الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قانون بناء الكنائس.. و"سبوبة الفتنة"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم الترحيب الدولى الكبير بموافقة البرلمان المصرى على قانون بناء الكنائس، وما عكسه من توافق نادر بين الدولة وممثلى الكنائس المصرية الثلاث، إلا أن ذلك لم يمنع نافخي الكير و"المسخناتية " من إيذاء القانون والتقليل منه ونثر الغبار حوله من أجل الإبقاء على حالة الفتنة الباردة لاستخدامها أو "تسخنيها" بين الحين والآخر.. ولذلك "هزَّهُم" مشهد هتاف مجلس النواب بعبارة "تحيا مصر"، ورفع رئيس المجلس للعلم المصري مع هتافه بشعار ثورة 1919 .. "عاش الهلال مع الصليب".
لا أود اتهام أحد بعينه، أو تشويه الآراء المعترضة، فكل الآراء مقدرة فى إطار النقاش العام داخل الدولة المصرية، ولا يخفى على أحد أن ملف المواطنة مسخن بجراح ممتدة لها جذور وفروع، ويحسب للبرلمان الحالى وللرئيس عبد الفتاح السيسى وللبابا تواضروس الثانى أنهم تصدوا- بشجاعة- لسؤال ظل معلقا لأكثر من 160 عاما.. هل من حق الأقباط بناء الكنائس بحرية فى دولة دينها الرسمي الإسلام؟
البابا تواضروس اقتحم غبار التشكيك و"التلكيك" حول القانون، وقال بوضوح: إن هذا القانون جاء ليصحح خطأ دام أكثر من 160 عاماـ وضمد جراحات استمرت طويلا من أجل الاستقرار والمواطنة، لقد كان هناك إجماع في مجلس النواب على إقرار القانون- عدا أفراد قليلين- وقد علت الهتافات، "يحيا الهلال مع الصليب" ونال الرجل ما ناله من انتقادات، لأنه قرر- بشجاعة- أن يقول كلمة حق لإنصاف دولة قررت تحدى ميراث طويل من الخوف والرعب والذعر أمام صدور مثل هذا القانون، باعتباره من المحرمات السياسية التى خشي كل السياسيين المصريين التصدى لها، منذ ظهور مطالب المسيحيين المصريين لتحقيق المواطنة، والتى عبر عنها المؤتمر القبطى الأول عام 1911 حينما طالب بتمثيل برلماني وقانون يجيز بناء الكنائس.
وبشكل متعمد يتناسى مهاجمو المشروع أن الدولة وضعت نفسها فى مواجهة كل التيارات المتأسلمة والإرهابية بإصدارها قانونًا يعطى المسيحيين الحق فى بناء الكنائس الجديدة، وتوفيق أوضاع الكنائس القائمة، وهو ما يعنى وضع الخط الهمايونى العثمانى، وشروط العزبي باشا لبناء الكنائس، فى سلة مهملات التاريخ، وفتح أفق جديد أمام المسيحيين المصريين فى الحصول على حقوق قانونية طال انتظارها، كما يدشن لعلاقة جديدة مع دولة قالت منذ اليوم الأول إنها تتعامل مع كل مواطنيها على أرضية واحدة، وظهر ذلك فى تكليف القوات الجوية بتوجيه ضربة لعناصر داعش فى ليبيا، انتقامًا للمسيحيين المصريين الذين تم ذبحهم أمام العالم أجمع، فضلًا عن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد، ليُسِنَّ بذلك تقليدًا رئاسيًا جديدًا يصعب على رؤساء مصر فى المستقبل تجاهله.
لم ينتصر قانون بناء الكنائس على تيارات الإسلام السياسى ممثلة فى حزب النور، والذى حاول بكل الطرق منعه والتخويف منه، فقط، بل انتصر أيضا على "سبوبجية الفتنة" ونشطاء مشروع التقسيم الطائفى فى مصر، وهذا أمر لا يخفى على أحد، فهناك خطة معروفة ومعلنة ترجع لعام 1992 هدفها تحويل مصر إلى لبنان جديد، ومُنَظِّرُها المستشرق الصهيونى برنارد لويس، الذى دعا إلى تقسيم مصر إلى دولتين على الأقل، إحداهما إسلامية والثانية قبطية، وعرض هذا المخطط فى ندوة عقدت فى مركز"باران إيلان" للأبحاث الاستراتيجية، فى إسرائيل، والتى ناقشت أحد عشر بحثا كان من بينها بحث بعنوان "الاستقطاب بين المسلمين والأقباط في مصر"، تحدث- بوضوح- عن أن مصر تفقد السيطرة على نسيجها الوطنى مع تنامى الشقاق المسلم/ المسيحي،  وأن وجود دولة مسيحية فى صعيد مصر أمر حتمى فى المستقبل، وعلى إسرائيل الاستعداد لذلك، ثم اختتم لويس حديثه بتوصية لإسرائيل بأن تعمل على استعادة سيطرتها على سيناء، كرصيد استراتيجى واقتصادى للتعامل مع مصر حال التقسيم، وتزامن ذلك مع قيام الولايات المتحدة باستغلال الفتنة كورقة ضغط على الدولة المصرية، بطريقة تلاعب المحتل البريطانى ذاتها، وبالورقة ذاتها لضمان بقائها فى مصر.
المخطط السابق ليس الوحيد.. بل هناك ما هو أفدح وأخطر وهو مخطط تهجير المسيحيين العرب، والذى خُطِطً له فى أوروبا وظهر للعلن فى عام 2000 ويعتمد على تهجير المسيحيين العرب وتوطينهم فى أوروبا، بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، تحت حماية أمريكية ودعم لوجستى أوروبى، وهو المخطط الذى تحاول مؤسسات الدولة بالتعاون مع الكنائس المصرية التصدى له، وظهرت ملامحه بشكل واضح خلال عمليات إحراق الكنائس، والتى أعقبت ثورة 30 يونيو بغرض تهديد المسيحيين المصريين بالطريقة ذاتها التى تمت فى العراق وسوريا، وأسفرت عن خروج مليون مسيحي عربي عراقي- هربًا بحياتهم- تحت حماية 200 ألف جندى أمريكي، كما خرج ثلث مسيحيي سوريا حسب تقديرات مطران حلب يوحنا إبراهيم، الذى اختطف مع زميله بولس اليازجى على يد عناصر إجرامية بعد ذلك.
المخطط له عدة أسباب، يمكن إجمالها فى النقاط التالية:
* مواجهة شيخوخة أوروبا، فالنسبة الأكبر من المسيحيين العرب ينتمون لشريحة الشباب.
* الارتفاع فى المستوى التعليمى والاقتصادى للمسيحيين العرب، ما يوفر أيدي عاملة مدربة ورخيصة للمجتمع الأوروبى.
* قدرتهم على الاندماج فى المجتمع الأوروبى.
* إظهار الإسلام في صور غير القادر على التعايش مع الآخر.
* تثبيت صورة عن المجتمعات الإسلامية بأنها مغلقة وأصولية.
* إفقاد المنطقة العربية جزءًا مهمًا من طاقتها وقدرتها البشرية التى تحتاجها فى عملية التنمية.
* إعطاء حجة قوية للتيارات اليمينية فى أوروبا للقيام بعمليات طرد المسلمين الموجودين فى أوروبا وإرجاعهم إلى بلادهم.
* الضغط على العرب لقبول فكرة الدولة اليهودية، بواقع أنهم أصبحوا مجتمعات أحادية الديانة، أى إسلامية فقط.

من ينفذ المخطط يعلم جيدًا ماذا يفعل، وكيف يصطاد دائما فى الماء العكر، وهناك من يساعد فى تنفيذه دون وعي أو فهم، لكن بالتأكيد هناك من قبض الثمن.
بصدور قانون بناء الكنائس، تُبطِلُ الدولة مفعول "المخطط/ المؤامرة" وتحاول أن تستعيد ثقة مواطنيها، رغم كل محاولات تثبيط الهمة، وتشويه الحقائق ونشر الشائعات السخيفة، وتمد يدها بكل ما تملك لأبناء الوطن باختلاف انتمائهم الديني، وتُعلي مصلحة الوطن فى الحفاظ على تماسك ووحدة شعب مصر، والذى بدوره يلقن الدنيا كل يوم دروسًا فى السماحة، وحب الوطن وإعلاء مصلحته على أى اعتبار آخر.