الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

آفة حارتنا العجز... قبل أن يأكل البحر ضحايا مركب رشيد بدقائق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«شباب امرأة»... واحد من روائع السينما المصرية، الفلاحة الفقيرة التى تجسد دورها «فردوس محمد» تبيع «الجاموسة» التى كانت الشىء الوحيد الذى تملكه وكل رأسمالها حتى ترسل ابنها «شكرى سرحان» ليتلقى تعليمه فى القاهرة.
كانت حياتهم شديدة القسوة والتضحية كبيرة، وقد استطاع الرائع «صلاح أبو سيف» أن يظهر مدى ضعف المرأة وقوتها فى آن واحد، وهى تتخلى عن مصدر رزقها الوحيد، من أجل تعليم ابنها فى الجامعة، كان الهدف أسمى وأقوى «من وجهة نظرها» بغض النظر عن وجهة نظر المحيطين بها فى القرية أو حتى المجتمع كله.
طرحت أفلام مصرية كثيرة هذه الحالة لأنها واقع، وما زال يحدث، أن يقترض الشاب النقود من الأهل والأصدقاء حتى يسافر إلى بلد آخر بعد أن خاب سعيه فى بلده، وفشل فى العثور على عمل يعيش منه، وخاصة إذا كان فى مقتبل العمر أو يعول أسرة.
بعد غرق المركب الذى كان يحمل الفقراء فى طريقهم لبلد آخر، بحثا عن عمل وأمل فى عيشة كريمة، قال بعض أهالى الضحايا إنهم دفعوا الآلاف لأبنائهم حتى يسافروا إلى بلاد غريبة بحثا عن الرزق الذى لم يجدوه فى وطنهم، قد خرجوا من الوطن ورحلوا من الحياة رغما عنهم.. بعد أن أجبرهم الفقر والحرمان وقسوة الحياة على ذلك. 
قد تقول: إذن معهم فلوس تصل إلى ٢٠ أو ٣٠ ألف جنيه، ليسوا فقراء أو محتاجين.
لا يعرف السفهاء كيف دبر هؤلاء هذه المبالغ كيف جمعوها وما هى التضحية التى قاموا بها حتى يحصلوا عليها، ويدفعوها لأبنائهم ليهاجروا للعمل الذى هو من وجهة نظرهم أيضا هدف أغلى وأقوى يستحق التضحية؟ 
قد يكونوا اقترضوا من هذا وذاك... وقد يكونوا باعوا ما كان يشكل لهم مصدر رزقهم الوحيد.. من يعلم؟ 
لا أعرف على وجه التحديد ما الذى يدفع أحدا ليهاجم الضحية بدلا من التعاطف معها والترحم عليها؟ 
عندما ذبحت عناصر داعش المصريين على شواطئ ليبيا خرج علينا من يقول «يستاهلوا لأنهم عارفين أنها بلد خطر ومع ذلك بيشتغلوا فيها»، وعندما غرق المهاجرون فى البحر أفواجا منذ أيام وجدنا من يقول «يستاهلوا لأنهم ألقوا بأنفسهم فى التهلكة» على غرار من قال فيما سبق عن الفتاة التى تمت تعريتها فى مجلس الوزراء منذ أعوام فى خضم الأحداث التى تلت ثورة يناير «تستاهل إيه اللى وداها هناك» وكانوا من الإخوان.
فى الحقيقة من يذهب إلى أرض بها حرب دائرة ليعمل بها، ومن يرمى بنفسه فى البحر ليحمله الموج إلى المجهول فإن هؤلاء يفعلون ذلك من منطلق «لا يوجد ما أخسره»، فهم فى كل الأحوال خاسرون، لأن الأمان بالنسبة لهم غير موجود فى بلدهم، والأمان هنا هو لقمة العيش، هو الخبز والبيت وتسديد الديون والقدرة على مواجهة أعباء الحياة، من الممكن أن يتخذوا الطريق الأسهل غير المشروع مثل السرقة وتجارة المخدرات والنصب وقطع الطريق وسرقة الناس بالإكراه، صحيح وقتها سوف يجيدون لقمة العيش ولكنهم لن يعيشوا بأمان رغم أنهم ما زالوا على أرضهم ولم يبرحوا وطنهم، لم يذهبوا إلى مكان آخر ولكنهم مطاردون، وفى لحظة ما تأتى غالبا يجدون أنفسهم فى زنزانة لعدة سنوات تسرق من أعمارهم. لا شىء أصعب من الفقر ولا أقسى من الحاجة ولا أشد من افتقاد الأمان.
وعندما تكلم والد أحد الضحايا قائلا: إنه دفع لابنه ٣٠ ألف جنيه حتى يهاجر إلى بلد آخر ليجد العمل، فخرج البعض يسخر من الرجل، ومن الضحايا لأنهم معهم آلاف الجنيهات فكيف يكونون إذن فقراء؟
آفة الكثيرين الجهل وآفة البعض السطحية، فكيف لا يدرون أن هؤلاء جمعوا هذه المبالغ من الاقتراض من الأهل والمعارف والجيران، إنهم يعيشون تحت ذل الديون، أو أنهم دبروها من بيع أشياء كانت سندا لهم، ولكنها لا تجعلهم يعيشون بكرامة.. فضحوا بها.
هناك من يقول إأن الأفضل هو إقامة مشروع بهذه الأموال بدلا من الهجرة، وبصراحة أشعر أن هؤلاء مغيبون لأن ٣٠ ألف جنيه لن تقيم مشروعا غير أن الحالة الاقتصادية فى مصر تفشل بسببها مشاريع بالملايين فما بالك الآلاف؟.