السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمريكا واللوبي اليهودي.. والعقيدة الإسرائيلية الواهمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المتتبع لموقف الولايات المتحدة الأمريكية من الأحداث التى جرت فى الاتحاد السوفيتى خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضى. وهى الفترة التى تم فيها التخطيط والتنفيذ لهزيمة الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتى الذى كان القوى العظمى التى تناطح الولايات المتحدة وتشترك معها فى قيادة النظام الدولى، يخلص إلى نتيجة محددة وهى أن الولايات المتحدة سعت للانفراد بالسيطرة على النظام الدولى، وفى سبيل ذلك كان عليها أن تعمل بكل قوة على تحقيق هدفين: الأول هو هزيمة الشيوعية وإسقاط الاتحاد السوفيتى وتفكيك جمهورياته الـ١٥ التى كان يتكون منها. والثانى هو هزيمة الإسلام الوسطى المعتدل وإسقاط المنطقة العربية وتقسيم دولها على أن يحل محل الدين الإسلامى الحنيف الإرهاب الإسلامى المتطرف المتمثل بكل أشكال وأنواع التنظيمات الإرهابية وأخطرها وأبشعها تنظيم داعش. وجميعها خرجت من عباءة جماعة الإخوان المسلمين.
وحتى تحقق الولايات المتحدة هدفها الأول استمرت فى الضغط على رقبة الاتحاد السوفيتى حتى يستسلم وينفذ أجندتها التى تتركز على التحول إلى اقتصاديات السوق والارتباط بالرأسمالية الغربية، حتى يمكن مساعدته فى التصدى للمشكلة الاقتصادية الحادة التى تواجهه، وتحديد مقدار المنح والقروض والمساعدات المالية واللوجستية التى ستقدم له. ووافق السوفيت على مطالب الولايات المتحدة والغرب. وارتمى جورباتشوف فى أحضان أمريكا واستسلم لها تماما. وشرع فى تنفيذ مطالبها مع بداية التسعينيات من القرن الماضى. وهيمن الأمريكان على دوائر صنع القرار فى الكرملين وخارج الكرملين. وبدلا من أن يقدم الغرب المساعدات التى وعد بها الاتحاد السوفيتى إذ به يحاصره اقتصاديا ويثير الفتن ويوقظ حركات الغضب والسخط والنعرة الانفصالية داخل البلاد فتدهورت أحوال البلاد وأصبح هناك أزمة فى الطعام وفى الصابون وفى الطاقة وكل سبل الحياة. وانهار التوجه القومى والهدف الأعلى للدولة السوفيتية وهو قمة الخطورة التى تواجه أى مجتمع.
وكان لجهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، واللوبى الإسرائيلى (منظمة إيباك) -وهى اللوبى الأول والأكبر والأقوى بالنسبة لجماعات الضغط اليهودية فى أمريكا- دور بارز ومؤثر بالنسبة لكل الأحداث التى وقعت فى الاتحاد السوفيتى. بالرغم من أن هذا اللوبى من المفترض أن يؤدى دوره داخل حدود الولايات المتحدة، إلا أنه استطاع أن يتسع ويكون له تأثير خارج الحدود الأمريكية بما يحقق المصالح والأهداف الإسرائيلية، وذلك من خلال عناصر تابعة له زرعها وجندها داخل دوائر صنع القرار السوفيتى والمؤسسات الأمنية والمعلوماتية.
وإذا كانت الرواية المطروحة أن ملف الصواريخ حاملة الرءوس النووية عابرة القارات واحتياطاتها وأماكن تواجدها فى أوكرانيا وروسيا وموسكو والنظام السرى الخاص بإحباط الهجوم النووى الأمريكى على الاتحاد السوفيتى والشفرات الخاصة قد عبثت به يد المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وعناصر من اللوبى اليهودى فى أمريكا. فإن هذا الأمر يشكل الآن تهديدا صارخا للروس واختلالا كبيرا فى موازين القوى فى العالم لصالح إسرائيل، وضد مصالح دول وشعوب العالم النامى والدول العربية فى القلب منه. لأن الاتحاد السوفيتى كان سندا لكل هذه الشعوب ومدافعا عن كل قضايا التحرر والاستقلال والتنمية لهذه الدول ما كان يشكل تأثيرا سلبيا على مصالح إسرائيل.
وهكذا نجحت الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل واللوبى اليهودى فى أمريكا فى تحقيق الهدف الأول لها وهو هزيمة الشيوعية وإسقاط الاتحاد السوفيتى حتى تنفرد بالسيطرة على النظام الدولى والتحكم فى جميع قراراته. أما الهدف الثانى للولايات المتحدة لتحقيق انفرادها بالنظام الدولى فهو إسقاط المنطقة العربية وتقسيم دولها. وحينما فشلت فى ذلك نشرت الفوضى والإرهاب والدمار والحروب وأهدرت الثروات والإمكانات العربية ما تسبب فى تشريد الملايين من أبناء هذه الدول كلاجئين ومهاجرين هجرة غير شرعية. وكان لإسرائيل واللوبى اليهودى داخل أمريكا أيضا دور فى إثارة وتعبئة الرأى العام الأمريكى والمنظمات الاستراتيجية والسياسية والحقوقية ضد الدول العربية.
ونظرا لخطورة وأهمية منظمة إيباك المسجلة فى الولايات المتحدة تحت مسمى اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة. ونظرا لأنها أخطر جماعات الضغط فى أمريكا فقد اقتربت منها بعمق وتعرفت على آليات العمل داخلها من خلال المقابلة المثمرة التى تمت بينى وبين المسئول عن إدارتها (مستر أديسون) فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى لأفهم منه طبيعة عمل هذه المنظمة وتأثيرها والهيكل التنظيمى لها وأسلوب إدارتها والأساليب التى تستخدمها لتحقيق أهدافها. واكتشفت أن هذه المنظمة هى صاحبة السلطة الغالبة بين الجماعات الضاغطة بواشنطن. فهى تعرف ما يقوله أعضاء الكونجرس والإدارة الأمريكية حول سياسات الشرق الأوسط حتى فى الأحاديث الخاصة، ومن ينتقد إسرائيل يعرض مكانته السياسية للخطر وحياته للهلاك. وليست إيباك مجرد جماعة من جماعات اللوبى اليهودى ولكنها هى أخطر وأقوى وأهم الجماعات من ناحية التأثير المباشر على السياسة الخارجية والداخلية فى أمريكا. ويكاد جميع أعضاء الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ يطيعون بلا استثناء أوامر هذه الجماعة. إن إيباك أخطر جماعات الضغط فى أمريكا ذات المصلحة المشتركة وأحسنها إدارة وأكثرها نفوذا وتأثيرا على القرار الأمريكى بما يحقق المصالح الإسرائيلية.
وقد سألت المسئول عن منظمة إيباك عن رأيه فى السياسة الإسرائيلية والعلاقات العربية الإسرائيلية فأجاب أن إسرائيل كيان صغير محشور بين ضلوع دول عربية تناصبه الكراهية والعداء، ولذلك كان على إسرائيل أن تضع استراتيجية خاصة بها تتأسس على التوجه القومى والهدف الأعلى للدولة الإسرائيلية والعقيدة العسكرية لها والتى تؤمن بالسلام النووى الإسرائيلى بمعنى أنها تنفرد بامتلاك السلاح النووى ولا تسمح لغيرها بامتلاكه وهو ما دفعها إلى ضرب المفاعل النووى العراقى.
كما أن خريطة مطامع إسرائيل فى المنطقة تشمل بوضوح ثلاثة آفاق تتبع خطوط كل منها واحدا بعد الآخر وهناك أولا الخط الذى يمثل مدى العمل المباشر وهذا يشمل لبنان وسوريا والأردن وفلسطين. وهذا الخط ينبغى أن يكون تحت سيطرة إسرائيلية دقيقة. وهناك بعد ذلك حد الأفق الثانى لمدى العمل الإسرائيلى وهو يشمل السعودية والعراق ومنطقة الخليج. وهو خط ينبغى على إسرائيل أن تتابع ما يجرى فيه بعناية ولا تدع شيئا من أموره يمر من وراء ظهرها. وأخيرا مدى العمل الثالث أو خط الحدود الثالث وهو من وجهة نظر المؤسسة العسكرية وخططها ضرورة أن يتأكد الفرد الإسرائيلى على كل الخط الممتد من شرق البحر المتوسط حتى المحيط الهندى بما فى ذلك تركيا وباكستان وفى هذا الخط يجب أن تكون إسرائيل طبقا لهذا الفكر القوة ذات النفوذ الغالب.
وقد كان تعليقى على كل ما قيل أن هذه الأحلام كلها فوق طاقة بلد لا يتجاوز عدد سكانه خمسة ملايين آنذاك ثم هو يعتمد تماما فى كل شىء على الولايات المتحدة الأمريكية، وليس هناك من سند فعلى لهذه الدعاوى سوى التهديد النووى. وأنه حتى فى حالة امتلاك إسرائيل السلاح النووى وفى غيبة قوة الردع النووية العربية لا يمكن أن يحقق لها ذلك الحلم الكبير ذات الأبعاد الثلاثة. لأن أى حلم لا تسنده قوة حقيقية بشرية واقتصادية واجتماعية ولا يسنده وجود تاريخى وجغرافى وفعلى لا أسطورى، كفيل بأن يتراجع من عوامل الحلم إلى عوامل الوهم ومن الوهم إلى عوامل الجنون، وهو فى النهاية يؤدى إلى تدمير أصحابه مهما تمادوا. ثم إن إسرائيل لا تملك أى واحدة من مقومات نشوء قوة إمبراطورية. إنها نفسها لا تملك الإحساس بأمنها ذاته. وهى لا تملك قوة إنتاج حقيقية. ثم إنها كيان عصبى بالطبيعة ليس أمامه غير سلاحين لبسط سيطرته، الابتزاز أو الإرهاب ورد الفعل الوحيد لذلك هو الإرهاب المضاد أو تدمير الذات.
وليس أمامنا الآن للخروج من هذا الوضع الصعب والدقيق إلا إيجاد حل للقضية الفلسطينية من خلال المفاوضات المباشرة بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام وفى إطار قرارات الأمم المتحدة الصادرة فى هذا الشأن. حتى يسود السلام والعدل والاستقرار والتعاون والتنمية بين جميع دول المنطقة وتحقيق الرخاء ورفع مستوى معيشة مواطنيها.