الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تليفزيون.. وشجون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالمصادفة هذا الأسبوع، رأيت على قناة «النيل للكوميديا»، إعادة لجزء من أحد برامج التليفزيون فى الستينيات الماضية، تقدمه المذيعة سلوى حجازي.. وما أكثر ما أشاهده وأستمتع به فى الفترة الحالية من برامج وأعمال تليفزيون الستينيات، على قناة «ماسبيرو زمان»، لكن ذلك سيكون حديث مقال آخر بإذن الله.
سلوى حجازى كانت تستضيف فى الحلقة الفنان الضيف أحمد، أحد نجوم الكوميديا الذين بزغوا فى تلك الحقبة، وأحد الموهوبين الثلاثة الذين قدموا أنفسهم للجمهور وقتها بتسمية «ثلاثى أضواء المسرح» إلى جانب جورج سيدهم وسمير غانم، وكان ملحوظاً أن «الضيف» عقل نابه يتصدر ويدير هذه الفرقة الناجحة ويخرج مسرحياتها.. وقد كان فى الحلقة يتحدث بوعى وذكاء، ويشير إلى مسرحية يعدونها فى ذلك التوقيت بعنوان «حدث فى عزبة الورد»، ويقول إن طموح الفرقة: أن نقدم أفكاراً جديدة وتطويراً للكوميديا، وقال إن الضحك مقترن بالتفكير.. فلا يضحك إنسان على شىء من دون أن يمر أولاً على تفكيره، وإن فى مسرحيتهم «الجديدة» نزعة إلى خيال علمي.. وأنهم سيقدمون فكاهة وحتى أحياناً «فارس»، أى إضحاكاً صاخباً، لكن سيقترن ذلك عادة بهذه المحاولات فى الخيال العلمى والتأملات.. سبحان الله، ذهب كلاهما فى عز الشباب، المذيعة الرائدة سلوى حجازي.. والفنان الواعد بالكثير «الضيف أحمد»، الذى لم يتسن له أن يقدم كل ما لديه من موهبة حقيقية وطموحات لفنه ووطنه.. مما يتضح ربما فى المسرحيات التى قدمتها الفرقة، أكثر من «الاسكتشات» التى كانت تتيح السينما الجماهيرية تقديمها كبسمة وسط المشاهدة.
وعموماً فإن التليفزيون لدينا نادراً ما يعرض مسرحيات من الستينيات سواء درامية جادة أو كوميدية، من المسرح المصرى أو العالمي.. هذا إذا كان أصلاً لا يزال يحتفظ بما لدينا من هذا التراث!
• أما سلوى حجازي.. فإن ذكرها يجعلنا نتذكر أسماء أخرى رافقتها، فى مطلع مسيرة التليفزيون المصري.. إنهم الرواد الذين طالع جمهور هذا التليفزيون وجوههم، منذ اللحظات الأولى، تعبيراً عن روح عصر ومؤسسة ومشروع، وقد اقترن اسم «سلوى حجازي»، صاحبة البرامج المتنوعة ومن أشهرها «شريط تسجيل»، برائدتين رائعتين مثلها.. هما ليلى رستم وأمانى ناشد، أما ليلى رستم متعها الله بالصحة وأطال عمرها فلها برامج عدة، ومن أشهرها البرنامج الناجح الجذاب «نجمك المفضل».. الذى لا ننسى أبداً حلقاته مع عبدالوهاب، وعبدالحليم، وفاتن حمامة وغيرهم، وتظل «درة» الحلقات تلك الأمسية الفكرية العميقة الجميلة مع د. طه حسين، ومن حوله كوكبة من أدباء ونقاد هذا العصر، ومن بينهم نجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوى ومحمود أمين العالم.. يناقشون جميعاً الرجل الاستثنائى العظيم، الذى كان وسيظل عميد الأدب العربى على مر العصور.
وإلى جانب سلوى حجازى وليلى رستم فإن الاسم أيضاً الذى سطع، من مذيعاتنا الرائدات فى التليفزيون أمانى ناشد.. ودائماً أقول إن أمانى ناشد هى مذيعتى المفضلة فى هذا الجيل أو الرعيل من الرائدات.. فهى الاكتمال لدى شكلاً وروحاً وثقافة وحضوراً، وأيضاً تحضيراً لبرامجها واستعداداً واعياً جلياً جميلاً للحوار مع الكبار... وقد غادرتنا «أماني» مبكراً فى عز الشباب مع سلوى حجازي.
وحديث الغياب المبكر أو المباغت يجرنا كذلك إلى مذيعتين متميزتين جداً، رحلتا وتركتا أثراً جميلاً وذكريات عذبة وسيرة عطرة، هما سامية شرابى ذات الوجه الملائكي، والروح الشفافة.. ولذلك لا غرابة أن تقدم برامج للأطفال والناشئين بالإضافة إلى برامجها للكبار.. والمذيعة الثانية: رشا مدينة.. وقد كانت تقدم برامج متنوعة، لكن مما لا ننساه لها ذوقها الرفيع فى الفن التشكيلى وهى تقدم برنامجاً عنه.. وقد كانت بملامحها الراقية وصوتها العذب، ملائمة تماماً لكى تقدم مثل هذا العمل المتقن عن فن جميل عظيم.. وأذكر أنها لقيت تعسفاً وتعنتاً إلى حد الاضطهاد، من إدارة التليفزيون المصرى فى مراحلها الأخيرة.. فكانوا يضعون برنامجها فى أسوأ المواعيد المتأخرة، وكان ذلك على أى حال جزءا من تعنت إدارة الدولة إزائها.. لأنها من أقارب (عبدالحميد السراج)، السياسى الوحدوى البارز من سوريا، الذى جاءت أسرته إلى مصر بمساعدة نظام عبدالناصر، لإنقاذهم من صور اضطهاد السلطة الغاشمة العميلة فى سوريا التى قامت بجريمة الانفصال بين مصر وسوريا فى عام ١٩٦١، لكن ها هى الأسرة فى مصر بعد عبدالناصر، تلقى تعنتاً واضطهاداً آخر!! وقد كتبت يوماً فى عمودى بجريدة «العربي» أطالب بمنح الجنسية المصرية لـ «محمد خان» و«رشا مدينة»، وقد شكرنى كلاهما.. لكن بدا من نبرة كل من المخرج والمذيعة الكبيرين، وخاصة حينما التقيت بكل منهما بعدها، أنه لم يعد لديهما أمل حقيقى فى الحصول على الجنسية المصرية.. وقد حصل عليها مخرجنا العملاق (المصرى حتى النخاع) ولكن متأخراً جداً، وغادرتنا «رشا مدينة» الرائعة (السورية المصرية العروبية) ولم تحصل عليها قط، لكن حصلت على حبنا أبداً.
• لقطة أخيرة:
من مذيعات التليفزيون المتميزات أيضاً، اللاتى توقفن عن العمل فى عز العطاء ولا أدرى السبب: منى جبر.. وميرفت فراج.. ذهبتا، وكذلك توقف عطاء المتميزين من المذيعين الرجال، مثل القدير حمدى قنديل (وإن كنا بالنسبة له نعرف السبب، والملاحقة المستمرة لبرامجه بالمنع!!).. ليبقى الغالب المسيطر فى التليفزيون المصري: معدومو الكفاءة، والقادمون بالواسطة وأنواع من العلاقات الذين لا نطيق (سحنتهم وسماجتهم) الآن.
فيتحول التليفزيون الذى وصف بحق بأنه «ولد عملاقاً» فى مطلع الستينيات.. إلى كائن مترهل ضخم الجثة ممتلئ بالتخلف العقلى والبلاهة، وقد قامت ثورتان فى البلاد، ولا يزال كما هو كيان وكائن غاية فى البشاعة والتفاهة.. بل يزداد.