الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مهاجرون غير شرعيين في إيطاليا يروون لـ"البوابة" تجاربهم بعد الوصول

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الهاربون على «قوارب الموت»: نجونا من الموت لنعمل بـ«السُّخْرة»
لم يكن آلاف الشباب الذين تمكنوا من السفر إلى دول أوروبا يتوقعون أن نجاتهم من الموت فى أعماق البحر، ستقذف بهم فى أحضان رحلة جديدة من العذاب والإهانة للبحث عن لقمة العيش، الشباب الذين خاطروا بحياتهم فى رحلة هجرة غير شرعية عبر البحر، أكدوا أن حلم الثراء السريع والهرب من الفقر والبطالة كانت هى العوامل التى دفعتهم للهجرة غير الشرعية لأوروبا.
«البوابة» تواصلت مع عدد من الشباب الذين تمكنوا من السفر للخارج بطريقة غير شرعية، وفى هذا التحقيق نكشف حقيقة ما يتعرض له المهاجرون غير الشرعيين فى أوروبا وكيف يتم استغلالهم فى أعمال السخرة وما يتعرضون له من إهانة.
الحياة فى أوروبا ليست مفروشة بالورود.. واتقوا ربنا فى أنفسكم وبلدكم
الترحيل أو الهروب إلى المجهول فى انتظار الناجين.. ونعمل 10 ساعات فى ظروف غير آدمية
نعيش 8 أشخاص فى غرفة ضيقة والحركة فى الشارع بحساب.


رحلة برائحة الموت
أيمن عبدالغني، نائب رئيس رابطة أبناء الفيوم فى ميلانو، قال فى اتصال هاتفى لـ«البوابة»: «الطريق إلى أوروبا فى رحلات هجرة غير شرعية يكون دائما مشبعًا برائحة الموت، فقرية تطون بالفيوم وحدها فقدت عشرات الشباب ماتوا غرقا فى رحلات الموت»، مؤكدا أن مئات الشباب فقدوا حياتهم بسبب أحلام الهجرة إلى أوروبا ومن تمكن منهم من الوصول إلى هنا كانت الصدمة فى انتظاره، فبدلا من أحلام تحقيق الثراء السريع والحياة الرغدة التى كان يحلم بها فوجئ أن جميع أحلامه تحولت إلى كابوس، حيث الإقامة فى غرفة مشتركة مع آخرين يصل عددهم إلى سبعة أشخاص، كما أن الحركة فى الشارع تكون بحساب خشية القبض عليهم وترحيلهم، كما يستغل بعض المقاولين وللأسف منهم مصريون الشباب المهاجرين فى أعمال سخرة.
وأضاف: «أغلب المهاجرين يعملون فى مجال البناء والتشييد وتركيب السقالات وغيرها من الأعمال وبالطبع لا يحصلون سوى على أقل القليل من حقوقهم ولا يستطيع أحد منهم الاعتراض لأنه ببساطة لا يحمل إقامة وفى حالة الإبلاغ عنه يتم ضبطه وترحيله».

صدمة الوصول إلى ميلانو
أما أحمد عبدالغني، مصرى مقيم فى إيطاليا، وأحد المسافرين بطريقة غير شرعية فيقول عن تجربته إنها كانت مريرة منذ تمكن من النجاة والوصول إلى إيطاليا فى عملية هجرة غير شرعية قائلا: «حاولت الوصول إلى هنا أكثر من مرة وبعد فشل المحاولة عدة مرات نجحت فى الوصول إلى مدينة بروشيا عبر عملية هجرة بمركب متهالك كاد يغرق بنا أكثر من مرة، وقبل الوصول إلى السواحل الإيطالية بعشرة كيلومترات تم إجبارنا على القفز من المركب بسترة نجاة وظللنا نسبح حتى وصلنا إلى بروشيا، ومنها توجهنا إلى ميلانو.
وأضاف: «هنا تخيلت أننى بدأت فى تحقيق حلمى ولكن للأسف كان الواقع غير ذلك تماما، حيث كانت إقامتنا فى غرف مشتركة كل سبعة أو ثمانية أشخاص فى غرفة، وكنا لا نستطيع الخروج إلا بحساب شديد جدا خوفا من إلقاء القبض علينا وترحيلنا، وبعد فترة من الشقاء والعذاب تمكنا من الحصول على عمل مع أحد المقاولين المصريين فى مجال المعمار وتركيب السقالات، وللأسف كان هذا الشخص رغم كونه مصريا يستغلنا فى أعمال سخرة ونظل نعمل أكثر من عشر ساعات فى اليوم، ولا نحصل سوى على أقل القليل، ومن يعترض منا يكون التهديد بالإبلاغ عنه وترحيله، وبالطبع نرضخ له مجبرين».
وتابع: «بعد عدة سنوات من الذل والقهر تمكنت من الحصول على الإقامة بشكل رسمي، بعدها اختلفت حياتى تماما حيث بدأت فى الحصول على حريتى والعمل فى المجال الذى أحبه، وبدأت فى تحقيق جزء بسيط من أحلامي، ولكن بعدما ذقت العذاب».

الهروب عن طريق ليبيا
أما جميل حسين فيؤكد أنه كان محظوظًا فى رحلة السفر، ولكنه صدم بعد الوصول إلى إيطاليا، مشيرا إلى أنه تعرف على أحد الليبيين من العاملين فى مجال التهريب وسفر الشباب واتفق معه على السفر إلى إيطاليا عن طريق ليبيا التى وصلها وهناك تم تزوير جواز سفر له بوضع صورته على جواز خاص برجل أعمال ليبى، وبالفعل تمكن من السفر جوا وعند وصوله إلى إيطاليا وتحديدا العاصمة روما استقبله شخص أخذ منه الجواز واصطحبه إلى محطة القطار الذى استقله إلى ميلانو لتبدأ بعدها مأساته هناك منذ لحظة الوصول، حيث تعرض لمطاردة الشرطة ولولا عناية الله لقبض عليه وتم ترحيله بعدها توجه إلى أحد أبناء قريته المقيمين فى ميلانو وظل معه حتى حصل على عمل فى أحد المطاعم وخلال عام كامل تعرض لجميع أنواع الذل والعذاب على يد صاحب المطعم الذى كان دائم التهديد له بترحيله إلى حيث أتى، مضيفا أنه ظل يتنقل من عمل إلى عمل حتى جمع مبلغا من المال دفعه لشخص إيطالى حتى يسهل له الحصول على الإقامة وهو ما حدث ولكن بعد سنوات من العمل فى السخرة والذل والعذاب.

الحياة في سجن كبير
أما محمد عمران فيكشف أن هناك مئات الشباب ممن وصلوا إلى إيطاليا فى عمليات هجرة غير شرعية ما زالوا يعيشون فى سجن كبير حيث الحركة بحساب شديد خوفا من القبض عليهم وترحيلهم، وذلك فضلا عن استغلالهم فى أعمال السخرة وتعرضهم لمعاناة شديدة وذل وعذاب لدرجة جعلت بعضهم يفكر جديا فى العودة بعد أن صدم بتبخر أحلامه واكتشافه أن الحياة هنا ليست مفروشة بالورود كما كان يتخيل.
وأشار عمران إلى أن الحرب الدائرة فى سوريا وليبيا والتى بسببها يحاول الآلاف الهجرة جعلت السلطات الإيطالية تشدد من إجراءاتها ضد المقيمين على أراضيها بشكل غير رسمي، كما قامت بتعقيد إجراءات الحصول على الإقامة والتى كانت فى السابق تتم بسهولة إلى حد ما، أما الآن فالحصول على الإقامة أصبح حلما مستحيلا، وهو ما أضر مئات المصريين المقيمين هنا منذ سنوات ويعملون ليل نهار ويتعرضون لجميع أنواع وأصناف الذل والعذاب على أمل تقنين أوضاعهم والحصول على الإقامة، ولكن للأسف تبخرت أحلامهم.
وحذر «عمران» الحالمين بالهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا فى اتصال مع «البوابة» بأن الطريق إلى دول أوروبا مغلف برائحة الموت والحياة ليست مفروشة بالورود كما يتخيلون.

الهجرة في حماية الشرطة الليبية
أيمن خضر، أحد هؤلاء الشباب الذين تمكنوا من السفر بطريقة غير شرعية عن طريق البحر منذ ١٣ عاما، أكد أنه يتذكر ذلك اليوم والموت الذى كان فى كل اتجاه كأنه يحدث الآن ويتكرر معه بصورة أصعب كلما سمع أو شاهد حادث غرق للمهاجرين.
وأضاف أنه تمكن من السفر عن طريق ليبيا وليس رشيد، حيث تمكن عن طريق أحد السماسرة مقابل مبلغ من المال، حيث دفع المقدم على أن يتم سداد الباقى عن طريق أسرته عندما يصل. 
وأضاف أنه تم نقله هو وباقى الراغبين إلى ليبيا ووصل طرابلس ثم إلى زوارة ومكث هناك عدة أيام حيث تم نقله هو وزملاؤه للشاطئ، مشيرا إلى أن الشرطة الليبية كانت تعلم وتراهم وهم ينتقلون إلى المياه عن طريق زوارق صغيرة حتى يصلوا لمركب أكبر رأوا فيها الموت مع كل موجة بحر عاتية تضرب مركبهم.
وأشار إلى أن الشباب أقل من ١٨ سنة يتم استقبالهم عن طريق الصليب الأحمر وتوفير أوراق لهم ومصروفات، أما من فوق ذلك يتم ترحيله وهنا المعاناة الكبرى، وهذا ما عانى منه، حيث تمكن هو وآخر من الهرب من مكان تواجده وجرى فى غابة كبيرة حتى وصل لمحطة قطار واستقله إلى زملاء بلده فى ميلانو، وابتعد فترة يعمل بعيدا عن الأعين حتى تمكن من الحصول على عقد رسمى وتوفيق أوضاعه.

الغرق أو الفساد
وأوضح أن هناك شبابا آخرين لم يتمكنوا من ذلك وتم ترحيلهم لمصر، مضيفا أن الأخطر هم الشباب الأقل من ١٨ سنة، حيث يقلدون الغرب تقليدا أعمى، بعد تقنين أوضاعهم عن طريق الصليب الأحمر وصرف أموال ورواتب لهم، فيبتعدون عن الدين وأخلاق مصر ويسيرون فى طريق الفساد.
ووجه رسالة للأسر المصرية قائلًا: «لا ترموا بأبنائكم للتهلكة، فقد سبقناكم ولكننا تمكنا من المقاومة، ونندم حتى الآن ولكن أنتم لا تتركوا أطفالكم يهاجرون بتلك الطريقة لأنهم سيضيعون للأبد، إما غرقا فى المياه أو غرقا فى الفساد والانحراف».
وتابع قائلا: «أقول للشباب الراغبين فى الهجرة اتقوا ربكم وخليكم فى بلدكم إحنا غلطنا من سنين وربنا سترها معانا لكن انتوا متكرروش غلطتنا، لو فيه طريق مباشر رسمى سافروا واشتغلوا لكن غير شرعى هتموتوا فى البحر أو ستقعون فريسة للفساد والانحراف».

30 ألف جنيه للوصول إلى أوروبا
محمد السعيد، أحد المصريين المقيمين بإيطاليا منذ ٧ سنوات، قال إن الحلم بالسفر ظل يراوده لمدة ثلاث سنوات بعد ما سمعه من زملائه الذين سافروا من حياة جميلة أنسته ما يشاهده ويسمعه كل فترة عن الغرق والموت أثناء تلك الرحلات، إلا أنه صمم على السفر، حيث اتفق مع أحد السماسرة أن يتم تهريبه إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا فى مقابل ٣٠ ألف جنيه، مشيرا إلى أنه عند وصوله إلى ليبيا لاستكمال رحلة السفر وجد العديد من المصريين هناك، وكذا الأفارقة، وتم وضعهم داخل هنجر بالقرب من الشاطئ حتى جاءت لحظة السفر وتم وضعهم داخل زوارق مطاطية نقلتها إلى مركب فى عرض البحر وظلوا عدة أيام فى البحر يشاهدون الموت حتى وجدوا أنفسهم يسقطون فى المياه بعد غرق المركب ولكنهم فوجئوا بأنهم وصلوا وتم أخذهم عن طريق الصليب الأحمر.
وأضاف أنه لصغر سنه تم عمل أوراق له عن طريق الصليب وتم توفير الرعاية له وإعطاؤه مصروفا أسبوعيا جعله ينسى أوجاع السفر، مشيرا إلى أنه الآن يعمل ولكن ما ساعده على ذلك صغر سنه، إلا أن هناك ممن كانوا معه هربوا والبعض الآخر تم ترحيله لمصر بسبب كبر سنه عن الـ ١٨ عاما.
وأوضح أن صغر السن للبعض خطر شديد، حيث إن بعض زملائه عندما وجدوا الأموال فى أيديهم والأوراق اتجهوا لطريق الانحراف والفساد ونسوا دينهم ونسوا ما أتوا من أجله حتى انتهت حياتهم بالعودة لمصر دون أى شيء والبعض ظل مشردا فى إيطاليا وخاف من أن يعود لأسرته هكذا.

حلم الوصول إلى الجنسية 
أحمد السعيد، أكد أنه تمكن من الهجرة منذ ٦ أشهر عن طريق اتفاق والده مع أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية مقابل ٤٠ ألف جنيه عن طريق رشيد، ودفع منها ١٥ ألفا والباقى دفعه والده عندما وصل، مشيرا إلى أنه تم نقله إلى مكان بالقرب من رشيد، حتى ميعاد السفر ثم تم نقله إلى زوارق هو وزملائه للمركب فى البحر، مضيفًا أنه رغم ما رآه من لحظات الموت أثناء السفر، إلا أنه وصل بسلامة وتم عمل أوراق له من قبل الصليب الأحمر، وينتظر حتى يحصل على الجنسية ويرسل لأشقائه بطريقة رسمية، ولكن بعد أن يعمل ويحصل على الأموال لأنه رأى الموت بعينيه، مضيفًا: «الحادثة الأخيرة أثرت فى كثيرًا جعلتنى أخاف على أسرتى من ركوب البحر فى قوارب الموت».

الحياة في حماية الصليب الأحمر
من ناحيته أكد خالد وفا أحد أبناء الدقهلية والمقيم فى إيطاليا منذ ٢٦ سنة أن هناك الكثير من الشباب من عمر ١٠ سنوات حتى ١٧ سنة، تمكنوا من السفر وهم من استفادوا، حيث إن الصليب الأحمر يعتبرهم أطفالا ويقوم بعمل أوراق لهم ويعطيهم مصاريف وبعد عام يحصلون على الجنسية الإيطالية، لأن القانون هناك يعتبر كل من هو أقل من ١٨ سنة طفلا ويكون تحت رعاية وحماية الدولة أيا كانت جنسيته، وهذا ما يشير إلى أن معظم المهاجرين غير الشرعيين من الأطفال.
وأضاف أن هذه المزايا بالنسبة للأطفال دفعت أسر بكاملها للهجرة، على أمل الوصول بأطفالهم وحصولهم على الجنسية بعد عام، وهو ما جعل أسرا كثيرة تغرق فى الرحلة الأخيرة أمام سواحل رشيد، والتى راح ضحيتها قرابة ٢٠٠ شخص.
وطالب الدولة بتنمية روح الوطنية والانتماء لدى الشباب، وذلك بعدما زادت عمليات الهجرة غير الشرعية فى الفترة الأخيرة بشكل غير طبيعى، كما عليها أن تواجه السماسرة الذين أصبحت مهمتهم التخلص من شباب مصر.