الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

المفكر الأردني ناهض حتر يلقى مصير فرج فودة.. القاتل إمام مسجد مفصول لتشدده.. عائلة المجني تطالب بمحاسبة المحرضين.. الإفتاء: الإسلام بريء من جرائم الإرهاب

المفكر الأردنى ناهض
المفكر الأردنى ناهض حتر وفرج فودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني" بينما استطاع الكاتب فرج فودة، الذي اغتالته الجماعة الإسلامية عام 1992 بعد تكفيره، من إلقاء تلك الكلمات خلال احتضاره بالمشفى، لم تتح الفرصة للكاتب الصحفي ناهض حتر أن يسجل شهادة أخيرة للتاريخ، إذا استطاعت الطلقات الثلاث التي نفذت إلى جسده واسقطته ارضًا أن تقضي عليه في خضون دقائق، تاركًا قاتل متشدد ألقي القبض عليه في مسرح الجريمة رغم محاولته الهرب، وشركاء يبررون ويباركون العملية لن تصل إليهم أيدي القانون.
وقعت عملية الاغتيال في تمام الساعة التاسعة والربع صباحًا بالتوقيت الأردني، خلال دخول الكاتب قاعة المحكمة لحضور إحدى جلسات تهمة ازدراء الإسلام، والتي تم توقيفه أسبوعين قبل بدء المحاكمة على أثرها. إذ وقف رجل أربعيني مرتديًا ثوبًا رماديا "دشداشة"، بلحية طويلة متدليه من وجه، وشارب خفيف، ممسكًا بمسدس فضي، أطلق عليه ثلاث رصاصات متتابعة، وهو يتمتم بكلمات لم يفهم منها شيء.

حاول الجاني الهروب عبر "جراج المحكمة" الذي جرى ناحيته، إلا أن نجل حتر، الذي كان يحضر معه الجلسة، وعدد من شهود العيان لحقوا به وأمسكوه، في وقت كانت قوات الآمن وسيارة الإسعاف والمارة تجمعوا فيه جول الجثة.
التحقيقات وشهود العيان أفادت مصادر في الأمن العام الأردني إن قاتل "حتر" يدعى رياض إسماعيل أحمد عبدلله، 49 عاما، وذو خلفية دينية ومن منطقة الهاشمي الشمالية وهي منطقة في شرق عمان، من سكان منطقة الجويدة/ خريبة السوق بالعاصمة عمان، ويحمل أسبقية الإيذاء.


و غادر "رياض" الأردن لكنه عاد أمس من بلد مجاور، أطلق 3 رصاصات على رأس "حتر" من مسدس كان بحوزته، أمام قصر العدل وتحديدا على درج المدخل، وتم إسعافه إلى مستشفى لوزميلا، لكنه وصل متوفيا. 
وقام حرس المحكمة باصطحابه الجاني إلى شرطة وسط عمان، وتم تحريك المختبر الجنائي والمدعي العام والطب الشرعي للموقع وتم ضبط 6 اظرف فارغة بالموقع والتحقيق جار. 
واعترف الجاني في التحقيقات الأولية، بأن الدافع وراء قتله كان الرسم الكاريكاتوري المسيء للذات الإلهية والذي نشره حتر في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قبل شهرين، وكان يعمل "رياض" إمام مسجد سابقًا، وجرى فصله مؤخرا لأفكاره المتشددة، وخلافاته المتكررة مع المصلين، لكنه لم يكن معينا على كادر وزارة الأوقاف بل كان عمله بعقد مقابل السكن، ويحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية، بينما يعمل حاليا في وزارة التربية والتعليم.

ونفي العميد المتقاعد "سامي المجالي" الذي كان برفقة الكاتب الصحفي ناهض حتر لحظة مقتله أمام قصر العدل في العاصمة عمّان، وجود أي ضباط أو عناصر أمن لحظة مقتله.
وروي "المجالي" تفاصيل مقتله، وقال إنه كان برفقة المغدور وكان يمسك بيده للدخول إلى قصر العدل لكن رجلا يرتدي دشداشا ركض صوبهم وأطلق الرصاص صوب حتر مباشرة من مسدس عياره 7 مل.
وأضاف " وفور إصابته بالأعيرة النارية سقط حتر أرضا وكان أولاده وعدد من أشقائه برفقته وغطت الدماء المكان وهرع الناس بحثا عن الأمان".
ومضي قائلا:" ناهض كان يعتقد أن رحلته للمحكمة لن تستمر أكثر من 5 دقائق لكن الرصاص أصابه في رأسه ورقبته، مضيفا:" أخذ مطلق الرصاص يجري هاربا والناس ألقت القبض عليه، وسلمته بدورها للأجهزة الأمنية التي لم تكن متواجدة لحظة وقوع الحادثة". وتجمع العشرات من المركبات امام ديوان آل حتر في منطقة الفحيص غربي العاصمة عمان، لدفنه. 

الكاريكاتير
"رب الدواعش" هو اسم الكاريكاتير الساخر الذي رسمه "حتر" واتهم على أثره بازدراء الإسلام، إذ صور شخص ملتحي ممتدًا على اريكة وسط فتاتان، وبجانبه ألوان الطعام وفي يده كأس الخمر، ليطل عليه من خيمة رجل فوق رأسه تاج الملك ويساله " يسعد مساك يا أبو صالح محتاج شيء؟" فيرد الآخر " نعم يا رب ناولني كأس خمر من هناك وقل لجبريل يحضر لي بعض الكاجو، ثم أرسل هنا غلام مخلد لينظف الأرضية: وخذ معك الأطباق الفارغة، ولا تنسى أن تصنع باب للخيمة حتى تقرع في المرة القادمة قبل الدخلو سبحانك". 
وأثار ذلك الكاريكاتير بمجرد أن تم نشره حالة من الغضب والجدل، وهو ما ادى بالكاتب الأردني إلى حذفه، ناشرًا توضيحًا يتبرأ فيه مما فهمه البعض من ازدراءه للذات الإلهية، قائلًا: شاركت منشورا يتضمن كاريكاتيرا بعنوان " رب الدواعش". وهو يسخر من الإرهابيين وتصوّرهم للرب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروجوه الإرهابيون. وأضاف الذين غضبوا من هذا الرسم نوعان: أناس طيبون لم يفهموا المقصود بأنه سخرية من الإرهابيين وتنزيه للذات الإلهية عما يتخيل العقل الإرهابي؛ وهؤلاء موضع احترامي وتقديري، وإخونج داعشيون يحملون المخيال المريض نفسه لعلاقة الإنسان بالذات الإلهية. وهؤلاء استغلوا الرسم لتصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بما يزعمون. 


فيما حملت عائلة الكاتب الأردني السلطات الاردنية مسئولية الحادث، مطالبين بمحاسبة ليس منفذ العملية فقط بل المحرضين، وقال ماجد حتر شقيق الكاتب الراحل لوكالة "سبوتنيك" الروسية: "نحمل كل أعضاء الحكومة الأردنية ووزير الداخلية مسئولية دماء ناهض حتر، وعقدنا اجتماعًا عائليا وقررنا رفض استلام الجثة إلا بعد محاكمة القاتل".
ويذكر أن تلك الكاتب الأردني تعرض لمحاولة اغتيال سابقة عام 1998، خضع على اثرها لعمليات جراحية عدة.

المبررون 
وكما وقف كثيرون قبل 24 عام يرقصون على دماء الكاتب فرج فودة، معتبرين أنه "هو من قتل نفسه" كما قال عبد الغفار عزيز رئيس ندوة علماء الأزهر في كتابه "من قتل فرج فودة"، معتبرًا أن التفكير والافصاح عما ارتضاه عقل وضمير مفكر ونشره انتحار، تكرر المشهد أمس مع عملية اغتيال "حتر" الأقرب شبهًا لاغتيال فودة.
وتعددت مبررات الشامتين في الحادث، أولها كون الكاتب مسيحي الديانة، معتبرين أنه بذلك قصد النيل من الإسلام وقتله أمر حتمي لا تتطلب قبلها عمليات استتابة، كما لو صدرت الإساءة من مسلم، مستدعين بذلك فتاوى لأبن تميمة، وابن باز عن الإساءة للإسلام والذات.
وهو ما ردت عليه دار الافتاء الأردنية في بيان اصدرته على عقب الحادث ترفضه فيه، بادئة ادانتها للحادث بالآية الكريمة " من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا"، قائلة: إن الدين الإسلامي بريء من هذه الجريمة البشعة، ويمنع الاعتداء على النفس الإنسانية ذلك أنه دين الرحمة والعدل والتسامح، كما يحرم على أي شخص أن ينصب نفسه حاكمًا أو قاضيًا يحاسب الناس، لما يؤدي ذلك إلى الفوضى وإفساد المجتمع وإيقاع الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد.
كما رد نشطاء على هؤلاء بأن المسحين يؤمنون بالله عز وجل، فهو ليس وثنيًا حتى يتهمون بالمساس بالذات الالهية وهو ما نفاه "الشهيد" عن نفسه، كما لقبوه.
فيما ذهب آخرون إلى الشماته في مقتله لمواقفه السياسية المؤيدة للرئيس السوري بشار الاسد.
واستقبل الجهاديون مقتل "حفتر" بالترحيب، وعلق محمد الشلبي المعروف بـ" أبي سياف "، القيادي السلفي الجهادي بالاردن، قائلًا: إن حادثة مقتل الكاتب الصحفي ناهض حتر " متوقعة " مضيفًا في اتصال هاتفي مع وسيلة إعلامية محلية إنها تأتي كذلك من باب " الجزاء من جنس العمل". 
وتابع " الصحيح أن هذه نهاية كانت متوقعه ونحمد الله أنها انتهت على هذه الحال ولم تحدث أي نعرات وعصبيات وفتنه طائفيه سببها الهالك.. وان كان الله تعالى قد توعد من عادى وليه بالحرب، فكيف بمن عاداه سبحانه وتعالى".
فيما رفض حزب جبهة العمل الإسلامي جريمة القتل، معتبرينه تجاوزًا للقانون مؤكدا اخذ المؤسسات القضائية والأمنية دورها.وأضاف الحزب في تصريح صادر عنه " نستنكر مبدأ العقاب بصورة فردية ونحذر من أن يكون هذا الحادث بداية لفتنة طائفية ونسأل الله أن يحفظ بلدنا من كل مكروه.



قبل 24 عامًا علق الكاتب على سالم على اغتيال "فودة" قائلًا: "إنها المرة الأولى التي يظهر فيها المصريون الفرح لموت إنسان، وينشرون ذلك في كتاب"، اليوم ومع اغتيال "حتر" وسط وتيرة متصاعدة للإرهاب والتبرير، نتوقع ألا تكون المرة الأخيرة التي يظهر فيها الفرح لمقتل شخص أو الأخيرة التي يقتل فيها شخص لفكره.
وأخيرًا: يرى البعض أن المقارنة بين مقتل "حتر" واغتيال فرج فودة، في غير موضعها، مؤكدين أن الأول أعطى للجماعات الإرهابية السيف الذي يقتلونه به، عندما تجاوز، سواء عن عمد أو غير عمد، عن الخطوط الحمراء في التعامل مع القضايا الدينية الشائكة.