السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

اعترافات دبلوماسي أمريكي سابق عن التاريخ الأسود لواشنطن

فى كتابه «الديمقراطية.. أشد الصادرات الأمريكية فتكًا»

 السياسي الأمريكى
السياسي الأمريكى «وليام بلوم»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شاركت في إسقاط ٥٠ حكومة منتخبة ديمقراطيًا حول العالم
حاولت اغتيال أكثر من ٥٠ زعيمًا أمطرت ٥٠ بلدًا بالقنابل
أسهمت في قمع حركات شعبية وقومية في ٢٠ بلدًا
أنهت حياة ملايين البشر ومسئولة عن تعذيب الآلاف 

«أتذكر المشاعر الطيبة الدافئة التي كانت تنتابنى في العشرينيات من عمرى والثلاثينيات عندما كنت أسمع الكوميديان بوب هوب وهو يوزع فكاهاته الأمريكية الطيبة على الجنود الأمريكيين الطيبين المنتشرين في أنحاء العالم، لم يخطر لى أبدًا أن أتساءل عما كان يفعله هؤلاء الجنود في تلك البقاع، ذلك لأنه لم يخطر لى أن يقوم بوب هوب، الخيّر المحبوب، بالترفيه سوى عن جنود يؤدون مهمة شريفة.. ظل حالنا كذلك إلى أن أفقنا من غفلتنا لدى اندلاع مظاهرات الاحتجاج العارمة، ومعها التغطيات الإعلامية المعارضة للأهوال التي كانت تحدث في فيتنام، مما أدى بى إلى الانطلاق في مسيرة فكرية جديدة، مسيرة كان الأرجح لها أن تحدث قبل ذلك، لو أننى قرأت كتابًا كهذا الذي بين يديك أيها القارئ».
هكذا يقدم السياسي الأمريكى «وليام بلوم» كتابه «الديمقراطية.. أشد الصادرات الأمريكية فتكًا» الصادر مؤخرًا عن دار إصدارات سطور بترجمة للدكتورة فاطمة نصر، وينتمى «بلوم» لمن يمكن وصفهم بـ«المغردون خارج سرب السياسات الأمريكية»، بدأت ملامح التمرد لدى بلوم على تعاطى أمريكا مع العالم الخارجى، باستقالته من منصبه بوزارة الخارجية في عام ١٩٦٧ وتخلى عن طموحه لأن يصبح مسئول الخدمات الخارجية، على خلفية معارضته لحرب فيتنام، أصبح بعد ذلك مؤسس جريدة «واشنطن فرى برس» ورئيس تحريرها. 
ظل بلوم يعمل كصحفى مستقل في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأمريكا الجنوبية، لقي كتابه «قتل الأمل: التدخلات العسكرية والمخابراتية للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية» ترحيبًا دوليًا ووصفه «نعوم تشومسكى» بأنه أفضل كتاب في هذا الموضوع، وفى عام ١٩٩٩ كان من بين من تلقوا جائزة project censored كما ترجمت كتبه إلى ٢٧ لغة حول العالم. 
في كتابه الأخير يصدم بلوم قارئه بما يشبه الصدمة بالحقائق التي يعرض لها عن سيطرة الإمبراطورية الأمريكية على العالم، وكيف تدير سياسات الدول بإسقاط أنظمة وتنصيب أخرى بإشعال حروب هنا وهناك تحت زعم الشعارات البراقة المخادعة «الحرية والديمقراطية» من أول دول أمريكا الجنوبية مرورًا بأوروبا وليس انتهاء بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. 
يذهب بلوم إلى أنه لا يوجد سر في الهيمنة الأمريكية على مقدرات الدول والشعوب: «السر الذي يؤدى إلى فهم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية هو أنه ليس ثمة سر، مبدئيًا علينا أن ندرك أن الولايات المتحدة تسعى إلى الهيمنة على العالم، وأنها في سبيل إدراك هذا الهدف على استعداد لاستخدام أي وسيلة تراها ضرورية، وبمجرد أن ندرك أن كثيرا من اللبس والتناقض والغموض الذي يحيط بسياسات واشنطن سيزوى». 
يذكر بلوم قارئه بحقائق عن ضلوع الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فيما يزيد على خمسين محاولة للإطاحة بحكومات أجنبية كانت غالبيتها منتخبة ديمقراطيًا، تدخلت بأسلوب في الانتخابات الديمقراطية في ثلاثين بلدًا، حاولت اغتيال أكثر من خمسين زعيما أجنبيا، أمطرت شعوب أكثر من ثلاثين بلدا بالقنابل، حاولت قمع حركات شعبية أو قومية في عشرين بلدا. 
ويشير بلوم إلى أنه بسبب اتساع المديين المكانى والزمانى للتدخلات الأمريكية والذي بلغ ثمانية وستين عاما من الصعوبة الإلمام التام بما فعلته، لكن في المجمل قامت أمريكا بتنفيذ واحدة أو أكثر من العمليات في مناسبة أو أكثر من مناسبة واحدة في واحد وسبعين بلدا، بما يعادل أكثر من ثلثى بلدان العالم، الأمر الذي نجم عنه إنهاء حياة ملايين البشر، والحكم على ملايين عديدة أخرى بالعيش يائسين معذبين، علاوة على مسئوليتها عن تعذيب آلاف البشر الآخرين، وبالإمكان القول إن التاريخ الأمريكى هو تاريخ إمبراطورية في طور التشكل منذ أن قام أول مستوطن بريطانى بقتل أول أمريكى أصلى «الهنود الحمر».
خرافة الديمقراطية الأمريكية
إن التوق إلى رؤية الديمقراطية على الأسلوب الأمريكى، وهى تستنسخ في العالم أجمع كان محورًا دائمًا في السياسة الخارجية الأمريكية، فمن العراق فليبيا وسوريا واليمن، من نيكاراجوا وبنما وتشيلى والسلفادور وكوبا، مرورًا بباكستان وأفغانستان وإيران وآسيا الصغري، وليس انتهاء باليابان والصين ودول البلقان لم يكن ما يحفز أمريكا للهيمنة على العالم قضية نشر الديمقراطية أو الحرية أو وجود عالم أكثر عدلا، أو القضاء على الفقر أو العنف أو تحسين الحياة على كوكب الأرض، بل يحفزه الاقتصاد والأيديولوجيا. 
يستشهد بلوم بقول «مايكل بارتنى» ليست القوة من أجل القوة هي الهدف، بل القوة من أجل ضمان التحكم في الكوكب القوة من أجل الخصخصة، وتحرير اقتصادات جميع البلدان في العالم، من أجل رفع نعم رأسمالية السوق الحرة غير المقيدة للشركات على ظهور الشعوب في كل مكان بمن فيهم شعب أمريكا الشمالية. إن الصراع يدور بين من يعتقدون أنه يجب تسخير الأرض والعمالة ورأس المال والتكنولوجيا والأسواق في العالم، من أجل مراكمة الحد الأعلى من الأموال لصالح القلة، وبين من يعتقدون أنه يجب استخدام تلك الأشياء من أجل النفع المشترك والتطور الاجتماعي الاقتصادى للكثيرين.
يمكننا أن نفهم السبب في أن أكثر الأهداف الجوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية استدامة ظلت هي الحيلولة دون صعود أي مجتمع، قد يصبح مثالا صالحا لنموذج رأسمالى بديل، وكان هذا هو جوهر الحرب الباردة، كانت كوبا وتشيلى مثالين لمجتمعات شبيهة متعددة في المعسكر الاشتراكي، والتي بذلت الولايات المتحدة أقصى ما في وسعها لسحقها. ومثل كثير من القادة الأقوياء في الماضى والحاضر والمستقبل يريد المسئولون الأمريكيون منا أن نصدق أن السياسات التي ينتهجونها في مسعاهم للهيمنة هي من أجل خير شعبهم ومعظم العالم، حتى وإن لم تتضح بركاتها في الحال. أكثر ما يستهويهم هو إعادة صنع العالم في صورة أمريكا بحيث تصبح عناصره الجوهرية هي المشاريع الحرة، والفردانية، وما يسمونه القيم اليهودية المسيحية التي مثلتها أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ لهؤلاء الرجال. 
يتحدث المسئول السابق في إدارة ريجان «مايكل لدين» والذي سيصبح زميلا في أحد أهم مراكز الدراسات المحافظة، أو «أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت» قبيل الغزو الأمريكى على العراقى ٢٠٠٣ فيقول: «إذا عملنا فقط على انطلاق رؤيتنا للعالم وتقدمها، وإذا اعتنقناها كاملة ولم نحاول التشاطر وترقيع حلول دبلوماسية ماهرة لهذه المشكلة، بل نقوم بشن حرب شاملة على هؤلاء الطغاة المستبدين، فسنكون بذلك قد أحسنا صنعا وسيتغنى أطفالنا عن بطولاتنا بعد أعوام من الآن». كان من الصعب مقاومة تلك التوجهات بعد عام من غزو العراق المروع واحتلاله الكارثي، أرسلت إيميل إلى مستر «لدين» مذكرا إياه بكلماته وقلت له إننى أود أن أسأله أي أغانٍ يشدو بها أطفالك اليوم لك. لم أتوقع ردا ولم أتلق ردا.
في مقالته «إعادة بناء العراق في المخطط الأمريكى» يعرف الدكتور مفيد الزيدى أستاذ التاريخ المعاصر والحديث بجامعة بغداد: مصطلح إعادة بناء العراق Reconstruction أي البناء من جديد، أو التأسيس من جديد، ولكن الخطة الأمريكية هي أبعد من معنى هذه الكلمة بكثير فهى تسعى إلى تغيير هياكل الاقتصاد العراقى، وتغيير البنية الاجتماعية العراقية، وتغيير السياسة الرسمية والحكومية العراقية، ومن ثم فإن إعادة البناء هنا أوسع إذ تعنى هدم البناء ثم إعادة صياغته من جـــديد برؤية مغايرة جـــذريًا عما سبق.
وقد أعلن الحاكم المدنى للعراق بول بريمر في مايو ٢٠٠٣ أن العراق مفتوح أمام رجال الأعمال والصفقات التجارية، وأكد أن أحد أهم مقومات السياسة الأمريكية في العراق هي إبعاده عن تحكم الدولة في اقتصادياته، ويتطلع مع قادته إلى سوق حرة في العراق أي تحويل الاقتصاد والبلاد على أساس أنه موجه نحو السوق، ويرى فيه المحافظون في إدارة بوش تدفقًا لعمليات تغيير مصاحبة في الوطن العربى والشرق الأوسط خاصة لكون بوابته الرئيسية بغداد، وهذه الخطط تنسجم مع طموحات بوش في إقامة تجارة أمريكية شرق أوسطية أي سوق مفتوحة أمام الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية والأمريكية، أي فرض الاحتلال الاقتصادى على المنطقة العربية.
إن سياسة قوات الاحتلال الأمريكية تعيين مستشارين لكل قطاع صناعى عراقى كبير، ففى مجال النفط تريد واشنطن أن تدار الصناعة النفطية العراقية عبر رئيس مجلس إدارة أمريكي، ولجنة إداريين أمريكية، وعيّنت «فيليب ج كارول» رئيسًا للجنة الاستشارية لقطاع النفط وهو رئيس سابق لشركتى نفط شل وفلود، وهو لاعب مالى أساسى في تكساس، ورأى أن العراق يجب أن يترك الأوبك، وهذا ما تستفيد منه الولايات المتحدة، وأن يتم التوسع في الصناعة النفطية العراقية بفضل رءوس أموال أجنبية وبشكل تدريجى في المستقبل. أما في الزراعة، فسيكون القطاع الزراعى تحت إدارة «دان أمستوتز» المدير الأعلى السابق لشركة كارجيل أضخم شركة تصدير للحبوب في العالم، ورئيس جمعية تصدير الحبوب في أمريكا الشمالية، وأن تكليف هذا الشخص بإدارة الزراعة العراقية سوف يتيح له هذا المركز الترويج للمصالح التجارية لشركات الحبوب الأمريكية وفتح الأسواق العراقية على مصراعيها، ولكن الأوساط الأمريكية، ترى أنه سيئ السمعة في إمكانية إدارة دولة من العالم الثالث.
ذلك المخطط الجهنمى لتدمير العراق بحسب وزير الخارجية الأسبق «جيمس بيكر» وإخراجه من معادلة الشرق الأوسط، لذا كان المطلوب هو تدمير البنية الأساسية للعراق. وبحسب تقارير غربية، فقد قامت القوات الأمريكية بمائة ألف طلعة جوية على بغداد والمدن الرئيسية، أعادت العراق إلى عهد ما قبل التصنيع وحطموا عن عمد البنية التحتية للاقتصاد العراقي، من نظام توليد الطاقة الكهربائية ومصافى النفط والمصانع الكبرى والطرق والجسور وخطوط التليفون والتلغراف، وقدرت جملة الخسائر التي أحدثوها بأكثر من ٢٠٠ مليار دولار. 
في خطابه ١٩ مارس ٢٠٠٣ قال جورج بوش: «أريد أن يعلم الأمريكيون والعالم بأسره أن قوات التحالف ستبذل كل جهد ممكن لتجنب تعرض المدنيين للأذى. فحملة على أرض دولة بحجم كاليفورنيا قد تكون أطول وأصعب مما يتوقع البعض، ومساعدة العراقيين على إقامة دولة موحدة مستقرة وحرة ستتطلب التزامًا متواصلًا منا. كان هذا إعلانًا من الإدارة الأمريكية ببدء الحرب الدولية على العراق تحت مسمى التحرير والديمقراطية للعراق وشعبه. ونعود مرة أخرى إلى وليام بلوم حيث يذهب إلى أن الدبابات وقاصفات الصواريخ لم تأت بصحبة العسكريين فقط، وإنما رافقتها الشركات العالمية العابرة للقوميات والجنسيات لضمان الفوز بالقدر الأكبر من «كعكة» عقود إعادة إعمار العراق.
يستدعى بلوم التاريخ القريب تحديدا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث رأت الولايات المتحدة الأمريكية وقد انتصرت في الخارج ولم يلحق بها الأذى في الداخل، بابًا مفتوحًا على سعته لتتسيد العالم، لكن ما يسمى الشيوعية كانت فقط هي التي وقفت في طريقها عسكريًا واقتصاديًا وأيديولوجيًا، من ثم تم تجنيد مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية بأكملها لمجابهة ذلك العدو، وكانت خطة مارشال جزءًا عضويًا من تلك الحملة. كانت خطة مارشال إلى جانب السى آى أيه ومؤسستى روكفلر وفورد، ومجلس العلاقات الخارجية، وبعض كبريات الشركات والمؤسسات الخاصة، هي بعض السهام الموجودة في جعبة من يسعون لإعادة بناء أوروبا لتتوافق مع رغبات واشنطن، وعملت على نشر كتاب الرأسمالية المقدس لمجابهة النزوع القوى بعد الحرب نحو الاشتراكية، فتح أسواق جديدة لتوفير مستهلكين لمنتجات الشركات الأمريكية، وهذا من أحد الأسباب الرئيسية للمساعدة في إعادة بناء الاقتصاديات الأوروبية، مثلا عرض ما قيمته مليار دولار من المنبع من قبل شركات الولايات المتحدة في أوروبا، الضغط لإقامة السوق المشتركة أو ما أصبح الاتحاد الأوروبي والذي خرجت منه بريطانيا مؤخرا والناتو بعمل عضوية لدول غرب أوروبا الرئيسية ضد الخطر السوفيتى المزعوم، قمع اليسار في جميع أنحاء أوروبا الغربية الأمر الذي تبدى في تقويض الأحزاب الشيوعية في فرنسا وإيطاليا أثناء محاولتها الحصول على فوز انتخابى قانونى من دون عنف، سربت أموال خطة مارشال في السر لتميل تلك المحاولات، كما استخدمت الوعود بتقديم المعونات للبلد أو التهديد بقطعها كسلاح في تلك الحرب الخفية. أيضا اقتطع السى آى أيه مبالغ كبيرة من أموال خطة مارشال من أجل الحفاظ سرا على مؤسسات ثقافية وصحفيين وناشرين، بالداخل والخارج بهدف شن الدعايات الساخنة للحرب الباردة، ترافق تسويق خطة مارشال للجمهور الأمريكى وغيره مع محاربة «التهديد الأحمر» علاوة على ذلك كان العاملون في السى آى أيه يستخدمون في عملياتهم السرية خطة مارشال كغطاء. فرضت خطة مارشال قيودا من جميع الأنواع على البلدان المتلقية، ووضعت معايير مالية واقتصادية لا بد من إرضائها، معايير صممت لفتح الباب على مصراعيه لعودة المشاريع والاستثمارات الرأسمالية الحرة غير المقيدة. امتلكت الولايات المتحدة الحق في التحكم في إنفاق دولارات الخطة، بل أيضا الموافقة على إنفاق مبلغ مساوٍ من العملة المحلية، مما منح واشنطن سلطة ضخمة على الخطط والبرامج المحلية للدول الأوروبية، كانت الولايات المتحدة تبدى استياءها من برامج الرعاية الاجتماعية للمعوزين من الناجين من الحروب، كما كانت تنظر إلى تقنين توزيع الأطعمة على أنه ضرب من الاشتراكية يجب الحد منه أو إلغاؤه، أيضا عارضت واشنطن بعنف تأميم الصناعات.
كان الجزء الأكبر من أموال خطة مارشال يعود إلى الولايات المتحدة، أو لا يغادرها أبدا، حيث يستخدم لدفع مستحقات كبريات الشركات الأمريكية نظير شراء سلع أمريكية، في عام ١٩٩٩ أعلنت وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية aid أن المستفيد الأساسى من برنامج المساعدات الأمريكية هي الولايات المتحدة.
العالم يكره الولايات المتحدة
عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر، برز هذا السؤال وبقوة على كثير من محطات الإذاعة والتليفزيون، ورددته الإدارة الأمريكية ورئيسها والشعب الأمريكى أيضا: لماذا يكرهوننا؟! ولا شك بأنه سؤال منطقى يستحق الإجابة عليه. أما الإجابات السريعة والسهلة على هذا السؤال المعقد والصعب من مثل: لأنهم يكرهون حرياتنا، لأننا أقوى دولة في العالم، لأنهم يكرهون حقيقة أن أمريكا قوية وخيرة، فإنها تنبئ عن أحد أمرين لا ثالث لهما. إما عن غباء أو استغباء.
لكن بلوم يشير إلى أن السؤال حول كراهية أمريكا مثار قبل أحداث سبتمبر، حيث تساءل الرئيس «دوايت أيزنهاور» في اجتماع لمجلس الأمن القومى في مارس ١٩٥٣ عن السبب في عدم استطاعة الأمريكيين كسب حب بعض الشعوب في البلدان البائسة، بدلًا من كراهيتهم لهم. وفى إجابة بلوم على سؤال أيزنهاور الاستنكارى يسوق بلوم المئات من الجرائم والانتهاكات الأمريكية في حق الشعوب حول العالم بأطرافه الأربعة، موضحا أنه لا يفهم السر أو الأسباب وراء انتشار القوات الأمريكية في القواعد العسكرية في دول أخرى. 
يجيب بردود لاذعة حول العنجهية وغطرسة القوة الأمريكية: «أنهم أمريكيون قادرون معتادون على تنفيذ إرادتهم ومعتادون على التفكير بأنفسهم بصفتهم أفضل الناس، ولا يستطيعون فهم سبب كراهية الآخرين لهم وعدم مقدرتهم اكتساب حبهم، وسبب عدم استطاعتهم سحق هؤلاء. ألا يريدون الحرية والديمقراطية؟ حاول هؤلاء الصبية القادرون «القوات العسكرية الأمريكية)» بين آونة وأخري، كتابة قوائم من القوانين والأحكام الشاملة، بل حاولوا كتابة دستور العراق، وأقاموا قواعد صغيرة في الأحياء وشيدوا جدرانا لحصار المناطق وفصلها عن بعضها، وقاموا بتدريب المتمردين السنة «سابقا» وتسليحهم لمحاربة الشيعة والقاعدة، كما ظلوا يحشدون الشيعة أي جماعة أو أشخاص، ويتركون الأسلحة وكتيبات صناعة القنابل في مجالات الرؤية ليروا من يلتقطها من الأرض ثم يهجمون عليهم، ينشئون إعلامهم الخاص بالعربية، ويراقبون بقية أنواع الإعلام ويحظرونها. 
إنهم الأمريكيون القادرون المقتدرون يستخدمون براعتهم وحملاتهم التسويقية وعلاقاتهم العامة وإعلاناتهم، يبيعون من خلالها الماركات الأمريكية في أنحاء العالم، تمامًا مثلما يفعلون بالداخل، يوظفون علماء النفس والأنثروبولوجي، لكن دونما جدوي. 
هنا تتقدم خيالة «جوجل» على فرسها الفضي، ومن خلال أبحاثها المسمى «أفكار جوجل»، دفعت الشركة أموالًا لعدد من المتطرفين الإسلاميين السابقين، والنازيين الجدد وأفراد عصابات أمريكية، وغير ذلك من المتشددين، للتجمع في مدينة ( دبلن) في يونيو ٢٠١١ لعقد قمة ضد التطرف العنيف أو save وذلك لدراسة الكيفية التي يمكن للتكنولوجيا من خلالها لعب دور في جهود القضاء على التطرف والتشدد في أنحاء الكوكب. أحاط بالسابقين ( formers ) وهو الاسم الذي خلعته جوجل على المشاركين في مؤتمر دبلن، مائة وعشرون من المفكرين والناشطين والخيرين، وقيادات البيزنس. 
كان الهدف هو تحليل العوامل التي تجذب الشباب بخاصة إلى الحركات المتطرفة، والسبب الذي يدفع بعضهم إلى مغادرة تلك الحركات، كان المسئول عن هذا المشروع هو جارد كوهين، والذي كان قد أمضى أربع سنوات ضمن العاملين في مكتب تخطيط السياسات التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، ليصبح بعد ذلك زميلًا مساعدًا في مكتب العلاقات الخارجية cfr حيث كانت بؤرة التركيز موضوعات شملت مجابهة الراديكالية والإبداع والتكنولوجيا، وعن إدارة الدولة. من ثم كان التطرف العنيف هو السر الأعظم، الهدف الذي حاول كل هؤلاء المفكرين فهمه وتفسيره.
لمَ تجتذب تلك الظاهرة الشباب من جميع أنحاء العالم؟. لا يحتاج من يقرأون كتاباتى أي توضيح للسؤال الأخير حيث إن السياسة الخارجية الأمريكية قد ارتكبت بشاعات كثيرة في كل ركن من أركان العالم، لنسأل أنفسنا في هذا الصدد، عما يجعل الشباب الأمريكيين على استعداد للسفر لأماكن مثل أفغانستان والعراق والمخاطرة بحياتهم، كى يقتلوا شبابا آخرين لم يلحقوا بهم الأذى أبدا، ويرتكبوا بشاعات وأعمال تعذيب مروعة؟ أليس هذا سلوكا متطرفا؟ أمن الممكن أن نسمى هؤلاء الشباب الأمريكيين متطرفين وراديكاليين؟ ألا يرتكبون أعمال عنف؟ أيفهم نخبة جوجل سلوكهم؟ إن كانوا لا يفهمونه، إذا كيف لهم أن يفهموا المتطرفين المسلمين الأجانب؟ هل هؤلاء المتخصصون مستعدون لفحص الظاهرة التحتية (الاعتقاد باستثنائية أمريكا والأمريكيين) والذي يجرى العمل على ترسيخه بعمق في كل خلايا الوعى الأمريكى وأعصابه منذ مرحلة ما قبل المدرسة. 
وفى إشارة إلى ترسيخ الأساطير التي ينشأ عليها المواطن الأمريكى الذي تتم تربيته منذ الصغر، على أن كل ما تقوم به الولايات المتحدة من سياسات خارجية تجاه غيرها من شعوب العالم، إنما يقصدون من ورائه الخير لهذه الشعوب، وتحريرها مما هي فيه من الاستبداد، ومحاولة نشر قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، وبالتالى تصبح جميع الجرائم الدموية التي ترتكبها الولايات المتحدة من وجهة نظر الشعب الأمريكى مجرد أعمال خير لا تريد من ورائها إلا مصلحة الآخرين، حتى لو كان هناك الآلاف من الضحايا.
يتابع بلوم: إن الشعب الأمريكى يشبه إلى حد كبير أطفال زعماء المافيا الذين لا يعرفون كيف يكسب آباؤهم النقود التي يعيشون عليها، ولا يريدون أن يعرفوا، ثم يتعجبون للسبب الذي يدفع أحد الأشخاص لقذف قنبلة حارقة من خلال نافذة غرفة المعيشة.