السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

.. وياما مراكب هتغرق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مثل هذه الحالات أفقد قدرتى على النطق.. الكلام بيقف فى حلقى.. وأفقد الرغبة فى تلقى أى عزاء من الآخرين.. أجده كلاما فارغا ومستفزا.. فقط أجد العون فى صوت «عبدالباسط عبدالصمد».. وحده يجبرنى على البكاء سرا.. الدموع فى هذه الحالات ترفض أن تغادر منازلها -بنت كلب بتتخنق هى كمان- وحتى ينتهى عبدالصمد من «ادخلى فى عبادى وادخلى جنتى» يتوقف كل شىء.
ليس أول مركب يغرق فى البحر.. ولن يكون الأخير.. ليس أول مركب يحمل الذين لم يعد لهم من ستر فى منازلهم فهجروها.. ولن يكون الأخير.. لأن أحدا لن يحاسب.. ولأن أحدا لن يعرف لماذا سافروا.. لا بأى ذنب قتلوا فى بحور الله.. وحده البحر يعرف.. واللى إيده فى الميه مش زى اللى إيده فى النار.. أما الذين أصابهم العته من سنين طويلة ممن يلومون من ماتوا.. وأهاليهم.. ويتهمونهم لأنهم يملكون بضعة آلاف كان يجب عليهم استثمارها فى المشروعات العملاقة اللى فى البلد.. هؤلاء لا خوف على عقولهم ولا هم يحزنون.. لأنهم من «عجينة تانية».. غير عجينة اللى ماتوا.
لن تكون الأخيرة، أقولها لأننى أعرف.. أعرف من رحلوا فهم مثلنا من «مخاليق الله».. الذين لا يطمعون سوى فى «فرصة».. هل قال أحدهم إنه كان يملك عقدا مع إدارة «الشانزليزية» مثلا؟.. هل كانوا ينتظرون أدوار البطولة فى أفلام هوليوود.. هل كانت تنتظرهم قناة «الشرق» لضم أطفالهم إلى برامج العاشرة صباحا.. هم راحوا لأنهم يبحثون عن فرصة أخرى للموت.. نعم «فرصة للموت بكرامة»؟
لقد علمناهم أن فى السفر سبع فوائد.. وضيقنا عليهم «الأراضين السبع».. فراحوا يبحثون عن مجرد «فرصة» فى السموات السبع.. هل ما أكتبه الآن مجرد «إنشا وطق حنك».. أيوه هو كده فعلا.. فبعد «شهادات الوفاة» التى لن يتسلمها ذووهم.. وتعويضات وزارة التضامن الاجتماعى.. إيه فايدة الكلام.. هل هى مجرد الرغبة فى تقليب المواجع وخلاص؟
لقد فقد ما يزيد على الخمسمائة من بلدياتى منذ سنوات أعمارهم فى «عبارة السلام».. يومها كتب الكل.. وبكى الكل.. وبدأت المحكمة (أى محكمة لا أذكر) تستجوب.. وتبحث وتدقق.. وانتهى الأمر.. إلى لا شىء.. اللى مات مات.. واللى هرب هرب.. واللى هج هج.. فهل توقفت الهجرات الشرعية وغير الشرعية.. على العكس.. تطورت وأصبحنا نشاهد ولأول مرة.. أسرا بكاملها.. الأب والأم والعيال الرضع على الأكتاف.. طب حد يفهمنا دول «هجوا يعملوا إيه».
منذ جاء السادات إلى رأس سلطتها.. وأهلنا فى الصعيد وبحرى لا حيلة لهم كلما ضاقت إلا «جواز السفر».. كله بيدور على تأشيرة.. مرة إلى ليبيا.. ومرة للعراق.. ومرة للسعودية.. وقليلا ما كنا نعرف إيطاليا وهولندا.. لكن الصيادين من أهالى كفر الشيخ ودمياط يعرفون.. مرة مركب تغرق فى المحيط ومرة عصابة تاخدهم للصومال.. مش هتفرق.. هوه صياد.. والبحيرة اتردمت.. عشان أصحاب المزارع السمكية يعيشوا يبقى يعمل إيه؟! يشتغل حاجة تانية غير الصيد.. يزرع.. الأرض الزراعية فى الوادى قليلة.. والقانون -آه والنبى القانون- اللى موجود لسه بيقول إنك عشان «تعمر الصحرا» لازم تعتدى على الأرض الأول.. تستصلحها تماما وتنتج خيرا وشجرا وفاكهة.. ولما تعمل ده كله.. وتدفع رشاوى لطوب الأرض.. يمكن بعد كام سنة ترضى عنك الحكومة وتعترف بأنك جاد وتستحق أن تقنن أوضاعك.. طب لو ما اقتنعتش -وده اللى بيحصل- تبقى انت معتدى.. والأرض بتطربق على اللى فيها.. وعمرك اللى حطيته فيها انت وعيالك بالسلامة.. والحكومة تسحبها منك -لأنك سمعت كلام القانون- وحاولت إثبات جديتك.. الحكومة مش بتلعب هتديها لشركة كبيرة تستخدم التكنولوجيا فى الزراعة، وبعدين الحكومة اللى عارفة كل حاجة تروح ما تلاقيش قمح.. فتستورده بالإرجوت، والإرجوت ماتخافش مش هيموتك.. لأن وزير الصحة هيعالجه.. هيعالج الإرجوت مش حضرتك.. طب الزراعة ومش هينفع.. يعمل إيه؟! يروح يشتغل سواق.. زى ما الست مارى منيب قالت.. وماله مش عيب.. يلم القرشين اللى كان هيهاجر بيهم.. خمسين ستين ألف.. ويروح يجيب «حتة تاكسى أبيض» بالقسط ويطلع يسرح على باب الله.. والأقساط الله يعينه عليها.. بس المهم يخلى باله ومايمشيش عكس.. ويدفع التأمينات.. ومايركبش قطع غيار مغشوشة ومضروبة.. لأن مافيش أى جهاز يحميه ولا جهاز حماية المستهلك.. ولأنه مافيش ولا حاجة من ده بتحصل ولأنه يا دوب هيسدد نص الأقساط ويبيع التاكسى.. بدل ما يدفع الباقى من تمنه مخالفات مضروبة.. مش هيبقى فاضله غير أنه يفتح «كافيه».. طب حضرتك تعرف إيجار أقل كافيه كام فى الشهر.. ممكن تقوله هيدفع كام تأمين لصاحب المكان.. وهيجيب فرش وعدة منين؟! يا عم بلاش كافيهات -ده حتى بيحصل فيها حاجات مش ولا بد- خليها قهوة بلدى ع القد فى أى مخزن فى عمارة مخالفة فى شوارع القاهرة أو الجيزة.. طب ودى إيجارها كام.. وهيدفع تأمين كام.. والناس بتوع «الحى» هياخدوا كام علشان يطنشوا.. ويا ترى سكان العمارة.. اللى هى مخالفة أصلا بس المرافق كاملة وصلت لها عن طريق بتوع الحى.. هيطنشوا ولا هيشتكوا.. بص هو طالما هيدفع لبتوع الحى.. وبتوع التنظيم.. وبتوع البيئة وبتوع المصنفات.. وبتوع البوتاجاز.. ماحدش هيقربله.. طب ممكن تقول بعد كده هو ممكن يفضله إيه؟! مش مهم يفضله.. مش مهم ياكل هو وعياله.. المهم يدفع ضريبة حب الوطن.. ويموت على أراضيه.. هو وعياله.