الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اغتيال سفير طريق الحرير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الراصد للكتابات المعاصرة لرحالة طريق الحرير لا يمكنه أن يغفل أحد حملة مفاتيح الأسرار، ومدونيها، بالحرف والصورة، السفير المصرى الراحل الدكتور إيهاب الشريف. بدأ الشريف حياته العملية مترجمًا فى المركز الصحفى الدولى بهيئة الاستعلامات الدولية، وهو المكان الذى حول اهتمامه بالتصوير إلى شغف، خاصة حين اقترب من كبار مصورى العالم الذين صحبهم خلال زياراتهم للقاهرة. لكن الصورة اكتملت بتكوين شخصية الشريف الحقيقية من خلال دراسات ودبلومات وشهادات دكتوراه حصل عليها من جامعات القاهرة والسوربون وأوبسالا (السويد)، ليبرع قلمه فى التعبير مثلما نبغت عدسته فى التصوير، فيقدم لأدب الرحلة ثلاثة كتب عن أوروبا. 
هذه الحاسة الثامنة التى جعلت الشريف يُكْمل صورَه بالنصوص، ويجمِّل النصوص بالصور، تستطيع أن تتلمسها عبر هذه الموسوعة الفريدة فى أدب الرحلة العربى المعاصر على طريق الحرير، الأمر الذى جعله، مثلا، يتأمل خريطة الهند فلا يجدها مجرد مثلث مقلوب بل هى ماسّة عملاقة، كما يقول فى بداية موسوعته المصورة : «الهند... أسرار ومفاتيح» الذى اقترب من ٥٠٠ صفحة، حيث لا تخلو صفحة منها من صورتين أو أكثر:
«التسامح هو عملة هؤلاء الناس بدليل أن الهندوس لم يفكروا فى هدم الكهوف البوذية أو الجاينية المجاورة، بل اكتفوا بمحاولة أن تكون كهوفهم أكثر إبداعًا، وهكذا، خرج إلى النور أحد أعظم الأعمال الإيمانية على الإطلاق فى كل تاريخ الإنسانية، معبد كايلاشا المحفور بأكمله فى الصخور. وهذا التسامح الهندى قديم جديد، لعله يمثل القيمة الأكثر سموا التى مخرت عباب بحر التاريخ الهندى لتصل سالمة إلى العصر الحديث».
السفير المصرى يخاطبنا بروح مداعِبة، لا تخفى دقة تصويره للحياة والعمارة، وتجلى اهتمامه بالتوثيق والتفصيل:
«ولا تنس أن (فن) المفاصلة ومناقشة السعر يجب أن تتقنه وألا تتنازل عنه فى كل جولاتك بأسواق الهند من الآن فصاعدًا، إنه جزء من متعة عملية البيع والشراء لا تكتمل إلا به! التعامل مع تلك المتاجر فى جان بات، يمثل على أى حال، مقدمة مناسبة تمامًا للتعرف على متاجر وأسواق وبازارات دلهى العديدة حيث الفن يجاور الإتقان، والتقاليد العريقة... ويحار الزائر بين إغراء هذا السارى القادم من فارناسى، أو ذاك الحرير الذى جاء من تاميل نادو، دون أن ننسى سجاد وأبسطة كشمير ومصنوعاتها الجلدية، أو ما خف وزنه وارتفع ثمنه من مجوهرات حيدر آباد».
كثيرة تعليقات وحواشى الشريف العميقة والفكِهة فى السياسة والفن، وكأنه يذيب جليد الهيمالايا فيقطره من سحابة تعبر نهر الجانج، فكُله أدب، وجُله عذب. 
ومثل مصائر الإلهة فى الأساطير الهندية، تأبى دراما الأحداث أن تترك الشريف يحقق حلمه بكتابة سفر جديد عن الوطن العربى. ففى منتصف شهر مايو ٢٠٠٥ يأتى الشريف إلى إحدى حواضر طريق الحرير التاريخي، بغداد، قائما بالأعمال. هناك لم تستقبله غابات الهند ومعابدها، بل استقبلته السيارات المفخخة وضحاياها. جاء الحالم بتنمية العلاقات بين وطنه والعراق، الذى أعلن أنه سيكون باكورة أعماله فى أدب الرحلة من البلدان العربية.
نبهه أعضاء السلك الدبلوماسى إلى عدم القيام بما يلفت الانتباه، لكن الرحالة فى داخله كان يستحثه للخروج من ملل السكون بالبيت، أو الاكتفاء بالقراءة والإنترنت والهاتف، وحسب. 
منتصف صيف ٢٠٠٥ وعلى بعد دقائق من منزله، اختطف الشريف فى شارع الربيع، بحى الجامعة، حين ترك سيارته لشراء جريدة، بغية التخلص من ممثل مصر والعرب فى العراق، ليظهر بعد ذلك معصوب العينين فى شريط فيديو بثه تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين يوم ٦ يوليو ٢٠٠٥ وهو يذكر هويته ومحل إقامته فى مصر، وليعلن التنظيم لاحقًا عن اغتياله.
فى إهدائه لكتابه عن الهند، إلى أمته العربية الكبيرة من المحيط إلى الخليج... «مع كل الأمل أن تتعلم (الأمة العربية) من الهند كيف تتحد... دون أن تنسى الدرس الآخر... الذى يجب أن يتعلمه الهند مع درس الوحدة.. هو الديمقراطية فهو الطريق والأمل وهو الحل والمستقبل... كل المستقبل».
ثم يدوِّن بجوار إهدائه حكمة بوذا: «فليكن انتصار الإنسان على الغضب بالحب، وعلى الشر بالخير، وعلى البخل بالكرم، وعلى الكذب بالصدق».