السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

جمال عبدالناصر.. الزعيم

جمال عبدالناصر
جمال عبدالناصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في مثل هذا اليوم 28 سبتمبر عام 1970 رحل الزعيم والرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وكان قد ولد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918 في 18 شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية.
وهو الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام 1888 في قرية بني مر في صعيد مصر في أسرة من الفلاحين.
والتحق جمال عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبه في عامي 1923، 1924.
وفى عام 1925 دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – 1926 – علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه قائلا: "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمرًا محزنًا للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعورًا لا يمحوه الزمن، وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضًا بالغًا في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين ".
وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف 1928 عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية.
في مدرسة حلوان الثانوية
التحق جمال عبد الناصر في عام 1929 بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عامًا واحدًا، ثم نقل في العام التالي – 1930 – إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك.
وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبدالناصر القومي؛ ففي عام 1930 استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسومًا ملكيًا بإلغاء دستور 1923 فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.
ويحكى جمال عبدالناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها: "كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكًا بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شيء عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلى سؤال؛ لقد رأيت أفرادًا من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد في الجانب المعادى للسلطة.
وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير" وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجل الحرية" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء لـ "فيكتور هيوجو" وقصة مدينتين لـ "شارلز ديكنز".
كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجبًا بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصًا رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.
وفى 1935 في حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب الطالب جمال عبدالناصر دور "يوليوس قيصر" بطل تحرير الجماهير في مسرحية "شكسبير" في حضور وزير المعارف في ذلك الوقت.
وقاد جمال عبد الناصر في 13 نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. (مجلة الجهاد ١٩٣٥).
ومنذ المظاهرة الأولى التي اشترك فيها جمال عبد الناصر بالإسكندرية شغلت السياسة كل وقته، وتجول بين التيارات السياسية التي كانت موجودة في هذا الوقت فانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئًا، كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أي منها،"فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية".
كذلك فإنه وهو طالب في المرحلة الثانوية بدأ الوعي العربي يتسلل إلى تفكيره، فكان يخرج مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر احتجاجًا على وعد "بلفور" الذي منحت به بريطانيا لليهود وطنًا في فلسطين على حساب أصحابه الشرعيين.
جمال عبدالناصر ضابطًا:
عبدالناصر وهو في طالب في الكلية الحربية بعد أن انتقل اليها من كلية الحقوق
لما أتم جمال عبدالناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العمل السياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني.
تقدم جمال عبدالناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئًا، ولأنه اشترك في مظاهرات 1935، ولأنه لا يملك واسطة.
ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم في أكتوبر 1936 إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة 1936 واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف 1936 وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطًا فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس 1937.
وطوال فترة الكلية لم يوقع على جمال أي جزاء، كما رقى إلى رتبة أومباشى طالب.
الملازم ثان عبدالناصر
تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهرًا، أي في يوليو ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد كاف من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.
التحق جمال عبدالناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيى الدين وأنور السادات.
وفى عام 1939 طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم وفى جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين وعبدالحكيم عامر. وفى مايو 1940 رقى إلى رتبة الملازم أول.
عبدالناصر مع الحامية المصرية بالسودان
لقد كان الجيش المصري حتى ذلك الوقت جيشًا غير مقاتل، وكان من مصلحة البريطانيين أن يبقوه على هذا الوضع، ولكن بدأت تدخل الجيش طبقة جديدة من الضباط الذين كانوا ينظرون إلى مستقبلهم في الجيش كجزء من جهاد أكبر لتحرير شعبهم. وقد ذهب جمال إلى منقباد تملؤه المثل العليا، ولكنه ورفقاءه أصيبوا بخيبة الأمل فقد كان معظم الضباط "عديمي الكفاءة وفاسدين"، ومن هنا اتجه تفكيره إلى إصلاح الجيش وتطهيره من الفساد.
وفى نهاية عام 1941 بينما كان "روميل" يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبدالناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين.
وأثناء وجوده في العلمين جرت أحداث ٤ فبراير 1942 حينما توجه السفير البريطاني – "السير مايلز لامسبون" – ليقابل الملك فاروق بسراي عابدين في القاهرة بعد أن حاصر القصر بالدبابات البريطانية، وسلم الملك إنذارًا يخيره فيه بين إسناد رئاسة الوزراء إلى مصطفى النحاس مع إعطائه الحق في تشكيل مجلس وزراء متعاون مع بريطانيا وبين الخلع، وقد سلم الملك بلا قيد ولا شرط.
رقى جمال عبد الناصر إلى رتبة اليوزباشى (نقيب) في 9 سبتمبر 1942. وفى 7 فبراير 1943 عين مدرسًا بالكلية الحربية. ومن قائمة مطالعاته في هذه الفترة يتضح أنه قرأ لكبار المؤلفين العسكريين من أمثال "ليدل هارت" و"كلاوزفيتز"، كما قرأ مؤلفات الساسة والكتاب السياسيين مثل "كرومويل" و"تشرشل". وفى هذه الفترة كان جمال عبد الناصر يعد العدة للالتحاق بمدرسة أركان حرب.
وفى 29 يونيو 1944 تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم.
لعبت تحية دورًا هامًا في حياته خاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة - هدى ومنى - عندما كان في حرب فلسطين، كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس في 1951، 1952.
تنظيم الضباط الأحرار:
شهد عام 1945 انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، ويقول جمال عبد الناصر: "وقد ركزت حتى 1948 على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغًا كبيرًا، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم. وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفى خطة مشتركة".
وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر 1947 عقد الضباط الأحرار اجتماعًا واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.
وسافر جمال إلى فلسطين في 16 مايو 1948، بعد أن كان قد رقى إلى رتبة صاغ (رائد) في أوائل عام 1948.
وقد جرح جمال عبد الناصر مرتين أثناء حرب فلسطين ونقل إلى المستشفى. ونظرًا للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة فإنه منح نيشان "النجمة العسكرية" في عام 1949.
وعقب عودته أصبح مقتنعًا أنه من الضروري تركيز الجهود لضرب أسرة محمد على؛ فكان الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية 1948 وحتى 1952.
ووقد كان في نية جمال عبد الناصر القيام بالثورة في 1955، لكن الحوادث أملت عليه قرار القيام بالثورة قبل ذلك بكثير.
وبعد عودته من فلسطين عين جمال عبد الناصر مدرسًا في كلية أركان حرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في 12 مايو 1948. وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، وتضم كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عامي 1950، 1951.
وفى ٨ مايو 1951 رقى جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشى (مقدم) وفى نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سرًا في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية 1952، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب من كل الاتجاهات السياسية والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.
وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام 1952 اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد. وفعلًا بدأوا باللواء حسين سرى عامر - أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر – إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها جمال عبد الناصر، فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي.
ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار التي كانت تطبع وتوزع سرًا. والتي دعت إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية بدلًا من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات، كما دعت الحكام إلى الكف عن تبذير ثروات البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الإتجار في الرتب والنياشين. وفى تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفد.
ثم حدث حريق القاهرة في 26 يناير 1952 بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة احتجاجًا على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي استشهد فيها 46 شرطيًا وجرح ٧٢. لقد أشعلت الحرائق في القاهرة ولم تتخذ السلطات أي إجراء ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنى، وتركت ١٢ ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر 22 مليون جنيه.
وفى ذلك الوقت كان يجرى صراع سافر بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش. حيث رشح الملك اللواء حسين سرى عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرئاسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصيًا، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبدالناصر – رئيس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار – تقديم موعد الثورة التي كان محددًا لها قبل ذلك عام 1955، وتحرك الجيش ليلة 23 يوليو 1952 وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار بعد أن تسرب خبر عنها.
وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة - وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة - إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى 25 أغسطس 1952 عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.
وبعد نجاح الثورة بثلاثة أيام – أي في 26 يوليو – أجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد. وفى اليوم التالي أعيد انتخاب جمال عبد الناصر رئيسًا للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.
وفى 18 يونيو 1953 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ 7 سبتمبر 1952، أما جمال عبدالناصر فقد تولى أول منصب عام كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية. وفى الشهر التالي ترك جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية – الذي تولاه زكريا محيى الدين – واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء.
قرار المجلس بإلغاء الملكية
تعيين جمال عبد الناصر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة:
وفى فبراير 1954 استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا لمجلس الوزراء.
ومنذ تلك اللحظة أصبح الموقف دقيقًا؛ إذ أن أعمال ومناقشات مجلس قيادة الثورة استمرت أكثر من شهر بعيدة عن أن يشترك فيها اللواء محمد نجيب إذ أنه حتى ذلك الوقت وعلى وجه التحديد يوم 25 أغسطس سنة 1952 لم يكن سيادته قد ضم إلى أعضاء مجلس الثورة.
وقد صدر قرار المجلس في ذلك اليوم بضمه لعضويته كما صدر قرار بأن تسند إليه رئاسة المجلس بعد أن تنازل له عنها البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر الذي جدد انتخابه بواسطة المجلس قبل قيام الثورة كرئيس للمجلس لمدة عام ينتهى في آخر أكتوبر سنة 1952.
نتيجة لذلك الموقف الشاذ ظل اللواء محمد نجيب يعانى أزمة نفسية عانينا منها الكثير رغم قيامنا جميعًا بإظهاره للعالم أجمع بمظهر الرئيس الفعلى والقائد الحقيقى للثورة ومجلسها مع المحافظة على كل مظاهر تلك القيادة.
وبعد أقل من ستة شهور بدأ سيادته يطلب بين وقت وآخر من المجلس منحه سلطات تفوق سلطة العضو العادى بالمجلس، ولم يقبل المجلس مطلقًا أن يحيد عن لائحته التي وضعت قبل الثورة بسنين طويلة إذ تقضى بمساواة كل الأعضاء بما فيهم الرئيس في السلطة، فقط إذا تساوت الأصوات عند أخذها بين فريقين في المجلس فترجح الكفة التي يقف الرئيس بجانبها.
ورغم تعيينه رئيسًا للجمهورية مع احتفاظه برئاسة مجلس الوزراء ورئاسته للمؤتمر المشترك إلا أنه لم ينفك يصر ويطلب بين وقت وآخر أن تكون له اختصاصات تفوق اختصاصات المجلس، وكان إصرارنا على الرفض الكلى لكى نكفل أقصى الضمانات لتوزيع سلطة السيادة في الدولة على أعضاء المجلس مجتمعين.
وأخيرًا تقدم سيادته بطلبات محددة وهى:
أن تكون له سلطة حق الاعتراض على أي قرار يجمع عليه أعضاء المجلس، علمًا بأن لائحة المجلس توجب إصدار أي قرار يوافق عليه أغلبية الأعضاء.
كما طلب أن يباشر سلطة تعيين الوزراء وعزلهم وكذا سلطة الموافقة على ترقية وعزل الضباط وحتى تنقلاتهم؛ أي أنه طالب إجمالًا بسلطة فردية مطلقة.
ولقد حاولنا بكافة الطرق الممكنة طوال الشهور العشرة الماضية أن نقنعه بالرجوع عن طلباته هذه التي تعود بالبلاد إلى حكم الفرد المطلق، وهو ما لا يمكن نرضاه لثورتنا، ولكننا عجزنا عن إقناعه عجزًا تامًا وتوالت اعتكافاته بين وقت وأخر حتى يجبرنا على الموافقة على طلباته هذه، إلى أن وضعنا منذ أيام ثلاثة أمام أمر واقع مقدمًا استقالته وهو يعلم أن أي شقاق يحدث في المجلس في مثل هذه الظروف لا تؤمن عواقبه.
أيها المواطنون
لقد احتمل أعضاء المجلس هذا الضغط المستمر في وقت يجابهون فيه المشاكل القاسية التي تواجه البلاد والتي ورثتها عن العهود البائدة.
يحدث كل ذلك والبلاد تكافح كفاح المستميت ضد مغتصب في مصر والسودان وضد عدو غادر يرابط على حدودها مع خوضها معركة اقتصادية مريرة وإصلاحًا لأداة الحكم وزيادة الإنتاج إلى آخر تلك المعارك التي خاضتها الثورة ووطدت أقدامها بقوة في أكثر من ميدان من ميادينها.
واليوم قرر مجلس قيادة الثورة بالإجماع ما يلى:
أولًا: قبول الاستقالة المقدمة من اللواء أركان حرب محمد نجيب من جميع الوظائف التي يشغلها.
ثانيًا: يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر في تولى كل سلطاته الحالية إلى أن تحقق الثورة أهم أهدافها وهو إجلاء المستعمر عن أرض الوطن.
حل جماعة الإخوان المسلمين
ثالثًا: تعيين البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر رئيسًا لمجلس الوزراء.
ونعود فنكرر أن تلك الثورة ستستمر حريصة على مُثلها العليا مهما أحاطت بها من عقبات وصعاب، والله كفيل برعايتها إنه نعم المولى ونعم النصير، والله ولى التوفيق".
وسرعان ما تم تدارك مظاهر ذلك الخلاف فقبل مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في 27 فبراير 1954.
ثم بدأت بعد ذلك أحداث الشغب التي دبرتها جماعة الإخوان المسلمين التي أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا مسبقًا بحلها في 14 يناير1954، (قرار المجلس بحل جماعة الإخوان المسلمين) وقد تورط أيضًا بعض عناصر النظام القديم في هذه الأحداث.
وقد تجلى الصراع داخل مجلس قيادة الثورة في هذه الفترة في القرارات التي صدرت عنه وفيها تراجعًا عن المضى في الثورة، فأولًا ألغيت الفترة الانتقالية التي حددت بثلاث سنوات، وتقرر في5 مارس 1954 اتخاذ الإجراءات فورًا لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بالاقتراع العام المباشر على أن تجتمع في يوليو 1954 وتقوم بمناقشة مشروع الدستور الجديد وإقراره والقيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد وفقًا لأحكام الدستور الذي ستقره الجمعية التأسيسية. وفى نفس الوقت تقرر إلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحافة والنشر.
وثانيًا: قرر مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيسًا للمجلس ورئيسًا لمجلس الوزراء بعد أن تنحى جمال عبد الناصر عن رئاسة الوزارة وعاد نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة.
وأخيرًا قرر مجلس قيادة الثورة في 25 مارس 1954 السماح بقيام الأحزاب وحل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليو 1954 أي في يوم انتخاب الجمعية التأسيسية.

إرجاء تنفيذ قرارات المجلس التي صدرت في 25 مارس 1954.
وبالرغم من إلغاء مجلس قيادة الثورة لتلك القرارات في 29 مارس 1954 إلا أن الأزمة التي حدثت في مجلس قيادة الثورة أحدثت انقسامًا داخله بين محمد نجيب يؤيده خالد محيى الدين وبين جمال عبد الناصر وباقي الأعضاء.
وقد انعكس هذا الصراع على الجيش، كما حاول السياسيون استغلاله وخاصة الإخوان المسلمين وأنصار الأحزاب القديمة الذين كانوا في صف نجيب وعلى اتصال به.
وفى 17 أبريل 1954 تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر1954.
وفى 24 يونيو 1956 انتخب جمال عبد الناصر رئيسًا للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقًا لدستور 16 يناير 1956 أول دستور للثورة.
وفى 22 فبراير 1958 أصبح جمال عبد الناصر رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بها أفراد من الجيش السوري في 28 سبتمبر 1961.
وظل جمال عبد الناصر رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة حتى رحل في 28 سبتمبر 1970.