الخميس 13 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

جمهورية الخوف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

القاعدة بسيطة ومعروفة، تلك التي تستند إليها النظم غير الديمقراطية والاستبدادية والشمولية، ألا وهي مأسسة الخوف؛ أي جعل الخوف على الصعيد الفردي والجماعي مؤسسة مسيطرة، على جميع الفاعليات والوظائف الحيوية للإنسان وفي شتى الظروف والحالات؛ بأن يقبع الخوف داخل كل إنسان وكل جماعة؛ لكي يحجب المشاركة والقدرة على إبداء الرأي وممارسة الاحتجاج السلمي إزاء السياسات والممارسات التي تنتجها النظم غير الديموقراطية.
هذه القاعدة البسيطة التي تخلو من الإعجاز والألغاز يمكن التحقق من وجودها تاريخيًّا، فجميع النظم الاستبدادية وغير الديمقراطية مارستها، واستلهمت منها فن البقاء والاستمرار؛ فهي خبرة موروثة ومنقولة وعابرة للحدود والثقافات، ومفرطة في بساطتها، وتتمتع بقابلية للاستيعاب والتطبيق في كل الظروف، وبصرف النظر عن ثقافة وذكاء القائمين على تطبيقها والاستفادة منها، ولكن ومع ذلك فإن نتائجها ليست مضمونة ولو إلى حين.
الخوف كمؤسسة والخوف كمشروع على الصعيدين الفردي والجماعي، هو بمثابة صمام الأمان في حياة أي نظام غير ديمقراطي، هو سر وجوده وبقائه، هو مؤسسة غير منظورة، لأنها باختصار قابعة في أعماق الوعي، ولكنها تسيطر عليه وتحول دون ظهور تجلياته في عالم الواقع، مؤسسة تنتج مبررات ذاتية وجماعية لاستمرار فاعليتها وبقاء الجميع خاضعين لسيطرتها وتأثيرها.
ومع ذلك- بل بالرغم من ذلك- فالخوف في حد ذاته ليس شبهة في النفس الإنسانية، كما أنه ليس بالضرورة نقيضه من نقائضها، فهو كغيره من العواطف التي تموج بها النفس والروح الإنسانية كالشجاعة والإقدام والبطولة والإرادة والعزيمة، فالخوف إزاء القوة الباطشة قد يكون ملاذًا ومأمنًا، وفي حالات عديدة قد يكون عاصمًا من القوة الغاشمة، وفضلًا عن ذلك فإنه لولا الخوف لما عرفنا أي معنى للشجاعة، وتلك التناقضات التي تموج في النفس الإنسانية تبرز قيمة بعضها وسموها وتمثل مرجعية لتقويم مسلك الإنسان ومقارنته بغيره.
في عقد الثمانينيات وفي أمريكا اللاتينية وفي الأرجنتين تحديدًا وخلال حكم العسكر والجنرالات كما في غيرها من البلدان، كان النظام الحاكم يلقي بمعارضيه وخصومه السياسيين في أعالي البحار، كان يتم خطفهم وشحنهم في طائرات تتوقف في عرض وعمق المحيطات، ثم تفرغ حمولتها وتعود سالمة وكأنما تخلصت من نفايات ملوثة للبيئة، ولم يعرف أبدًا أهالي هؤلاء المختطفين مصير ذويهم ولم يلقوا عليهم أبدًا نظرة الوداع الأخيرة.
على ضوء ذلك ربما أمكننا تعريف الديمقراطية بأنها تلك العملية التي يتم من خلالها نزع الخوف من نفوس المواطنين وإرساء ضمانات قانونية وسياسية لتأمين حقهم في إبداء الرأي والمشاركة في الشأن العام دون خوف، وما إن يتحقق ذلك بمقدورنا أن نقول وداعًا لجمهورية الخوف.
يوغل النظام الذي أعقب الثورة في استعمال القوة والأمن في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، والهدف من ذلك إعادة بناء جمهورية الخوف، بعد أن أطاحت الثورة بها، ولكن هيهات.