الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تأجيل الدراسة .. منى عين كل مصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صدق أو لا تصدق .. رغم عدم تبقي سوى ساعات معدودات على بدء العام الدراسي الجديد لا زال الكثيرون يسألون : "مفيش تأجيل للمدارس" .. ورغم عدم ذكر أي مسئول في وزارة التعليم لفظ "تأجيل الدراسة" من أساسه إلا أن كثير من أولياء الأمور ، وقبلهم التلاميذ بطبيعة الحال ، لا زال لديهم أمل في مد العطلة "أسبوعين تلاتة كمان" .
ولكم أن تتخيلوا مقدار السعادة التي تحدث بها أحدهم وهو يتولى "تصبير" جاره قائلاً : "ما تشيلش هم انا متفائل خير السنة دي باين انها "سنة بيضة" ، ليه بأه ان شاء الله ، لأن الأسبوع التاني فيه يومين أجازة الأحد عيد رأس السنة الهجرية والخميس 6 أكتوبر .. لاحظوا أن الرجل لا يعنيه المناسبتين العظيمتين على نفس كل مصري ومسلم إلا من باب أنهما إجازة للمدارس .
والواقع أن هذه الظاهرة ربما تحتاج من الباحثين جهداً كبيراً للتعرف على أبعادها .. فهل أصبحنا شعب لا يحب العلم إلى هذه الدرجة التي يتمنى فيها لو ألغيت الدراسة وليس فقط أجلت .
أحد أولياء الأمور سألني بشكل مباشر : هي ايه فايدة الفلوس اللي بنتكبدها على تعليم أبنائنا ونضحي بأعز ما نملك من صحتنا وأموالنا لتدبير نفقات الدروس الخصوصية و"السناتر" ونعلن الطوارئ ونعيش ي هم وغم وكرب عظيم لحد ما يتخرجوا من الجامعة وفي الآخر يروحوا يشتغلوا كاشيرات ولا ديليفري .. وكالعادة حاولت "الغلوشة" لعدم وجود إجابة محددة لدي سائلاً إياه : "المهم انت عامل ايه طمنني عليك" ..
ولم أجرؤ على إعطائه أي جرعة مسكنات من عينة "العلم نور" و"يمكن ظروف أبنائك تكون أحسن" أو حتى "بكرة الدنيا هتبقى بيس" وذلك لأنني بصراحة غير مغرق في التفاؤل .. وإن كان هذا لا يمنع يقيني الكامل بقدرة الله على تحقيق المعجزات لكنني في الوقت ذاته مؤمن تماماً بأن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
ويرتبط تفسير هذه الإشكالية بالأوضاع الصعبة التي تعيشها ملايين الأسر التي لديها أبناء في مراحل التعليم المختلفة ، فهذا يجعل مسألة تعليم أبنائهم أمر شاق للغاية لما يتكبدونه من نفقات على الدروس الخصوصية و"مصروف" الأبناء ذهاباً وإياباً وإفطاراً وإن أمكن "حاجة ساقعة" أو حتى "3سجاير فرط" كما يحدث في أغلب الأحياء الشعبية .
فالواقع يشير إلى أننا مجتمع يكره العلم في كثير من أوجه حياته، وهذا ليس كراهية للعلم في حد ذاته بل في المؤسسات التي تديره والتي على الأرجح فشلت معها كافة التجارب اليابانية أو الصينية أو حتى الدنماركية لدرجة دفعت الكثيرين لترديد مقولة "يقطع العلم على اللي بيعلموه واللي بيتعلموه والكل كليلة" .
فنحن نتلقى الطلاب لا يعرفون شيئاً ويدخلون شتى أنواع المدارس وأنواع التعليم ويخرجون منها لا يعرفون شيئاً أيضاً، كل الذى على صلة بالعملية التعليمية في كل مراحلها وصنوفها يدرك هذه الحقيقة المرة، وإن أنكرها أبناء مصر الأخرى، مصر المترفة المدللة التي تدفع فيها الأسرة 20 ألف دولار نظير "استمتاع" الطفل الواحد بالمدارس التي يمكن تسميتها "السياحية" والتي تعامل الأطفال والطلاب بصفة عامة بطريقة تليق بالبشر .
وقد ناقش المفكر الأستاذ السيد ياسين هذه الظاهرة منذ فترة طويلة على صفحات الأهرام في مقال له بعنوان "هل الثقافة العربية معادية للعلم المعاصر؟" حاول من خلاله رصد التحديات التي تقف حجر عثرة في وجه مسيرة التقدم العربي، وذهب كما ذهب عدد من مفكري الغرب إلى أن التخلف حالة عقلية.
وقد سبق للأستاذ السيد ياسين في كتابه " أزمة المجتمع العربي المعاصر" أن رد التخلف العلمي إلى سببين رئيسيين ، الأول عدم إيمان القيادات في مختلف مفاصل الدولة بأن العلم ركيزة التقدم الأولى .. وثانيا تقاعس كبار العلماء عن محاولة إقناع المسئولين بأهمية العلم في دفع قوى الأمة نحو مستقبل أفضل.
وجنح بعض الباحثين مثل د. سمير أبو زيد إلى تفنيد الأسباب التي أدت إلى كراهة العرب لكل ما هو علمي ، وإلصاق تهمتها في الدين الذي يدعي أنه قيد حركة التفكير العلمي وكبح التوجه نحو اكتشاف المجهول وأن فقهاء ومفكري الدين الإسلامي رسخوا الاعتقاد بأن الدين هو كل شيء في حياة المسلمين وهو الدنيا والآخرة، وهى رؤى مخالفة للواقع حيث يبالغ أصحابها في تقدير هيمنتها ويعول عليها كثيرا ، ولعل هذا ما يدعو للتساؤل عن كلمة السر في النهضة العلمية الإسلامية الكبرى في القرون الوسطى إذا كان الدين له تأثير سلبي يحول دون الإقبال على العلم.
في الواقع فإن المصاب جلل وأن الرسالة التي وصلتنا من أمنية الناس تأجيل الدراسة إلى هذه الدرجة تحتاج وقفة حاسمة فلا يمكن السكوت عليها بأية حال .. اللهم إلا إذا كنا نصر على أن نبقى دولة "نايمة" .