الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حجاج الحرس الثوري الإيراني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تقريًبا كل موسم حج هو موسم حرب كلامية إيرانية مع السعودية، وهذا الحج ليس استثناءً. فالتصريحات الأخيرة أسوأ من سابقاتها في ثلاثين سنة، وتعبر بصدق عن حال العلاقات بين الرياض وطهران.
ولعل أفضل ما فعلته الحكومة الإيرانية أنها قررت منع مواطنيها من أداء فريضة الحج هذا العام، وبالتالى قللت من فرصة الاشتباكات التي كانت سببًا في مقتل المئات في السنوات الماضية. وفى كل اشتباكات المواسم الماضية يتضح وجود عسكريين من الحرس الثورى كانوا يتولون مهمة إثارة المشاكل وأحيًانا القتل، كما حدث في منتصف الثمانينيات عندما قاموا بجر أحد رجال الحرس السعودى العزل من السلاح، المنظمين للحجاج، وذبحوه بالسكين أمام الآلاف من الحجاج، وبعدها انخرطوا في اشتباكات قتل فيها نحو أربعمائة من الحجاج ورجال الأمن.
والخلافات بين الحكومات في المنطقة دائمًا موجودة لكن لم يحدث قط في سبعين عامًا أن ارتكبت حكومة ما يفعله النظام الإيراني منذ وصوله للحكم في عام ١٩٧٩ الذي دأب على إثارة المشاكل في مواسم الحج. لم تفعل حكومات دول إسلامية أخرى كانت على خلاف حاد مع الرياض، بما فيها حكومة بشار الأسد السورية، ونورى المالكى عندما كان رئيسًا لوزراء العراق، وقبله في العراق حكومة صدام حسين، ومثلها حكومة على عبدالله صالح سابًقا في اليمن، لم تعمد أي منها تحويل الحج إلى مناسبة لتصفية الحسابات. وإيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تهاجم السفارات، كما أحرقت السفارة السعودية في طهران قبل تسعة أشهر، دون أدنى احترام للأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية.
وقد يكون قرار الحكومة الإيرانية، بمنع مواطنيها من الحج هذا العام، مرده إلى رغبتها في تفادى مواجهة خطيرة جديدة يتسبب فيها الحرس الثورى الإيراني، وكذلك جهازها الأمنى الباسيج. فقد سبق لهم التهديد بالانتقام من مقتل منسوبيهم في حج العام الماضي، الذي يقال إنهم دخلوا السعودية بتأشيرات وأسماء مزورة، وكانوا طرفًا في مأساة تصادم مات فيها نحو ثمانمائة حاج.
هناك ٥٧ دولة إسلامية في العالم إلا أن حكومة إيران الوحيدة بينها التي تستخدم الحج لتهديد السعودية. فهى تفرض نشاطات سياسية في موسم كل عام، بتسيير مظاهرات عدائية لا علاقة لها بالحج، شعاراتها عادة التحريض ضد السعودية والولايات المتحدة، وافتعال المواجهات، رغم اعتراض الدول الإسلامية على اعتبار أن الحج شعيرة تعّبد دينية يجب تخليصها من الخلافات السياسية.
في المقابل تعمدت السعودية الرد على المقاطعة الرسمية الإيرانية بمنع مواطنيها من الحج، حيث وافقت على السماح للمواطنين الإيرانيين الذين يرغبون في الحج من دول أخرى دون الحاجة إلى موافقة حكومتهم. جاء ذلك بعد فشل تفاوض الإيرانيين الذين زاروا السعودية لإجراء ترتيبات حج نحو سبعين ألف إيراني، ثم أعلنوا متأخرين بأن حكومتهم حظرت على مواطنيها الحج. الحكومة السعودية ردت بالموافقة على استقبال الراغبين من الإيرانيين في الحج دون إذن حكومتهم. وقد وصل إلى مكة المكرمة أكثر من مائتين وخمسين إيرانيًا من الولايات المتحدة، ومئات الحجاج الإيرانيين الآخرين من أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.
الصراع السعودى الإيرانى هو أبرز ملامح السياسة في إقليم الشرق الأوسط، بحروبه وخلافاته وتحالفاته. الإيرانيون أدخلوا الحج جزءًا من المواجهة، ضمن سياسة هجومية تستهدف الرياض على كل المحاور. فإيران تحاول السيطرة على العراق، وشمال السعودية، مستغلة الفوضى، وضعف الحكومة المركزية في بغداد، والفراغ الذي خلفه الخروج الكامل للقوات الأمرسكية قبل سبع سنوات. وحولت سوريا إلى ساحة حرب شاملة، حيث أرسلت آلاف الإيرانيين من «فيلق القدس» يقاتلون هناك ويديرون شبكة من الميليشيات الشيعية المتطرفة جاءت بها إيران من أفغانستان والعراق ولبنان. وهى الداعم الوحيد بالسلاح والمدربين لميليشيات الحوثى في اليمن، جنوب السعودية، التي انقلبت على الحكومة اليمنية، واستولت على العاصمة منذ عام ونصف العام، ولا تزال تدور الحرب حيث تدعم إيران الانقلابيين وتقود السعودية تحالفًا عسكريًا عربيًا يدعم قوات الشرعية.
ولعل غياب حجاج حكومة طهران عن الموسم الدينى هذا الشهر، سواء بهدف الاحتجاج السياسي أو نتيجة خلافات داخلية، تبقى خطوة جيدة تقلل من التصعيد، وتطمئن أكثر من مليونين ونصف المليون حاج الذين جاءوا من أنحاء العالم وهم في قلق من ممارسات إيران.
نقلًا عن «العربية نت»