الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

بالأسعار.. نرصد مراكز تصدير رحلات الهجرة غير الشرعية في 7 محافظات

«البوابة» تتتبع البدايات الأولى لـ«كوارث المتوسط»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: أيمن عبدالعزيز وإسلام الخياط وأحمد عبدالخالق حسنى دويدار ومصطفى عبدالله وأحمد أبوالقاسم ورامی القناوى

التسعيرة المبدئية تتراوح بين 25 و60 ألف جنيه 45 دربًا ومدقًا صحراويًا وجبليًا يستخدمها المتسللون بمطروح
أهالى قريتي «ميت الكرما وبدين» بالدقهلية يهاجرون لإيطاليا.. ومواطنو «بساط كريم الدين» إلى اليونان
«رأس الحكمة وبرانى» أهم مناطق التخزين.. والسودانيون أكثر الجنسيات الأجنبية تسللًا 
الأمر أكبر من عدسات المصورين لجثامين الغرقى.. وأكبر من سن قانون أو فرض رقابة.. الخلل فى النفس.. فى النشء.. فى عدم الرضا.. لذا لا نحادث من نجا، فمن نجا سيغويه الشيطان بأن على الشاطئ الآخر كنزًا ليعاود المحاولة حتى يبتلعه البحر فيكون كمن أهلك نفسه، لكننا نحادث الغرقى فى أحلامهم، أى عقل هذا الذى يدفعكم لأن تتركوا أمانًا مضمونًا حتى وإن كان الرزق ضيقًا.. إلى موت محقق؟.. الفقر.. العوز.. أى عوز هذا وأنتم تدفعون أموالًا لتموتوا.. وليس أعجب من أن هناك كثيرًا من الأسر فى بعض القرى باتت تعاير بعضها إذا لم يسافر أحد من أبنائها، وليس أغرب من أب إذا ما غرق أحد أبنائه دفع بآخر قبل أن يجفف دموعه.. فى هذا التقرير حاولنا أن نكون واقعيين بعيدًا عن ذرف الدموع وعبارات النواح.. فشبابنا لم يقتله أحد بل قتله تطلعه غير المشروع وتطلع أهله إلى الثروة التى قالوا له إنها مكنزة على الجانب الآخر من البحر، حتى وإن كان، ألم ينفد الكنز، وأوروبا وحدها تدفق إليها نحو 1.3 مليون مهاجر ولاجئ عام 2015، أغلبهم فروا من الحروب وشظف العيش فى الشرق الأوسط وإفريقيا؟ تقريرنا هذا جاء لكشف جزء من واقع لا يعرفه البعض، لربما نشارك فى منع كارثة كتلك التى وقعت الأربعاء الماضى قبالة رشيد، وأسفرت عن غرق مركب على متنه 600 مصرى. 


أسيوط
مدينة ومركز أبنوب شرق النيل، على بعد ١٠ كم من محافظة أسيوط، أكبر المراكز التى تُصدر أبناءها للموت السريع عبر «الهجرة غير الشرعية»، يدفعهم لذلك تدنى مستوى المعيشة والفقر والبطالة وضيق العيش وتقليد من نجح فى الوصول، وتمكن من بناء نفسه، غافلين عن الآثار المترتبة على استقلال مراكب هالكة فى عرض البحر، تحمل أضعاف حمولتها دون وعى أو إدراك.
أبنوب أو مدينة الموت إن صح القول رغم نسب المتعلمين والمثقفين فيها إلا أنه لا يمر شهر دون إقامة السرادق والجنائز التى تنعى وتنوح وتبكى المفقودين ولا أحد يتعظ. 
فى ١٨ إبريل من العام الماضى، كشف نادى ناشد إسكندر، والد «كيرلس»، أحد المفقودين، بأن عدد ٤٦ أسرة من أهالى الأقباط والمسلمين المفقودين حرروا محاضر ضد المدعو، ممدوح مصطفى أحمد سيد، وشهرته «سعداوى» بتهمة النصب والاحتيال عليهم وإقناعهم بسفر أبنائهم عن طريق السفن السياحية لدولة إيطاليا، وقام بأخذ مبالغ مالية نظير توفير أعمال لهم يسترزقون منها فى إيطاليا، إلا أنهم حتى تاريخه لم يتصل بهم أحد من ذويهم، وأكدوا حينئذ قيامهم بتسليم سمسار الهجرة غير الشرعية، عن كل فرد، مبلغًا يقدر بــ«٢٠» ألفًا كمقدم، واتفقنا على «١٠» آلاف عقب اتصال الابن بأهله عقب وصوله بالسلامة لدولة إيطاليا.
وفى ١٤ مايو ٢٠١٦ أكدت جيهان عبدالحكيم خلف عبدالمقصود، والدة محمد عبدالكريم جاد الحق، أحد المهاجرين بطريقة غير شرعية، لـ«البوابة»، أن نجلها وصديقه محمود عبدالغنى محمد قررا السفر فى هجرة غير رسمية لتحقيق أحلامهما، إلا أنهما خرجا ولم يعودا حتى الآن، وقالت الأم: إن ابنى «محمد» يبلغ من العمر ١٦ عامًا، سافر إلى الإسكندرية يوم ٧ إبريل الماضى لإعطاء أحد المقاولين أموالًا لاستكمال بناء قطعة أرض ملك للأسرة، ثم فوجئنا باتصال منه ليبلغنا بقرار سفره وبعض من زملائه بعد تواصلهم مع بعض السماسرة، مقابل دفع مبلغ ٣٠ ألف جنيه بعد وصول كل منهم لإيطاليا أو اليونان، ورغم رفض سفره فى هجرة غير شرعية إلا أنه استغل سفره يوم ٧ إبريل، وفاجأنا بالسفر، وقالت والدته «إن آخر مكالمة معى قال لى إنه مسافر إلى إيطاليا مع أحد أصدقائه وإنه سوف يأتى أحد الأشخاص لأخذ مبلغ ٣٠ ألف جنيه نظير السفر، وأنا سأطمئنكم أول ما أوصل، وأغلق الهاتف، ومن ساعتها اختفى ولم يعد».


الفيوم
تعتبر قرية «تطون» التابعة لمركز أطسا بالفيوم من أكثر القرى على مستوى الجمهورية التى يتم تصدير أبنائها لدولة إيطاليا فى عمليات هجرة غير شرعية، ورغم ابتلاع البحر للعشرات من أبناء القرية إلا أن الجميع ما زال يتسابق على السفر والهجرة، رغم كل ما يتعرضون له من مشاكل تصل للموت غرقا.
وقرية تطون التى تبتعد عن الفيوم بحوالى ٤٥ كيلو مترًا تعاير الأسر فيها بعضها، إذا لم يكن من بينها شاب فى إيطاليا أو ميلانو، حتى سافر منها ٤ آلاف شخص حتى الآن، الأغرب أن أغلب أهالى القرية لا يتعاملون بين بعضهم البعض بالجنيه المصرى، والعملة المتداولة بينهم هى اليورو. 
يقول إيهاب عبدالغنى، من أبناء القرية، إن حلم الهجرة والسفر إلى أوروبا يراود الجميع هنا من أطفال وشباب، مضيفًا أن هناك أسرًا تبيع أرضها وتستدين حتى تتمكن من سفر أحد أبنائها وإذا مات غرقا تدفع بآخر.
أما محمد أبوطويلة مقيم بإيطاليا منذ سنوات فيروى لـ«البوابة» كيفية تمكنه من السفر، مؤكدا أن هناك عصابات متخصصة فى عمليات الهجرة غير الشرعية لها سماسرة منتشرون فى قرية تطون والقرى المجاورة، حيث يتم الاتفاق مع السمسار ودفع مبلغ مالى يتروح بين ٢٥ و٦٠ ألف جنيه، وعقب تجميع مجموعة من المسافرين يتم اصطحابهم إلى كفر الشيخ أو دمياط، ويظلون هناك عدة أيام قبل شحنهم فى مراكب صيد تلقى بهم قرب سواحل مدينة بروشيا الإيطالية، وهو ما حدث معه حيث قام بالسباحة لأكثر من عشرة كيلو مترات ولولا عناية الله لكان فى عداد الموتى. 
فيما يقول طارق إبراهيم، من أهالى القرية، إنه دفع مبالغ مالية كبيرة وفشل فى السفر أكثر من مرة كان آخرها بعد اتفاقه مع مهرب على السفر إلى ليبيا ثم يستقل مركبًا من هناك إلى إيطاليا مضيفًا أنه توجه إلى ليبيا بالفعل، وهناك تم تجميعه مع آخرين من جنسيات مختلفة ثم استقلوا مركبًا من سواحل سرت، وفى طريقهم إلى سواحل إيطاليا اعترضهم خفر السواحل الإيطالى مما أجبر أصحاب المركب على العودة إلى ليبيا مرة أخرى ليفقد هناك جميع مدخراته ويعود بصعوبة شديدة إلى أرض الوطن ويقسم أنه لن يكرر التجربة.
فى السياق ذاته كشف مصدر أمنى لـ«البوابة» أن قرية تطون وباقى قرى مركز أطسا فقدت خلال السنوات القليلة الماضية ما يزيد على ٧٥ شخصًا ماتوا غرقا وابتلعهم البحر فى عمليات هجرة غير شرعية، ورغم ذلك ما زال العشرات يكررون المحاولة، مضيفًا أن مباحث الأموال العامة تبذل جهودًا كبيرة للتصدى لعصابات الهجرة غير الشرعية ورغم تمكنها من ضبط العديد من القضايا إلا أن الأمر ما زال يزداد سوءًا، وما زالت تلك العصابات تحقق مكاسب طائلة على حساب الشباب الحالم بالسفر.


الدقهلية
محافظة الدقهلية كان لها النصيب الأكبر فى غرق العديد من أبنائها فى البحر المتوسط خلال رحلات هجرة غير شرعية، وبرغم الموت.. وبرغم الفزع وتداول أخبار غرق أكثر من ١٧٠ شخصًا على مركب رشيد، الشباب ما زالوا مصرين على تكرار المحاولة حتى ينجحوا أو يموتوا قبل وصولهم إلى إيطاليا أو اليونان، حيث الأمل يحدوهم ليكونوا ضمن رعاياهما بدلا من حالة عدم الرعاية التى يلاقونها على الأرض الأم، على حد وصفهم.
وتعتبر الدقهلية الأكثر بين محافظات الجمهورية تصديرًا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا كما أن هناك قرى بعينها تشتهر بالهجرة إلى إيطاليا واليونان حتى إن بعض القرى أصبحت تسمى بمدن إيطاليا مثل قرية ميت الكرما التابعة لمركز طلخا والتى تسمى بين أبناء الدقهلية «بميلانو» من كثرة عدد الشباب المهاجرين منها إلى إيطاليا.
كما أن هناك قرية بساط كريم الدين التابعة لمركز شربين التى يفضل أبناؤها الهجرة إلى اليونان، وكذلك قرية ميت زنقر التابعة لمركز طلخا وقرية بدين التابعة لمركز المنصورة، والتى يهاجر أبناؤها إلى إيطاليا، أما أغرب القرى فهى قرية نوسا الغيط التابعة لمركز أجا التى يوجد نسبة كبيرة من أبنائها هاجروا إلى إسرائيل منذ عشرات السنوات واستقروا بها.
ومن أكثر تلك القرى فقدانًا لأبنائها غرقًا فى مياه البحر هى قرية ميت الكرما، وكان آخرها مصرع أحد أبنائها ويدعى محمد أحمد سعد وفا، الذى غرق فى حادث مركب الهجرة غير الشرعية فى مدينة رشيد، والذى وصل عدد ضحاياه حتى الآن إلى ١٦٥ غريقًا فيما تم إنقاذ ١٥٨ شخصًا ولا يزال هناك أكثر من ٢٠٠ مفقود، وتم العثور على جثمانه ودفنه بمسقط رأسه بالقرية فيما لا تزال حالة الحزن تملأ القرية بعد ورود معلومات بوجود ضحايا آخرين من أبنائها ضمن ضحايا المركب ما زالوا مفقودين.
فيما أكدت مصادر مقربة من هؤلاء السماسرة أن تكلفة السفر للشخص تتراوح من ٢٠ ألفًا حتى ٥٠ ألف جنيه، حسب حالة الشاب الحالم بالسفر إلى أوروبا والدولة التى سيسافر إليها، حيث يتم القيام بدفع مقدم المبلغ إلى السمسار ثم يقوم بتوزيعه على طرق الهجرة غير الشرعية حسب مقدرتهم المادية، فلكل طريق سعره حسب كم المخاطر الموجودة والأقل سعرا هو رشيد، لأن نسبة نجاحها لا تتجاوز ٢٥٪، ولهذا فسعرها منخفض ولا يتجاوز ٣٠ ألف جنيه، حيث يمكث هناك الشخص لحين ترتيب الإجراءات وتجهيز المركب، وقبل السفر يقوم بدفع باقى المبلغ.


مطروح
تشهد الحدود المصرية الليبية خلال الفترة الراهنة تزايد معدلات التسلل بصورة كبيرة، بل تتزايد يوما بعد يوم، رغم عدم استقرار الأوضاع الأمنية بالأراضى الليبية.
ففى الوقت الذى يفر فيه الليبيون بأرواحهم تاركين بيوتهم وأموالهم جراء الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات والفصائل المسلحة المتناحرة، نجد أبناء الشعب المصرى يتسللون عبر الحدود للبحث عن فرصة عمل تعويضًا لما دفعوه من مبالغ مالية لسماسرة الهجرة غير الشرعية.
ورصدت «البوابة» أهم المناطق التى يستخدمها تجار وسماسرة الهجرة غير المشروعة إلى ليبيا أو إلى إيطاليا، وكانت أهم هذه المناطق قرية رأس الحكمة شرقى مرسى مطروح بنحو ٧٠ كيلو مترًا، ومدينة سيدى برانى غربى مرسى مطروح بنحو ١٤٠ كيلو مترًا على طريق السلوم المؤدى إلى ليبيا، حيث يتم تجميع المهاجرين غير الشرعيين فى بيوت كبيرة أو أرض فضاء محاطة بسور «حوش»، ويتركون لهم بعض الأطعمة والشراب حتى يأتى وقت الرحيل، وقد يمكثون فى هذا الحوش قرابة الأسبوع ويعيشون بطريقة غير آدمية، وكأنهم نزلاء فى أحد السجون، وعندما تأتى ساعة الرحيل يتم نقلهم إلى سيارات الدفع الرباعى وكأنهم أغنام سيبيعونها فى الأسواق، ويسلكون الدروب الصحراوية جنوبى الطريق الساحلى فى طريقهم إلى السلوم ومنها إلى ليبيا، أو يتم تجهيزهم حتى يأتى أحد مراكب الصيد ليقلهم عبر البحر المتوسط إلى شواطئ جنوب قارة أوروبا لاسيما بالقرب من الشواطئ الإيطالية، وغالبا ما تكون هذه المراكب غير مؤهلة لنقل هذه الأعداد الكبيرة التى تزيد على حمولتها المصرح بها، أو تكون محركاتها قديمة متهالكة تتعرض للعطل أو تتوقف بالمياه الدولية، فضلًا عن تعرضها للغرق نتيجة الحمولة الزائدة أو الظروف المناخية غير المواتية.
هذا على الجانب المصرى الذى يديره أفراد عصابات من كفر الشيخ والفيوم والمنيا ومطروح، مقابل مبالغ مادية تتراوح ما بين ٥ إلى ١٥ ألفًا نظير تسفير الشباب إلى ليبيا أو إيطاليا، ضاربين بالقانون عرض الحائط ولا يعيرون أبناء وطنهم أى اهتمام أو خوف عليهم من مصيرهم الأسود وهجرتهم إلى الموت بأنفسهم ومحض إرادتهم، ويوجد نظراؤهم على الجانب الليبى الذين يطمعون فى حفنة من الجنيهات لتسهيل عملية دخولهم الأراضى الليبية أو اتخاذها كمعبر غير شرعى فى رحلتهم لأوروبا.
ويسلك المهربون وراغبو الهجرة غير الشرعية مسارين، الأول عن طريق البر من خلال الدروب الصحراوية المنتشرة فيما بين ساحل البحر المتوسط وواحة سيوة بطول ٢٦٥ كيلو مترًا، ويوجد بها أكثر من ٤٥ دربًا ومدقًا صحراويًا وجبليًا على الحدود بين البلدين، ويتم عبورها من الجانب المصرى إلى الجانب الليبى، ويوجد أشخاص متخصصون فى هذه المسالك والدروب ويعرفونها جيدًا وينقلون هؤلاء المهاجرين نظير الحصول على مبالغ مالية.
أما المسار الثانى عن طريق البحر، فيصعب التحكم فيه لأنه يحتاج إلى متابعة من القوات البحرية بصفة دائمة، كما أنه يمثل خطرًا كبيرًا على المهربين وراغبى الهجرة غير الشرعية، وينقسم الشريط الحدودى فيما بين ساحل المتوسط وسيوة إلى قطاعين، القطاع الأول الذى يمتد من ساحل البحر المتوسط وحتى منطقة واحة الجغبوب الليبية بطول ٢٠٠ كيلو متر، والثانى من الجغبوب إلى واحة سيوة المصرية بطول ٦٥ كيلو مترًا.
وبالرغم من الإجراءات الرادعة التى اتخذتها الأجهزة الأمنية بمديرية أمن مطروح، بالاشتراك مع قوات حرس الحدود والبحرية والجوية بالمنطقة الغربية العسكرية، إلا أن محاولات الهجرة غيرة المشروعة لا تزال مستمرة، ولكن قواتنا المسلحة تتمكن كل يوم من إحباط هجرة العشرات والعشرات من هؤلاء المتسللين، وعند فحص هؤلاء من قبل الأجهزة الأمنية نجد أن أكثرهم مصريون بنسبة تتراوح ما بين ٨٠٪ إلى ٩٥٪ والنسبة الباقية لجنسيات أجنبية غير مصرية، تحتل النسبة الكبرى فيها المواطنون السودانيون يليهم البنغاليون والسوريون.
ويتمكن السودانيون من الوصول للحدود الغربية عبر الطرق والوسائل سالفة الذكر، وهم نوعان، الأول منهما كان يقيم فى مصر منذ عدة أعوام أما الثانى فهو يتسلل من جهة الحدود الجنوبية المصرية السودانية ويسلك طريق الصعيد عبر وادى النيل وصولًا إلى مطروح ومنها إلى ليبيا، وقد يستقر هناك أو يواصل طريقه فى رحلة جديدة عبر البحر المتوسط.
«السلكاوى» هو الاسم الأشهر لعمليات التهريب الجماعى عبر دروب ومدقات الصحراء الغربية، وجاءت هذه التسمية نسبة إلى قيام المهرب أو المتسلل بقطع الأسلاك الشائكة على الحدود الغربية واجتيازها ودخول الأراضى الليبية، ويعد هذا النوع من التهريب خطرًا على الأمن القومى المصرى، حيث تستخدم عصابات التهريب المنظم هذه المدقات والدروب لتهريب شحنات السلاح الثقيل والخفيف والمخدرات والسجائر المسرطنة وأدوات التجميل غير خالصة الرسوم الجمركية، وكانت تستغل هذه الطرق من قبل قيادات جماعة الإخوان الإرهابية فى جلب الأسلحة التى يستخدمها الإرهاب الأسود ضد جيشنا وشرطتنا فى أرض سيناء الحبيبة. وباتت ظاهرة العثور على جثامين ضحايا الهجرة غير الشرعية التى يقذفها البحر على شواطئ مطروح ظاهرة عادية، ولم يفزع منها سكان المناطق الساحلية من رأس الحكمة شرقًا حتى برانى غربًا، فأصبح الأمر طبيعيًا بسبب تكراره مرات ومرات على مدار الأيام الماضية، حيث بلغ عدد الجثامين التى تم انتشالها خلال الثلاثة أشهر الماضية أكثر من ١٠٠ جثمان، يتم نقلها لمشرحة المستشفى العام بمرسى مطروح، تمهيدًا لإرسالها للطب الشرعى بالإسكندرية، ويتم العثور على هذه الجثامين فى حالة تحلل كامل أو مقطوعة الرأس أو أى جزء من أجزاء الجسم، لدرجة يصعب معها تحديد نوع الضحية سواء كان رجلًا أو أنثى.


كفر الشيخ
مجددًا عادت الأزمات والنكبات والكوارث تضرب عمق هذا الوطن، الذى يئن من ويلات الإرهاب والفقر والجهل والبطالة والفساد، وهو خماسى جعل شباب وعائلات بأكملها تسبح نحو المجهول فى بحر الظلمات، نحو مصير أقل ما يوصف بـ«الغامض»، والذى يجذبهم إلى أعماق البحر والأكياس السوداء، ويجعلهم جثثا مهترئة غير بادية المعالم، هذا المصير هو رحلات الدار الآخرة حاليًا، رحلات الهجرة غير الشرعية سابقًا.
فلم تكن كارثة الأربعاء الأسود، لمركب الموت برشيد، والتى أطلق عليها أصحابها زورًا وبهتانًا «موكب الرسول»، والرسول منهم ومن عملهم براء، الأولى من نوعها، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، حيث سبقتها عشرات الحوادث المعلومة وغير المعلومة، منهم من عرف مصيره، ومنهم من ابتلعه البحر فى أعماقه منذ سنوات، ولا يعرف أحد مصيره.
وإذا كانت البطالة هى الدافع الأول للشباب، للمجازفة بحياتهم والمخاطرة بأرواحهم، فإن حلم الثراء السريع واللافت للنظر، فى بعض القرى بمحافظة كفر الشيخ لبعض الشباب، الذين تمكنوا من العبور للشواطئ الأوروبية، والعمل بها وتحقيق مكاسب كبيرة نتيجة ارتفاع الدخل فى هذه الدول وفرق أسعار العملات، جعل الآلاف من شباب قرى بعينها، يضع نصب عينيه أن يكون مثل هذه الفئة من الشباب، رافعين شعار «آه لو لعبت يا زهر»، وشعار «ممكن تلعب معنا ونوصل للجنة».
وتعد قرى السواحل بالمحافظة المطلة على البحر المتوسط لها النصيب الأكبر فى المجازفة بين شبابها ورجالها، مثل قرى: برج مغيزل، السكري، الجزيرة الخضراء بمركز مطوبس، الزعفران بمركز الحامول، وعدد من قرى مركز البرلس.
وتعتبر برج مغيزل والجزيرة الخضراء، فى صدارة القرى التى تدفع بشبابها لرحلات الهجرة غير الشرعية، حيث كشف الحادث الأخير عن مصرع العشرات، والقبض على عدد كبير منهم أثناء قيامهم برحلة هجرة غير شرعية، عبر سواحل رشيد وكفر الشيخ، المواجهة للبحر المتوسط، حجم المخاطر التى يتعرض لها راغبو الهجرة غير الشرعية، فى هذه القرى، وخاصة الأطفال من أعمار ١٢ وحتى ١٨ سنة، من قبل مافيا العصابات، والسماسرة المحليين والدوليين، الذين يغرون أسرهم بحلم السفر للقارة الأوروبية، وإمكانية الثراء السريع، دون علم هؤلاء الأطفال وأسرهم، بمدى خطورة ونوايا القائمين على هذه الرحلات «القاتلة»، التى من الممكن أن يتعرض لها الأطفال، من استغلالهم فى «التجارة الجنسية للأطفال، أو الاستغلال البدنى فى مشروعات غير شرعية، مثل المخدرات وغيرها».
ويقول أحمد نصار، نقيب الصيادين، إن المخاطر تبدأ لهؤلاء الأطفال، والذين يندرجون تحت مسمى أطفال، من عمر سنة واحدة وحتى سن السابعة عشرة، منذ بداية الرحلة والتجمع فى حافلات، تنقلهم من محافظات بعيدة، إلى محافظات ساحلية، تمهيدًا لتسفيرهم للدول الأوروبية مثل: إيطاليا واليونان وفرنسا وغيرها، مقابل مبالغ مالية مع سماسرة مصريين، تتراوح ما بين ١٠ و٤٠ ألف جنيه للفرد الواحد.
وكشف نصار عن أن معظم هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، من الأسر الفقيرة والصيادين الكادحين البسطاء، فضلًا عن بعض مواطنى الدول التى يوجد فيها قلاقل مثل سوريا والعراق والسودان، والعديد من الدول الإفريقية الأخرى، الذين يصلون لشواطئ القرية ويجازفون بالقيام بهذه الرحلات، بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية الصعبة لهؤلاء الأسر.
وأشار نصار إلى أن مكمن الخطورة يبدأ أثناء قيامهم بالتنقل فى المدقات الرملية، خلال الساعات المتأخرة من الليل، والتى ينشط فيها قوات حرس الحدود والسواحل والمخول لها إطلاق النار على الأهداف المتحركة، خاصة أن كثيرًا من هذه الأهداف ربما تكون عصابات مخدرات أو سلاح أو غيرهم من العصابات الخطرة أو الإرهابيين.
ويكمل نقيب الصيادين، بأن القوات تبدأ فى التحذير أولًا، ومطالبة الأهداف المتحركة بالتوقف والانبطاح أرضًا، ثم تبدأ الخطوات التالية فى إطلاق النار فى الهواء، وحينما ترفض هذه الأهداف بالتوقف يتم إطلاق النار عليهم، وربما يتعرضون لإطلاق نار فيتبادلون معهم ضرب النار، وتحدث حينها إصابات أو وفيات عشوائية.
ويوضح حمادة على- صياد- من الجزيرة الخضراء، أن من أسباب قيام الأسر سواء المصريين أو غيرهم التى تدفعهم للقيام بالمجازفة بحياة أطفالهم، هى الفقر والجهل، واللذين يؤديان لخوض تجارب الموت، والانتحار للبحث عن الجنة المزعومة والمفقودة فى هذه الدول، مضيفا أن السماسرة يجوبون القرى والبحث عن هذه النوعيات، وإقناعهم ببيع ما يمتلكون، لأن نجاح التجربة والوصول للشاطئ الآخر معناه حياة أخرى جديدة، من منازل وسيارات وعقارات، كم حدث لحالات مماثلة أمام هذه الأسر نجحت فى الوصول للدول الأوروبية.
لكن على بدوي- شاب مصرى مقيم بإنجلترا- نجح فى الوصول لإيطاليا منذ ١٣ سنة، ومنها عبر إنجلترا، يقول: ليس كل من وصل إلى الدول الأوروبية يعيش فى ترف ونعيم، بل هناك الكثير من الحالات لا تجد قوت يومها، وتتسول وبعضها يعمل فى مهن متدنية وبأجور زهيدة ليصل لمرحلة الاكتفاء من القوت اليومي، ويتمكن من دفع إيجار السكن، والبعض الآخر يتم القبض عليه للعمل فى أعمال غير مشروعة، مثل بيع المخدرات والسرقة، وأحيانًا يتم القبض عليهم عند مداهمة منازل مشبوهة، يتم استغلالهم فيها فى «الدعارة» للأطفال، ويتم ترحيلهم فورا أو إيداعهم السجون ودور رعاية الأحداث.
ويؤكد أحد الصيادين، من قرية برج مغيزل، التابعة لمركز مطوبس، بمحافظة كفر الشيخ، أن مئات الصبية من القرية والقرى المجاورة وغيرها، تمكنوا من الوصول للدول الأوروبية، عبر سماسرة وعدوهم كما وعدوا أبناءهم بالمستقبل المشرق، والحياة السعيدة، ولكنهم فوجئوا فى نهاية الأمر بأن ما يشاهدونه عبر التلفاز ليس هو ما عاينوه على أرض الواقع، وانتهى بهم الأمر إلى السجون أو الترحيل، أو البقاء فى وضع متدن، أو التورط فى أعمال غير مشروعة، وغير أخلاقية، والقليل هو من نجح وتمكن من تحقيق حلم الثراء، فضلًا عن العشرات، وربما المئات الذين غرقوا فى عرض البحر، ولم يصلوا للشاطئ الآخر، ولا يعلم ذووهم عنهم شيئًا، مثل الشقيقين موسى ومحمد، من عزبة عثمان، التابعة لمركز كفر الشيخ، واللذين ماتا فى البحر منذ ١٠ سنوات، ولا حس ولا خبر، كما تقول والدتهم، التى لا تزال تذرف الدموع على ولديها اللذيَن سافرا من ليبيا، ولم تسمع عنهما شيئا، ويبدو أنها لن تسمع للأبد كما تقول خالتهم.
وتؤكد البيانات الأمنية الصادرة من مديرية أمن كفر الشيخ، أن قرابة الـ٨٠٠ شخص، نصفهم من الأطفال، تم القبض عليهم، فى أكثر من ٢٠ محاولة تم القيام بها هذا العام، توفى منهم ١٢ شخصًا، من بينهم طفلة، وأصيب ١٠ آخرون، نتيجة المطاردات الأمنية، والقفز داخل المياه، خوفًا من القبض عليهم.
وتعتبر محافظة كفر الشيخ من المحافظات التى تعتبر ملاذًا لراغبى الهجرة غير الشرعية، من كل المحافظات، ولكل الجنسيات، بسبب تعامد سواحلها مع دول أوروبية، والتى تحتاج فقط ما بين ٤ و٦ أيام، للوصول إليها، على حسب نوعية وجودة المراكب، وكذلك لهدوء حركة الأمواج المقابلة لسواحلها، سواء من ناحية مطوبس أو البرلس أو مصيف بلطيم، كما يعد فصل الصيف هو موسم الذروة لهذه الرحلات المميتة، نظرًا لاستقرار حركة المد والجزر داخل البحر المتوسط.
وبحسب مصدر أمنى فإن قوات حرس الحدود والسواحل تكثف من دورياتها الأمنية للحد من القيام بهذه الرحلات، والقبض على المشاركين فيها، خاصة السماسرة الذين يستخدمون الأسماء الوهمية، لعدم تمكين السلطات من القبض عليهم.
ويطالب المعنيون بمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بتغليظ العقوبات على السماسرة، خاصة أن أقصى عقوبة تصل لـ٣ سنوات، فى حالة حدوث وفيات للمهاجرين غير الشرعيين، كما حدث فى إحدى الرحلات بمحافظة كفر الشيخ، والتى غرق فيها ١٣ شخصًا عام ٢٠٠٩، حيث تم حبس أحد السماسرة وقبطان المركب ٣ سنوات، وتبعها محاصرة قرابة الـ١٠٠ مسلح من رشيد، من أهالى السماسرة، لمنزل نقيب الصيادين بكفر الشيخ، لإدلائه بتصريح للصحف، بأن هذه العقوبة غير كافية، وتدخل العقلاء وأنقذوه من بين أيدى المهربين.
وتصرف النيابة العامة، المهاجرين فى رحلات الموت «الهجرة غير الشرعية»، من سراى النيابة، باعتبارهم ضحايا، حيث يعودون لمنازلهم يجرون أذيال الحسرة، على فشل رحلة «العمر» كما يسمونها، ويعودون لتسديد ديونهم ومواجهة مصيرهم المجهول.
أما قرية «الزعفران» فى كفر الشيخ، فقد عمها الحزن، بعد فقدان ٣ من أبنائها، فى غرق مركب الهجرة غير الشرعية، على شاطئ البحر المتوسط، أمام رشيد بالبحيرة، حيث تحولت القرية إلى سرادق كبير لتلقى العزاء.
وأصبحت «الزعفران» مصنفة كقرية يقبل شبابُها على الهجرة غير الشرعية، وأصبح حُلم الهجرة لبلاد أوروبا، يراود العديد من الشاب، وخاصة الصبية فى مقتبل العمر، خاصة بعد أن نجح العديد منهم للوصول إلى إيطاليا وفرنسا، ومن ثم تغيَّرت أوضاع أسرهم الاقتصادية، وظهرت آثارها فى مبانيهم، وتملكهم الأطيان والعقارات.
وتشير المؤشرات والشواهد لوجود أكثر من ٢٠٠ شاب فى دول أوروبا من تلك القرية، وصلوا إليها بهذه الطريقة، بخلاف من تم القبض عليهم وترحيلهم، أو من فقدوا فى أثناء خوض غمار التجربة.
ويقول عبدالله نصر عبدالسلام، ٥١ عاما، عامل باليومية، والد «فوزي» ١٥ عامًا، طالب بالصف الثالث الإعدادي، أحد ضحايا مركب الهجرة غير الشرعية: «إننى لا أملك أرضًا زراعية، وأقيم بعزبة (فريـال) تبع الزعفران، ولديَّ من الأولاد ثلاثة أبناء وبنتين، وأسكن فى منزل مشترك مع أشقائى الثلاثة».
ويتابع «عبدالسلام»، أن ابنه لم يسافر من قبل، ولكنه قال له «أنا عايز أسافر علشان ابنى بيت وأجوز نفسي، مثل الكثير من أهالى القرية من زملائه، الذين يعملون هناك، فوافقت على رغبته، ولم أدفع نظير ذلك أموالًا، واتفقت أن أدفع للوسيط المبلغ بعد وصول ابني، ولكن ابنى راح، ولم أتوقع أن تكون الرحلة بهذه الخطورة، وعلمت من أحد أصدقاء ابنى أنه قال له «احتمال نغرق، وهو ما حدث وربنا يعوض علينا ويرحمه».
الغربية
تمثل الغربية واحدة من أشهر المحافظات التى تصدر العمالة للخارج من خلال الهجرة غير الشرعية، فهناك ٥ قرى بالمحافظة يوجد أكثر من ٦٠٪ من أبنائها بإيطاليا وفرنسا، وفى كل حالات غرق المراكب غير الشرعية يكون لتلك القرى نصيب الأسد منها.
الأهالى أكدوا أن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وعدم وجود فرص للعمل أبرز أسباب لجوء شباب تلك القرى للهجرة غير الشرعية وتعريض حياتهم للخطر.
وتعتبر قرية ميت بدر حلاوة، من أبرز تلك القرى، وهى قرية مصرية صُممت على الطراز الفرنسى، تابعة لدائرة مركز سمنود، بمجرد أن تقع أنظارك عليها يُخيل لك أنك داخل إحدى المدن الأوروبية، للإبداع والتحف الفنية التى صُممت بها المبانى والمنازل هناك، حيث نقل أهالى القرية الثقافة الأوروبية وتحديدًا الفرنسية إلى القرية، وبنوا قريتهم على الطراز الفرنسى.
أغلب أهالى ميت بدر حلاوة يتحدثون الفرنسية بطلاقة بسبب هجرة أكثر من ٥٠٪ من شباب القرية إلى باريس، فأهل القرية لا يعرفون الفقر، حيث اعتادوا على جلب ملايين الأموال للاستثمار فى القرية من حيث المبانى والإنشاءات والشركات والمصانع، وانتشرت الفلل والقصور على جانبى الطريق وفى كافّة الشوارع، وزحف العمران على كافّة الأراضى الزراعية، ولذلك تُورث ثقافة الهجرة من جيل لجيل رغم جميع الحوادث التى تمت، والتى كان لميت بدر ضحايا فيها.
وكذلك اعتاد أبناء قرى كفر كلا الباب وأبوصير وشبرا ملس وميت حبيب على السفر إلى إيطاليا من سن ٩ سنوات، ومعظم الطلبة يهاجرون على أمل اللحاق بالمدرسة والحصول على الجنسية والكثير منهم متزوج من إيطاليات، وكثرت الذرية مزدوجة الجنسية.
وقال أسعد منصور، من قرية أبوصير، إنه رغم تعدد الأسباب التى تؤدى إلى ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلا أن الدوافع الاقتصادية تأتى فى مقدمة هذه الأسباب، بسبب افتقار عمليات التنمية وقلة فرص العمل وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة.
وأضاف أشرف حسان، من كفر كلا الباب، أن أغلب المهاجرين يكونون من مناطق ريفية ومستوى الوعى والتعليم فيها ضعيف، ويعمل عدد كبير منهم بحرفة يدوية «واللى جاى على أد اللى رايح»، موضحا: «معظم أهالى المناطق الريفية عارفين بعض، فالشاب منهم يرى ابن فلان سافر وبعد سنة بقى عندهم أرض وأموال وعقارات فيقرر أن يسافر مثله»، إضافة إلى أن السفر إلى أوروبا رفع أسعار الأراضى والمهور وأن أهالى القرى أصبحوا يزوجون بناتهم لمن يدفع أكثر لذلك معظم الشباب لجأ للسفر وهجر التعليم.
وفى قرية شبرا ملس التابعة لمركز زفتى، كانت هناك مأساة أخرى خلفت شقيقين متوفيين وشقيقا ثالثا نجا، بالإضافة لناج رابع كان بصحبة الأشقاء الثلاثة، وشيعت القرية جثمان كل من محمد دنيا ٢٤ سنة، وشقيقه إيهاب ٢٠ سنة، بينما نجا من الموت شقيقهما الثالث هشام ومعه صديقه محمود حسين، وخرجت القرية بأكملها تنتظر وصول الجثامين.
وودعت ميت بدر اثنين من أبنائها هما «صابر على سعد ١٧ سنة، وإيهاب شوكت بدوى ١٥ سنة»، خرجا سويا أملا فى أن يحققا مثل ما حقق باقى أهالى القرية وأن يعودا فيقيما قصورا شاهقة ويشتريا أرضا زراعية مع أحلام طويلة للثراء شاهداها من قبل مجسمة فى غالبية شباب القرية المهاجرين منذ زمن، لكن القدر لم يمهل الضحيتين ليحققا أول أحلامهما وهو الوصول لبر الأمان فى إيطاليا.
وشهدت منطقة الجمهورية بالمحلة الكبرى حالة من الحزن الشديد على وفاة الشاب «إسلام محمد عبدالستار» الذى وصفه البعض هناك بـ«عصفور الجنة»، نظرا لما كان يتمتع به من خفة الروح والشهامة، وقال أصدقاؤه إنه كان أفضل من فينا. وشيع الآلاف من أبناء قرية كفر الحاج داوود التابعة لمركز السنطة جثمان ابن القرية «مصطفى الطوخى»، ١٧ سنة، الذى ذهب محملا بآمال وطموحات عريضة ووصل جثة هامدة بعد ساعات من مغادرة القرية.
وما زالت قرية شبرا اليمن بزفتى تنتظر مصير والد ونجله كانا على متن مركب رشيد الغارق، ولم يفصح أحد عن اسميهما على أمل أن يكونا من الناجين.


البحيرة
حلم الهجرة لدول أوروبا أصبح هو الشغل الشاغل لأبناء قرى مراكز إيتاى البارود والدلنجات وكوم حمادة بالبحيرة، منذ أكثر من ٣٠ عاما، لتحقيق الثراء السريع وشراء عشرات الأفدنة الزراعية بمسقط رأسهم ليصبحوا من أصحاب الأملاك، رغم خطر رحلة الهجرة التى تؤدى فى أغلب الأحيان إلى موت هؤلاء الشباب غرقا بالبحر الأبيض المتوسط.
ومن أشهر تلك القرى التى يوجد بها سماسرة للهجرة غير الشرعية، قرية كوم زمران التابعة لمركز الدلنجات، وكذلك قرية شابور التابعة لمركز كوم حمادة، إضافة إلى قرية العيون بمركز الدلنجات.
من جانبه، قال إبراهيم عبدالمحسن، أحد مواطنى قرية العيون، إن دولة اليونان يوجد بها أكثر من ٥٠٠٠ فرد من قريته، حيث يخطط الشباب للسفر من أجل تحقيق الثراء وجمع الأموال، وذلك بعد رؤيتهم للشباب الذين سافروا وعادوا حيث يلاحظون عليهم تغير الوضع المالى لهم عقب السفر، وقيامهم بشراء مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية وكذلك عقارات فى مدينة إيتاى البارود، مشيرا إلى أن أحد أبناء قرية العيون يمتلك أكبر مكتب للمقاولات فى مدينة ميلانو الإيطالية وهو من المسافرين بهجرة غير شرعية.