الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الفاتيكان: القديسة "تريزا" كانت القلم الذي كتب الله به الرحمة للمتألمين

رأت فى الفقراء وجه المسيح

الفاتيكان الكاردينال
الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بمناسبة إعلان قداسة الأم تريزا دى كالكوتا، ترأس أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين قداس شكر فى ساحة القديس بطرس، وللمناسبة ألقى عظة قال فيها: «لقد عدنا اليوم إلى ساحة القديس بطرس يملؤنا الفرح لنشكر الرب على عطيّة إعلان قداسة الأم تريزا دى كالكوتا، القديسة تريزا دى كالكوتا».
تابع أمين سرّ دولة الفاتيكان: «ما أكثر الأسباب التى تحملنا إلى أن نظهر امتناننا العميق للرب! نشكره على شهادة الإيمان البطوليّة للقديسين التى من خلالها يجعل الرب كنيسته خصبة ويعطينا نحن أبناءه علامة أكيدة لمحبّته.
نشكره بشكل خاص لأنّه أعطانا القديسة تريزا دى كالكوتا التى شكّلت بصلاتها المستمرّة مرآة لمحبة الله ومثالًا لخدمة القريب، ولاسيما للأشخاص الأشدّ فقرًا والمتروكون: مرآة ومثال نستخرج منهما الإرشادات الثمينة والدوافع لنعيش كتلاميذ صالحين للرب ونتوب عن فتورنا وتسمح لنار محبّة المسيح أن تتّقد فى داخلنا.
أضاف الكاردينال بييترو بارولين يقول: «لقد كانت الأم تريزا تحب أن تشبّه نفسها بالـ«قلم بين يدى الرب»، وما أكثر قصائد المحبة والشفقة والتعزية والفرح التى عرف أن يكتبها ذلك القلم الصغير! قصائد محبّة وحنان من أجل أفقر الفقراء الذين كرّست حياتها من أجلهم، بهذه الطريقة تشير إلى «دعوتها فى الدعوة» التى نالتها فى شهر سبتمبر عام ١٩٤٦، لقد فتحت الأم تريزا عينيها على الألم وعانقته بنظرة شفقة وسمحت لهذا اللقاء بأن يُسائل حياتها ويخترق قلبها على مثال يسوع الذى تأثّر بألم الخليقة البشريّة غير القادرة على النهوض بمفردها، وبالتالى كيف لا يمكننا أن نقرأ أحداث حياتها فى ضوء كلمات البابا فرنسيس فى مرسوم إعلان يوبيل الرحمة عندما يكتب: «دعونا لا نقع فى فخ اللامبالاة التى تذل وفى الاعتياد الذى يخدّر النفس ويحول دون اكتشاف الحداثة من خلال التهكّم الذى يدمّر، لنفتح أعيننا كى نرى بؤس العالم، جراح العديد من الإخوة والأخوات المحرومين من الكرامة، لنشعر بأننا مستفَزون للإصغاء لصرخة النجدة التى يطلقونها، لنشد بأيدينا على أيديهم، لنجذبهم إلينا كى يشعروا بحرارة حضورنا وصداقتنا وأخوّتنا».
تابع أمين سرّ دولة الفاتيكان: «لكن ما سرّ الأم تريزا؟ ليس سرًّا بالتأكيد لأننا قد أعلناه بصوت عال فى الإنجيل منذ قليل: “الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتى هؤُلاءِ الصِّغار، فلى قد صَنَعتُموه» (متى ٢٥، ٤٠).
لقد اكتشفت الأم تريزا فى الفقراء وجه المسيح الذى افتَقَرَ لأَجْلِنا وهو الغَنِيُّ لِنغتنى بِفَقرِه، وأجابت على محبّته اللامحدودة بمحبّة لا محدودة تجاه الفقراء: «مَحبَّةُ المسيحِ تَأخُذُ بِمَجامع قَلبِنا» (٢ كورنيس٥، ١٤). لقد تمكّنت من أن تصبح علامة منيرة للرحمة، إذ كانت الرحمة بالنسبة لها الملح الذى أعطى طعمًا لكل أعمالها والنور الذى أضاء ظلمات الذين لم تعد لديهم دموع ليبكوا فقرهم وألمهم، لأنها –وكما قال البابا فرنسيس– سمحت بأن ينيرها المسيح المعبود والمحبوب والممجّد فى سرّ الإفخارستيا.
أضاف الكاردينال بييترو بارولين يقول: «لقد كانت تعرف جيّدًا أن أحد أشكال الفقر المؤلمة يقوم على المعرفة بأننا غير محبوبين أو غير مرغوب فينا أو محتقرون، إنه نوع من الفقر حاضر أيضًا فى البلدان والعائلات الأقل فقرًا وفى الأشخاص الذين ينتمون إلى فئات تتمتّع بالإمكانات الماديّة ولكنهم يختبرون الفراغ الداخلى، لأنهم قد فقدوا المعنى والهدف لحياتهم أو أنهم يعيشون ألم تفكك العلاقات وقساوة الوحدة، والشعور بأنه قد تم نسيانهم من قبل الجميع، وبأنهم ليسوا نافعين لأحد، وهذا الأمر قد حملها لترى فى الأطفال الذين لم يولدوا والمهددين فى حياتهم «الأفقر بين الفقراء»، إذ إن كلاً منهم، وأكثر من أى كائن بشريٍّ آخر، يعتمد على محبّة وعناية الأم وحماية المجتمع.
لذلك، تابع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان يقول دافعت الأم تريزا بشجاعة عن الحياة التى تُبصر النور بصدق الكلمة والعمل اللذين يشكلان العلامة المنيرة لحضور الأنبياء والقديسين الذين لا يركعون إلا أمام الله الضابط الكل وهم أحرار فى داخلهم لأنهم أقوياء ولا ينحنون أمام الأصنام المعاصرة بل يجدون أنفسهم فى الضمير الذى تنيره شمس الإنجيل.
فى الأم تريزا نكتشف الرابط الوثيق بين العيش البطولى للمحبّة والوضوح فى إعلان الحقيقة، ونرى العمل الدؤوب الذى يغذّيه التأمُّل العميق وسرّ الخير الذى يتمّ فعله فى التواضع، وهو ثمرة الحب «الذى يؤلم». وفى هذا الصدد أكّدت الأم تريزا فى كلمتها لدى تسلّمها جائزة نوبل فى أوسلو فى الحادى عشر من ديسمبر عام ١٩٧٩ أنّه من الأهميّة بمكان أن نفهم أن المحبّة الحقيقية تؤلم، ومحبّة يسوع لنا قد آلمته.
أضاف الكاردينال بييترو بارولين مشيرًا إلى أن هذه الكلمات تدخلنا فى حياة هذه القديسة وإلى عمق آلام المسيح وعطيّة محبّته اللامشروطة، وقال إنّها عمق الصليب الذى لا يُسبر غوره لهذا الألم الناتج عن الخير الذى يتم فعله محبّة بالله بسبب الاحتكاك المتأتى إزاء جميع الذين يقاومونه بسبب محدودية المخلوقات وخطيئتهم والموت الناتج عنها. إنها أيضًا ليل الإيمان المظلم الذى تقيم فيه المحبّة المتّقدة للرب المصلوب والمحبّة نحو الإخوة المعوزين للعناية والخبز، إنها إيمان ثابت ونقيّ والشعور الرهيب ببعد الله وصمته. إنها ما يُشبه صرخة المسيح على الصليب: «إِلهى، إِلهى، لِماذا تَرَكْتني؟» (متى ٢٧، ٤٦).
تابع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان يقول كلمة أخرى من الكلمات التى لفظها يسوع خلال نزاعه على الصليب أرادت الأم تريزا أن تُكتب فى كل بيت من بيوت الجمعيّة إلى جانب المصلوب وهى كلمة «أنا عطشان»: إنه العطش للماء العذب والنقى، عطش النفوس للتعزية والخلاص من شوائبها لتصبح جميلة ومقبولة فى عينى الله، عطش لله وحضوره الحى والمنير. 
لقد نالت فى هذه الحياة جائزة نوبل للسلام من أجل الخير الذى قامت به، أما الآن وفى الفردوس، مع العذراء مريم أم الله وجميع القديسين تنال الجائزة الأسمى التى أُعدت لها منذ إنشاء العالم، الجائزة المحفوظة للأبرار والودعاء ومتواضعى القلوب الذين قبلوا المسيح بقبولهم للفقراء. والآن وبعد الاعتراف الرسمى بقداستها ها هى تُشع علينا بشكل بهى ومشرق! ليُنِر هذا النور، نور الإنجيل الذى لا يغرب، مسيرة حجنا الأرضيّ ودروب هذا العالم الصعب.
أيتها القديسة تريزا دى كالكوتا، صلّى لأجلنا!