الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عملتوا إيه في الدنيا دي يا ولادي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حد يفهمنا يا أسيادنا، معلش ثقافتى على أدى ومش فاهمة، وعايزة حد يفهمنى، وأكيد فيه ناس كتير زى حالاتى مش فاهمين.. مش فاهمين إيه اللى بيحصل فى بلدنا، وعايزين حبايبنا من ذوى الخبرة والعقول النابغة والمسئولين اللى أصبحوا غير مسئولين يفهمنا ويفهم الناس الكلام اللى بيتقال ومش فاهمينه.. حد يفهمنا.
قلبى وقلوب كتير من المصريين اتوجع بعد سماع نبأ غرق مركب (موكب الرسول) أو بالأحرى نطلق عليه (مركب الموت ) فى البحر المتوسط حامل على متنها ولاد مصر الطفشانين من العيشة واللى عايشينها، وتذكرت كلمات الأغنية المؤثرة (فى فيلم إحنا بتوع الأتوبيس عن ولاد مصر الذين كانوا فى المعتقل تنتهك آدميتهم من كلاب سعرانة من البشر من أصحاب السلطة المتجبرة وزوار الفجر)، وكأن مصر تناديهم، فهى حزينة على ما حدث لهم من ظلم وقهر، فهى (مصر) تعلم كيف يعشقها أولادها ويتعذبون من أجلها حسب أحداث الفيلم.. ولكنى عندما سمعت عن نبأ غرق المركب (مركب الموت الذى كان يقل حوالى ٤٠٠ مهاجر غير شرعي)، وجدت كلمات هذه الأغنية أصدق مثال على وصف هؤلاء الشباب الذين خاطروا بحياتهم من أجل الهجرة والبحث عن أبواب رزق وأملًا فى توفير لقمة عيش والإنفاق على ذويهم بأقل النفقات.. فقد غرق أكثر من مائة وسبعين شخصًا وتم انتشال جثثهم ونجاة مائة وستين ناجيًا والباقى فى عداد المفقودين من أهل الشقاء والفقر فى الحياة الدنيا، ولكنهم الناجون فى الآخرة برحمة ربنا.. وجدتنى أسمع هذه الكلمات من جديد وكأن مصر تنادى عليهم وهى تراهم جثثًا تأخذها الأمواج هنا وهناك، لعل وعسى تذهب بها إلى الشاطئ ليتعرف عليها ذويها وهنا تنادى عليهم (مصر) «عملتوا إيه فى الدنيا دى يا ولادي علشان تبقى دى النهاية» نهاية مأساوية «للهروب من الموت فى وطنهم» فهم أحياء يعيشون كالأموات يبحثون عن لقمة عيش كريمة لهم ولذويهم..
حد يفهمنا لماذا نحاسبهم على هجرتهم غير الشرعية (لضيق الحاجة).. كمان البلد لا ترحم ولا تسيب رحمة ربنا تنزل، وهنا نقف مكتوفى الأيدى أمام دراما واقعية حزينة ومؤلمة لأحلام شباب ماتت معهم أحلامهم فى (مركب البؤساء)، وقد رحمهم خالقهم وهو أرحم بهم من قسوة الدنيا وشراستها، وقد نالوا الشهادة لأنهم ماتوا غرقًا فى المياه، فقد أراحهم الله عز وجل وجعلهم أحياء عنده يرزقون.أما الناجون فمن يرحمهم من بعد الله، فالسجن فى انتظارهم بلا رحمة.
وقد طالب الرئيس السيسى بملاحقة المتسببين فى غرق المركب وأحكام الإجراءات القانونية على المنافذ البرية والبحرية.. حد يفهمنا من المتسبب فى غرق مركب «موكب الرسول».. هل هم «سماسرة الموت» معروفون لدى الدولة وهى تغض البصر عنهم؟ أم أن الفاعل مجهول؟ حد يفهمنا أين دور الدولة للتصدى لهذه الظاهرة؟ ولكن فى رأيى المتواضع (سماسرة الموت)ليسوا هم سبب هجرة هؤلاء الشباب، بل تردى الأوضاع الاقتصادية فى البلد ونهب خيراتها المتواصل.. فلنحاكم أنفسنا الأول قبل محاكمة هؤلاء الشباب على محاولة هجرتهم غير الشرعية من بلد ترعرع فيه الفساد (وتوغل وتسرب وانتشر) وأكل الأخضر واليابس، ولم يتبق للبسطاء إلا الموت (جوعا) أو الموت (غرقا).. حد يفهمنا لماذا لم تتحرك الحكومة ورئيس الوزراء من قلب الحدث هناك فى رشيد لمواساة أسر الضحايا ومتابعة الإجراءات؟ حد يفهمنا لماذا لم تعلن الدولة الحداد على وفاة الضحايا «ضحايا المركب المنكوب»؟ حد يفهمنا ألا تشعر الحكومة بأن هذا الحدث حدث جلل، وفاة أكثر من مائة وسبعين مصريًا ولا تزال مئات الجثث فى عداد المفقودين، أليست هذه كارثة إنسانية؟!.. حد يفهمنا أين «الشريطة السودا» على شاشات القنوات الفضائية، ولا هؤلاء الأبرياء البسطاء ليست لهم قيمة فى حياتهم ولا مماتهم ولا هما مش قد المقام؟.. فهم يحملون الجنسية المصرية التى أرادت الحكومة بيعها..
حد يفهمنا يا حكومة كم ثمن الجنسية المصرية وهى الآن تتراقص بها الأمواج فى البحر المتوسط والحكومة تعرضها للبيع؟! فهى لا تساوى يا سادة، فقد تمت إهانتها بما يكفى.
إذن ما الحل وليست هذه أول مرة؟ فقد حدث من سنين ولا يزال يحدث؟ أود أن أشيد بما أشار إليه الرئيس السيسى بتكليف الحكومة بالبحث عن أسباب هجرة الشباب من بعض المحافظات، ومحاولة عمل مشاريع صغيرة لمساعدة هؤلاء الشباب، وأعتقد سيادة الرئيس أن مثل هذه المشاريع الصغيرة الشباب يحتاج إليها الآن لاستمرار الحياة، فهى لا تقل أهمية عن مشاريع بعيدة الأجل، ولكن مع الفرق أن مشاريع الأحفاد المنتظرة لا تؤأكل آباء اليوم.. فاهمين ولا محتاجين حد يفهمنا.
hend.farahat12@gmail.com