استطاعت تحية كاريوكا أن تصبح من أهم راقصات القرن العشرين، ببراعتها الشديدة أن تصنع لنفسها مدرسة خاصة بها فاختلفت وتميزت عن باقي راقصات عصرها.
اعتمدت "كاريوكا" على التناغم والتناسق والهارمونية الشاملة لحركة الجسم والتوحد مع الإيقاع والموسيقى، كما برعت في تجسيد الشخصيات المختلفة في التمثيل، فهي فنانة شاملة تجسد كل دور بإتقان وذكاء وبراعة، موهبة لن تتكرر إلا مرة واحدة، كما أثرت بجمالها الأخاذ قلوب العديد من أثرياء مصر والوطن العربي.
لم تدرك الطفلة بدوية محمد كريم علي السيد النيداني وهي تقف أمام الجمهور للمرة الأولى وهي في سن صغيرة أنها ستكون نجمة ملء السمع والأبصار، بل وأنها ستجدد وتطور في مجال الرقص الشرقي، بل وستصبح واحدة من أعظم الممثلات شأنًا في السينما المصرية، وعلى المستوى الإنساني والنضالي كذلك، لدرجة دفعت المفكر والكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد أن يكتب عنها بحثًا مطولًا يمتدح فيه شخصيتها.
ولدت في 22 فبراير عام 1919 في مدينة الإسماعيلية، اكتشفتها الراقصة محاسن محمد، ثم تعرفت على بديعة مصابني في منتصف حقبة الخمسينات وانضمت إلى فرقتها فاستعانت بها في المسرح والسينما.
بدأت شهرة الفنانة تحية كاريوكا الحقيقية عام 1940 عندما قدمت رقصة الكاريوكا العالمية في أحد عروض سليمان نجيب وهي الرقصة التي التصقت بها بعد ذلك حتى أنها لازمت اسمها.
عرفت تحية كاريوكا بأنها آخر العظماء في تاريخ الرقص الشرق، حيث طورت تحية أسلوبها الخاص الذي اعتمد على إعادة إنتاج الهرمونية الشرقية القديمة في الرقص وهو الأسلوب الذي تأسس عليه مدرسة كاملة في الرقص الشرقي، في مقابلة مدرسة سامية جمال التي لجأت إلى مزج الرقص الشرقي بالرقص الغربي، وتطور بعد ذلك إلى حدوث خلط كبير بين أساليب الرقص الشرقي.
في منتصف الخمسينات اعتزلت كاريوكا الرقص الشرقي وتفرغت نهائيًا للسينما، حيث شاركت في عدد ضخم من الأفلام السينمائية البارزة التي حملت بصمتها الفريدة ومنها لعبة الست وامرأة وخلي بالك من زوزو ووداعا بونابرت وإسكندرية كمان وكمان.
كما شاركت في العديد من المسلسلات الناجحة ومنها "سر الأرض، ومخلوق اسمه المرأة، وصابر ياعم صابر، والمنزل الخلفي، ودموع الشموع، وينابيع النهر، والسندريلا، وأبوضحكة جنان".
أيضًا لها بعض المسرحيات التي نالت إعجاب الكثير من الجمهور لأدائها السلس وتميزها في أدوارها ومنها "كل الرجالة كدة، ويا الدفع يا الحبس، وحضرة صاحب العمارة، وروبابيكا، ويحيا الوفد".
تزوجت تحية كاريوكا 14 مرة، وبذلك تكون صاحبة الرقم القياسي في عدد الزيجات بين الفنانات ومن أزواجها "أنطوان عيسى، محمد سلطان باشا، الظابط الأمريكى ليفى، المخرج فطين عبدالوهاب، الفنان أحمد سالم، حسين عاكف طيار الملك فاروق، الفنان رشدى أباظة، المقدم مصطفى كمال، عبدالمنعم الخادم، البكباشى طبيب حسن حسين، المطرب محرم فؤاد، أحمد ذو الفقار، المسرحى فايز حلاوة، المخرج حسن عبدالسلام حتى وفاتها".
وقد تبنت الفنانة الكبيرة طفلة صغيرة عندما كانت في السبعين من عمرها، وكانت دائمًا تمازح أصدقائها بقولها إنها "أنجبت وهي في السبعين"، وقد أوصت إحدى صديقاتها المقربات وهي الفنانة فيفي عبده بأن تتولى رعاية البنت الصغيرة بعد وفاتها.
الفنانة الاستعراضية تحية كاريوكا عرفت بمواقفها الشجاعة وجرأتها المتناهية، وكانت لا تخشى على الإطلاق من رجال الشرطة أو رجال السلطة، ووصلت جرأتها إلى أقصى الحدود مع الملوك والرؤساء، وكان لها معهم مجموعة من المواقف الطريفة والجريئة أيضًا.
كان للفنانة تحية كاريوكا موقفًا مع الملك فاروق، حيث كان يسهر في يوم بكازينو "الأوبرج"، وبعد أن أدت رقصتها قالت له بطريقتها الساخرة: "أنت مكانك مش هنا مكانك في قصر الملك"، وعلى الفور انصرف الملك وسط استغراب المحيطين به، والجميع توقع أن يعاقب كاريوكا لكنه لم يفعل معها أي شىء ومر الموقف بسلام.
أيضًا كان للفنانة تحية كاريوكا مواقف أخرى، فانتقدت أداء الحكومة بعد ثورة 23 يوليو، وقالت "إن أداءهم لا يفرق شيئًا عن أداء الملك فاروق"؛ ولذلك غضبت منها السلطات واعتقلها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع أعضاء الحزب الشيوعى المصرى.
كما كانت الفنانة تحية كاريوكا هي من أخفت الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن أعين السلطات، حين كان مطلوبًا أيام الاستعمار البريطانى، وأخفته في بيت شقيقتها في الوقت الذي كانت تبحث عنه قوات الاستعمار، ولم يعرف أحد أن تحية كاريوكا هي من أخفته.
