الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإمبراطورية الأمريكية والإرهاب الأسـود "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى عصر المعلومات، النجاح ليس مجرد مسألة جيش من الذى فاز، وإنما خطاب من الذى فاز، والمعركة الراهنة ضد الإرهاب الإسلامى المتطرف ليس صدام حضارات، ولكنها حرب أهلية داخل الإسلام. ولن يكون سبب نزاعات المستقبل ندرة الموارد، بقدر ما هو فيض التدفق الثقافى لاقتصاديات المعلومات الكونية، والميدان العام العالمى هو مجال القوة الجديدة، حيث تتنافس الصور وتتحاجج الأفكار، حيث تكسب القلوب والعقول أو تخسر، وحيث تؤسس الشرعية. 
ودعا وزير الدفاع الأمريكى، روبرت جيتس، الحكومة الأمريكية لبذل المزيد من الأموال والجهود لأدوات القوة الناعمة، من ضمنها الدبلوماسية والمساعدات الاقتصادية والاتصالات، لأن الجيش وحده لا يستطيع الدفاع عن المصالح الأمريكية حول العالم. 
ولنتذكر كيف شُنت الحرب على العراق، بقدر تذكرنا كيف تم تسويقها. كانت حرب بروباجندا، حرب إدارة الوعى، حيث تقذف إطلاقات الجمل المثقلة بالإيحاءات مثل «أسلحة الدمار الشامل» و«دولة مارقة». فالحرب كانت بسبب أسلحة الدمار الشامل فى أسبوع، وبسبب القاعدة فى أسبوع ثان، أو بسبب المقابر الجماعية للدلالة على أن صدام حسين رجل شرير تنبغى الإطاحة به فى أسبوع ثالث. 
وتلطخت صورة أمريكا التى كانت يوما من الأيام براقة، بسوء مغامرتها فى العراق وجوانتنامو، ودفاع إدارة بوش عن التعذيب، ناهيك عن المشاهد التى أذيعت عالميًا عن كارثة إعصار كاترينا، وفساد وول ستريت وانهيار سوق الرهن، الذى حدث بسبب كثرة الاستهلاك مع قلة التنظيمات المالية.
وفى ١١ سبتمبر، شكك جو دافى، رئيس وكالة المعلومات الأمريكية، خلال رئاسة بيل كلينتون، بصوت عال متسائلًا ما إذا كان إصرار هوليوود على تصوير الجنس والجريمة والعنف التى تعرض المشاهدين باستمرار لصور ورسائل تحط من شخصية الجمهور، تخدم مصالح أمريكا الرئيسية، بل إذا كانت تخدم الديمقراطية فى نهاية المطاف. كانت مثل تلك البرامج أزعجت هذا المسئول عن صورة أمريكا فى العالم، قائلا «هذه البرامج تؤكد فقط أسوأ الاتهامات بالفساد الأخلاقى والفراغ الفكرى فى الغرب». 
ومع أن فرانسيس فوكوياما قد دعا لنبذ عسكرة الحرب على الإرهاب من خلال الاستخدام المكثف للقوة الناعمة، التى عرفها جو ناى، المفكر الأمريكى والأستاذ بجامعة هارفارد، باعتبارها الصفات الجذابة والمقنعة لأمريكا، تمييزًا لها عن «القوة الخشنة» وهى الجبروت العسكرى. 
يرى فوكوياما أن أكبر سلاح فى القوة الناعمة الأمريكية متمثلًا بهوليوود، غالبًا ما يلعب دورًا سلبيًا «ينظر لهوليوود على أنها ناقل لنوع من الثقافة العلمانية والمادية والمتساهلة، والتى لا تلقى شعبية كبيرة فى بقية أنحاء العالم خاصة العالم الإسلامى». ويرى ناى أن الثقافة الجماهيرية الأمريكية هى مجرد مورد، قوتها فى جاذبيتها الإيجابية، ولكنها تفقد هذه القوة حين تعكس صورة سلبية عن أمريكا. 
لقد كانت بروباجندا أمريكا ما بعد الحداثة الترويج لمادية الاستهلاك مترافقة مع عولمة نسبية القيم، موجودة هناك منذ وقت طويل. وقبل الغزو الوقائى للعراق، بوقت طويل كانت هناك أفلام MTV متغلغلة فيما لا تستطيع وكالة المخابرات المركزية اختراقه. 
فى استطلاع معهد جالوب للرأى العام أجرى على ٨٠٠٠ امرأة مسلمة فى عام ٢٠٠٦، بينت الأغلبية الكاسحة منهن إلى أن أفضل جوانب مجتمعاتهن هى التمسك بالقيم الروحية والأخلاقية، فى حين أن أكثر الأجوبة شيوعًا على سؤال: ما الصفة التى لا تحوز إعجابهن فى الغرب؟ كان الانهيار الأخلاقى والإباحية وأفلام البورنو، مشيرات إلى الصورة التى تعكسها هوليوود. فقد أصبح الاحتلال الترفيهى الأمريكى للمخيلة العالمية كاسحًا أكثر من اللازم حتى لبعض أولئك المتفقين مع القيم العلمانية الليبرالية لهوليوود، فما بين الفترة الزمنية من حرب فيتنام، إلى الحرب على العراق، اتسع الحضور الثقافى الأمريكى فشمل كل أنحاء العالم، وكذلك اتسع العداء للإمبراطورية الأمريكية. إن القوة الناعمة لا تؤدى بالضرورة إلى حب العالم للإمبراطورية الأمريكية، إنها قوة، وبهذه الصفة تصنع أعداءها. 
وإلى جانب التفوق العسكرى والاقتصادى والعلمى والتكنولوجى لإمبراطورية القواعد العسكرية الأمريكية، أصبح انتشار الثقافة الرائجة الأمريكية بمضمونها عنصرًا فى العلاقات الدولية. وطالما أن السياسة الجديدة للثقافة العالمية هى مسألة من له فصل الخطاب على مسرح العالم، فإن هوليوود فى خيرها وشرها، لاعب رئيسى فى هذه المنافسة. والمنتصرون يكتبون التاريخ دائما، كما فعلت هوليوود لعدة عقود.