الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأدب العربي المسيحي مقالات ودراسات

القس عيد صلاح
القس عيد صلاح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صدر حديثًا كتاب "الأدب العربي المسيحي مقالات ودراسات" تأليف القس عيد صلاح،والصادر عن مركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط –كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة 2015م
ويعرض هذا الكتاب لرحلة الكتاب المقدّس في الفكر العربيّ، وكيف وصل إلينا الكتاب المقدّس باللّغة العربيّة؟ ولماذا تُرّجِمَ إلى اللّغة العربيّة؟ وماهي الرسالة من وراء ذلك؟ متناولًا فترة ما قبل وما بعد الإسلام في ضوء النصّ والسياق الأدبيّ واللاهوتيّ، ومؤكدًا على الدور الذي لعبته ترجمات الكتاب المقدّس في الفكر العربيّ والتواصل الحضاريّ والحفاظ على الهويّة الإيمانيّة والاندماج الثقافيّ والحفاظ على اللّغة العربيّة وإحيائها.
يأتي هذا الكتاب بمناسبة مرور مائة وخمسين عامًا على ترجمة فانديك-البستانيّ (1865-2015) مرورًا بالترجمات العربيّة للكتاب المقدّس قبل الإسلام وبعده وقضايا الكتاب المقدّس في الفكر العربيّ وكيف تناولته كتابات المسلمين في الحوار اللاهوتيّ وطرق التفسير العربيّة. ويحاول الكتاب التأكيد على مبدأ الكتاب المقدّس وحدة كمصدر للتعليم الديني المسيحيّ في منطقة الشرق الأوسط مع التأكيد على أهمية النصّ الدينيّ وقدسيته في الحياة.
ويناقش الكتاب دراسة احتماليّة وجود ترجمات عربيَّة للكتاب المقدّس في حقبة ما قبل الإسلام وبعده في العصر الوسيط، والوقوف عند الترجمات التي صدرت من القرن التاسع عشر حتى القرن الحادي والعشرين مع ما ظهر مع هذه الترجمات من علوم متعلقة بالكتاب المقدّس مثل علوم: التفسير، والوعظ، والمدارس الدفاعيّة التي ظهرت في هذا الشأن قديمًا وحديثًا.
وسوف يتطرق الكتاب للمدارس التفسيريَّة والمحاولات الجادة في ذلك من تفسير ونقد النصّوص ويضع الكتاب بعض النماذج التفسيريّة مثل: بطرس السدمنتيّ، ويشير إلى: بشر بن سري، ابن كاتب قيصر، إبراهيم سعيد، غبريال رزقالله، متى المسكين، بولس الفغالي.
ويشجِّع هذا الكتاب في تناول الترجمات العربيّة للكتاب المقدّس على التعامل مع الترجمات العربيّة بالنقد والتحليل والتطلع المستمر لوجود ترجمات حديثة منضبطة حسب اللّغة المعاصرة ومضمون الكلمات في معناها الأصليّ للتماشى مع متطلبات الحضور المسيحيّ في المشرق العربيّ. كما يربط االكتاب بين الدور والرسالة التي قامت بها الترجمات في الحفاظ على الهويّة المسيحيّة والحضور المسيحيّ في الشرق وتقديم الشهادة المسيحيّة في المشرق العربيّ كما يتعرض المنهاج بإلقاء نظرة تحليليّة لكيف ينظر المسيحيّون العرب للكتاب المقدّس؟ فلقد كان هناك حتمية في وجود ترجمات للكتاب المقدّس باللّغة العربيّة وأيضًا ظهور مدارس تفسيريّة للكتاب المقدّس.
ويقدِّم الكتاب نظرة كاملة للترجمات العربيّة للكتاب المقدّس-ولاسيما المطبوع منها وهو كثير- في ضوء القرينة الثقافية العامة التي بدأت بمراحل الإحلال والتحول للغة العربيّة مرورًا بالتواصل والالتقاء اللاهوتيّ بين الإسلام والمسيحيّة والقرينة العربيّة التي أنتجت الترجمات العربيّة كضرورة حتمية للحضور والوجود المسيحيّ في الشرق، والتركيز على فترة انعاش الترجمات العربيّة في النصف الثاني في القرن التاسع عشر-عصر النهضة العربيّة- في ضوء الإنتاج الفكريّ الضخم الذي ميَّز هذه المرحلة، وقدكان للحضور العربيّ المسيحيّ الإنجيليّ دورًا بارزًا فيه.
ويتكوّن الكتاب من خمسة فصول: الفصل الأول: مراحل اللّغة العربيّة وعاء التفكير اللاهوتيّ مراحل الإحلال والتحول، الفصل الثاني التواصل الإسلاميّ المسيحيّ في مصرمن القرن السابع حتى العاشرالميلاديّ، الفصل الثالث: الترجمات العربيّة للكتاب المقدّس الدور والرسالة، الفصل الرابع: في سبيل نظرية عربيّة للتفسير بطرس السدمنتيّ نموذجًا، الفصل الخامس: مدخل إلى الأدب العربيّ المسيحيّ الإنجيليّ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر رصدًا وتحليلًا. كل هذه الفصول معًا تمثل السياق العام منذ ظهور الإسلام وحتى الآن، والضرورة الحتميّة لظهور الترجمات، والعلوم المتعلقة بالترجمة العربيّة للكتاب المقدّس في لغته العربيّة. أملًا في التجديد بصدور ترجمات تراعي الأصول والسياق واللّغة ككائن حي يتطّور لتصل كلمة الله للجميع بلغة مفهومة في عالمنا العربيّ.
في الفصل الأول أشار الكتاب إلى: منذ دخول المسيحيّة مصر وهي لم تفرض لغة مقدّسة، ولم تناد بذلك، بل تفاعلت مع اللغات المحليَّّة لأهل البلد الأصليين، ولعل الإنتاج الأدبيّ المسيحيّ باللّغة القبطيّة يثبت ذلك، وفي بحثنا عن اللّغة لابد أنْ نؤكَّد على أهميتها في التواصل بين البشر، وفي نفس الوقت هي ترجمة للفكر، وفي قصة برج بابل الواردة في سفر التكوين 11: 1- 9 نعرف كيف كانت اللّغة هامة للتواصل والإنجاز أيضًا. والجدير بالذكر أنَّ اللّغة العربيّة من ضمن اللغات التي ورد ذكرها في يوم الخمسين (يوم حلول الروح القدس على التلاميذ) كما جاء في سفر أعمال الرسل 2: 11 "...كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ؟».
وفي ظل الحكم العربيّ الإسلاميّ لمنطقة الشرق الأوسط في القرون الوسطى حدث أن اندثرت اللغات المحليَّة وعمَّت اللّغة العربيّة فكرًا، وتعبيرًا، وثقافةً. استجاب الكثيرون من مفكري الكنيسة المستنيرين مثل الأنبا ساويرس بن المقفع في القرن العاشر الميلاديّ، والأنبا غبريال بن تريك في القرن الثاني عشر الميلاديّ، وأولاد العسال في القرن الثالث عشر للواقع والقرينة العربيّة المغايرة في اللّغة والثقافة فتكلموا وأنتجوا بل أبدعوا باللّغة العربيّة كتابات ومؤلفات ننهل منها حتى الآن.
وبالرغم أنَّ الأمر كان صعبًا في البداية على الكنيسة في مصر والشرق الأوسط إلاّ أنَّه في سبيل التعايش، والتواصل، ومحاولة التعبير عن الإيمان المسيحيّ بلغةٍ مفهومة للأخر المختلف في الإيمان، تعرَّبت الكنيسة، وتعرَّب الفكر المسيحيّ، ولم تفقد الكنيسة هويتها الإيمانيَّة. تبقى اللّغة العربيّة حاملة للفكر العربيّ المسيحيّ المتميز، ووعاء للتفكير اللاهوتيّ حول القضاياالهامة فيه، وجسرًا للتواصل بين ابناء الوطن العربيّ رغم اختلاف مذاهبهم وديانتهم. وعلى المسيحيّين العرب مواصلة مسيرتهم واسهاماتهم بجانب إخوانهم المسلمين للحفاظ على الهوية العربيّة، والعمل على تقدم الشعوب العربيّة الأمر الذي أصبح ضرورة إيمانيَّة وحياتيَّة.
وفي الفصل الثاني عن التفاعل الإسلامي المسيحي في مصر حتى القرن العاشر الميلادي يذكر المؤلف: تتناول الورقة أصول ومقدِّمات التراث العربيّ المسيحيّ في مصر في ضوء التلاقي والتواصل الإسلاميّ المسيحيّ الّذي أنتج تفاعلًا كبيرًا بين الرسالتين، عبر سنين بل قرون طويلة تأثيرًا وتأثرًا. والحقيقة أنَّه لاشيء يطفُر فجأةً في الفراغ. هذا ما نراه في تكوين التراث العربيّ الإسلاميّ بصورة عامة، والتراث العربيّ المسيحيّ بصورة خاصة، وبالتحديد التراث العربيّ المسيحيّ في مصر، موضوع البحث والدراسة. فالتراث العربيّ المسيحيّ في مصر لم يكن سابقًا على الفتح الإسلاميّ، بل لاحقًا له، متفاعلًا معه، منتجًا كمًّا كبيرًا من الكتابات العربيّة المسيحيّة المصريّة في شتى المجالات، وإنْ كانت غير معروفة للعامة.
وسوف نتناول في هذه الورقة الجدل الدائر قديمًا، والمثار حديثًا بين "التعريب والقبطنة" بين تيار صموئيل القلموني، وساويرس بن المقفع، والذي اسميته تيار الاندماج وتيار الانعزال، ثم نعرض للأسباب التي أدت لظهور التراث العربيّ المسيحيّ في مصر، وصولًا إلى التأثير والتأثر المتبادل في كل من الفكر الدينيّ الإسلاميّ والمسيحيّ، ومن الماضي إلى الحاضر تكون رسالة التواصل دافعًا للفهم، وطريقًا للمعرفة، ونورًا لكشف الغموض.
وفي السياق العامّ، قد تأثَّرَ التراث العربيّ المسيحيّ بالفكر الإسلاميّ والحضارة العربيّة، ولقد أثَّرَ أيضًا في الفكر الإسلاميّ، وهذا واضح في الفكر الإسلاميّ الوسيط في الردّ على النصّارى يمكن الرجوع إلى دراسة عبد المجيد الشرفي، الفكر الإسلاميّ في الرد على النصّارى، إلى نهاية القرن الرابع / العاشر (بيروت: دار المدى الإسلاميّ، 2007).. ويمكننا القول إنَّ اللاهوت العربيّ المسيحيّ وُلِدَ بين حضارتيْن: حضارة الفلسفة اليونانيَّة والفكر المسيحيّ المصاغ باللّغة اليونانيَّة، وحضارة الفقه الإسلاميّ في القرينة الجديدة المكتوب باللّغة العربيّة.
وفي الحالة المصريّة نجد أنَّ الفكر المسيحيّ صيغ وحُفِظَ في ثلاث حقب، مَثَّلَت ثلاث لغات: اليونانيّة والقبطيّة والعربيّة، في ظروف وقرائن مختلفة. "إنَّ التراثَ المسيحيّ المصريّ مُدَوَّنٌ باللغات اليونانيَّة، القبطيَّة، والعربيّة. وتمثل كل لغة من هذه اللغات حقبة طويلة من حقبات تاريخ الكنيسة القبطيَّة (المصريّة) نفسه الّذي يمتد إلى ما يقرب من 1900 سنة. وعصر التأليف باليونانيَّة يبدأ بالقديس إكلمندس الإسكندريّ ويتوقف تقريبًا عند القديس كيرلس عمود الدين. أمَّا عصر التأليف بالقبطيَّة–وهو عصر ترجمة ما كتبه آباء الإسكندرية باليونانيَّة إلى القبطيَّة–فهو يمتد في الواقع من القرن الرابع الميلاديّ حتى القرن العاشر الميلاديّ تقريبًا.. ومع أنَّ كل الشواهد تقطع بوجود حركة ترجمة قوية في ذلك العصر إلا أنَّ ما وصلنا من وثائق قبطيَّة لنصّوص آباء الإسكندريَّة وغيرهم هو قليل جدًا، ربما لأنَّ أغلبه قد دُمِّرَ واندثر. ثم نجيء إلى عصر التأليف باللّغة العربيّة الّذي بدأه العالم الجليل الأسقف ساويرس ابن المقفَّع، الّذي وضع العديد من المؤلفات باللّغة العربيّة، مثل "الدر الثمين في إيضاح الدين" وهو شرح للإيمان الأرثوذكسيّ (المسيحيّ)، ثم تاريخ البطاركة، وهو السجل التاريخيّ الكامل للفترة من مار مرقس إلى عصر ابن المقفَّع نفسه، والّذي أكمله عدد آخر من المؤلفين والمؤرخين" ومن هذا يتبَّين لنا أنَّ كتابة وصياغة وتدوين التراث المسيحيّ المصريّ مرَّ بثلاث حقب زمنيَّة وهي: مرحلة الكتابة باللّغة اليونانيَّة، ومرحلة الكتابة باللّغة القبطيَّة، مرحلة الكتابة باللّغة العربيّة.
وفيالفصل الثالث عن تاريخ نشر الترجماتالعربية للكتاب المقدس يقول المؤلف: تتناول في هذا الفصل عرضًا لتاريخ نشر الترجمات العربيّة للكتاب المقدّس، والدور الذي قام به العرب المسيحيّون منذ الالتقاء المسيحيّ الإسلاميّ الأول في القرن السابع الميلاديّ وصولًا إلى وقتنا الحاضر.وقد عبَّر نشر هذه الترجمات عن اتجاه لاهوتيّ واضح داخل الكنيسة العربيّة، يؤكِّد على الاندماج في الحضارة والثقافة العربيّة مع الاحتفاظ بالهويَّة والخصوصيّة الدينيَّة. كما عبَّرت هذه الترجمات أيضًا- المطويّ والمنّشور- منها عن التواصل والعطاء المبني على لغةٍ مفهومة.
ولقد كان الاهتمام بترجمات الكتاب المقدّس إلى اللّغة العربيّة-عربيًا شرقيًا خالصًا- من خلال العرب المسيحيّين في العصور الأولى للتلاقي الإسلاميّ المسيحيّ، وأصبح بعد ذلك اهتمامًا غربيًا شارك فيه المسيحيّون العرب، إلى أنْ انتهى في بداية القرن الحادي والعشرين إلى الأصل أنْ يكون اهتمامًا عربيًّا شرقيًّا خالصًا كما كان من قبل، وهذا ما سوف نبيَّنه فيما بعد.
ومن هنا نرى الاحتياج الملّح إلى ترجمات عربيَّة تعبّر عن الحضور المسيحيّ في الشرق، وتؤكد على لاهوت التلاقيّ ﻓ"الترجمة هي همزة الوصل بين الثقافات، والجسر الواصل بين الحضارات، والنافذة المفتوحة على تاريخ الشعوب، بها تُعرف مواطن العبقريّة والإبداع وتُكتشف خصائصها ومميزاتها، والترجمة تُزيل حواجز الخطأ والوهم التي تمنعها من تبادل الفهم الصحيح والعطاء النافع.
وقد قامت بعض المحاولات الجادة منذ الفتح الإسلاميّ حتى الآن حول ترجمة الكتاب المقدّس من لغاته الأصليّة إلى اللّغة العربيّة. نركِّز في هذه الورقة على ما نُشَّرَ منها، وبالطبع لا نغفل الإشارة إلى أنَّ هناك ترجمات للكتاب المقدّس بلغات أخرى مثل: السريانيَّة، والآراميَّة، واليونانيَّة، والقبطيَّة...إلخ، "فالمسيحيّة تؤمن بأنَّ ما يهم في الكتب المقدّسة ليس هو المفردات التي كُتبت بها أسفار الكتاب المقدّس في لغاته الأصليّة بل المضمون أو الرسالة التي يحملها الكتاب المقدّس، كلمة الله المكتوبة، للبشر جميعًا. كما أنَّ المسيحيّة تهتم بأنْ تقدِّم الكتاب المقدّس للناس باللّغة التي يفهمونها في سهولة ويسر. فإنْ كانت النصّوص الأصليّة قد كتبت باللغات الشعبيَّة آنذاك، فليس أقل من أنْ تُترجم للبشر في لغةٍ سهلةٍ، وأسلوبٍ واضحٍ، يتفَّهم الجميع من خلاله رسالة محبة الله لكل إنسان. ومن هذا المنطلق قد تُرّجِمَ الكتاب المقدّس حتى اليوم إلى أكثر من ألفي لغة ولهجة. تمثل أكثر من 97% من سكان العالم اليوم