار.
وفى عالمنا العربى، حيث أكثر مكان فى الدنيا تتخذ فيه قرارات ارتجالية وانفعالية، وتؤدى إلى نتائج كارثية، نلاحظ أن هذه الظاهرة ما زالت مهيمنة على صناعة القرار، وذلك على حساب البديهيات التى تتبعها الدول السوية فى إجراء حساباتها، واتخاذ قراراتها فى الشئون الصغيرة والكبيرة.
فى عالمنا العربى، تزدهر حكاية النقد الذاتى، ولكن فى الوقت غير المناسب، وبعد أن تُدفع أثمان باهظة، واللافت للنظر، فى هذا التقليد العربى الأصيل، أننا نصفق وقوفا للقرار المرتجل فى حينه، ونذرف دموعا سخية جراء الخسائر التى غالبا ما تكون بشرية، إلا أننا فى الوقت ذاته، نصفق وقوفا حين يعترف صاحب القرار بخطئه وسوء تقديره، ونهتف عاليا: عاشت الصراحة.. عاشت شجاعة الاعتراف بالخطأ! وليس إلا فى عالمنا العربى من يقبض ثمن الخطأ، وثمن خسائره، وثمن الاعتراف به والاعتذار عنه، ولعل هذا هو مفتاح السر الذى أفضى إلى الربيع العربى، وأفضى منطقيا وفعليًا إلى ما نحن فيه الآن من مآٍس صفقنا لبدايتها، وها نحن نكتوى بنار تداعياتها، وغموض خلاصاتها، وكم جثة ستلتهم نيرانها فى مداها المفتوح على الزمن. فى تونس، احتاج زين العابدين بن على إلى الاعتراف بأنه فهم شعبه، بعد ثلاثين سنة من حكمه وسيطرته على البلاد والعباد بالجملة والتفصيل، وما اعترف به زين العابدين اعترف بمثله، ولو بصورة مختلفة بعض الشىء، الرئيس بشار الأسد، حين قال فى بداية الحرب فى سوريا، لقد اتخذ الحزب قرارات إصلاحية، وقررت تأجيل تنفيذها لأن الوقت لم يكن مناسبا، وها نحن نرى نتائج عدم محاولة الإصلاح فى الوقت المناسب، التى ستكون فى أفضل الأحوال وقف نمو سوريا لعقود طويلة من الزمن، وستكون محظوظة لو عادت بعد هذه العقود إلى ما كانت عليه قبل يوم واحد من الانفجار الشامل. وذات حرب، وبعد أن دمرت الضاحية الجنوبية فى بيروت، ودمر كثير من الأحياء والقرى فى لبنان، قال السيد حسن نصر الله، وبالصوت والصورة، إنه لو كان يعرف أن الخسائر ستبلغ هذا الحد، لما أصدر أمرا بخطف الجنود الإسرائيليين.. وبالنسبة للفلسطينيين الذين فرض عليهم الظلم والحصار، وافتراء التفوق الإسرائيلى العسكرى، فيتميزون عن سائر بنى جلدتهم العرب بأن الخطأ حين يقترفونه، فإنه يساوى فى النتائج عشرة أمثال خطأ الآخرين. وما دام الاحتلال البشع يسيطر بقوته الغاشمة على أرضهم وحياتهم، فهذا أدعى للحساب الدقيق من أجل خدمة الأهداف، وليس التخلى عنها. ولا أتحدث هنا عن الحروب مع إسرائيل التى قيل فى بعضها مثلما قيل فى بعض الحروب مع إسرائيل فى لبنان. إن ما نحن بحاجة إلى قوله هو أن البوح الصريح الذى أفاض به خالد مشعل فى الدوحة أخيرا، يجعلنى أوجه له رسالة مختصرة من موقع الحرص والصداقة: لقد قلَت إن حماس استسهلت الاستفراد بحكم غزة، فتبين أن الأمر صعب، وقلت كذلك إن نتائج الانتخابات التشريعية، التى أظهرت فوز حماس، قُرئت من جانبنا على أنها نهاية لعهد فتح، وكان هذا تقديًرا خاطًئا. وسبق أن قيل لك ولحماس قبل عشر سنوات ما قلته قبل أيام، وكما بنى على سوء التقدير الكثير والكثير من الوقائع، ولا أحب أن أقول: الكوارث، فما الذى يمكن أن يبنى على بوحك الصريح؟ هذا سؤال لا يجاب عنه بالقول: متأسفون على ما حدث، وسنستمر فيما نحن فيه، فإذا أثبت واقع الحال أن هذا هو الجواب، فما كان ضروريا البوح بالأساس، فإن لم يبَن على الاعتراف والاعتذار سياسة وإجراءات فورية باتجاه مختلف، فلا جدوى، ولا فائدة.
نقلًا عن «الشرق الأوسط اللندنية»