الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معارك لغوية يهودية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اشتريت كتاباً بعنوان «العبرية من غير معلم» للدكتورة كاميليا أبو جبل، لا لأتعلمها، فالوقت لا يسمح للأسف، بل لأرى حجم التشابه بينها وبين اللغة العربية، بحكم كون اللغتين ولغات شرقية أخرى كالسريانية والآرامية.. من اللغات السامية التى يجمعها أصل واحد.. ويظن الكثيرون أن اليهود عبر تاريخهم ولا يزالون يتحدثون «العبرية»، والتى هى اليوم لغة إسرائيل الرسمية، سياسياً وإعلامياً، وفى التعليم والأدب والثقافة.. إلا أن هذا الاعتقاد لا يطابق واقع اليهود المعاصرين وحتى الأقدمين، كما يؤكد الباحثون المعروفون، وأبرزهم فى الثقافة العربية الراحل د. عبدالوهاب المسيرى «١٩٣٨ - ٢٠٠٨».. ويقول:
لم يتحدث اليهود اللغة التى تعرف بالعبرية إلا لفترة قصيرة للغاية.. وكانت العبرية لهجة من اللهجات الكنعانية، ولم يتخذها اليهود لساناً لهم إلا بعد إقامتهم فى كنعان ابتداءً من عام ١٢٥٠ قبل الميلاد.. وقد اختفت العبرية بوصفها لغة الحديث بين اليهود مع التهجير البابلى عام ٥٦٧ قبل الميلاد، وحلت الآرامية تماماً محل العبرية نحو ٢٥٠ قبل الميلاد.
اللغات التى تكلمها اليهود بعد انتشارهم فى العالم، يضيف د. المسيري: «كانت فى معظم الأحيان لغة الوطن الذى استقروا فيه وانتموا إليه، أو إحدى اللغات الدولية السائدة.. فكان يهود بابل يتحدثون الآرامية، ويهود الإسكندرية فى العصر الهيلينى يتحدثون اليونانية، كما أن يهود فلسطين كانوا يتكلمون إما الآرامية أو اليونانية، أما يهود الإمبراطورية الرومانية الغربية وإفريقيا وغرب أوروبا، فكانوا يتحدثون اللاتينية، ويبدو أن بعض يهود الإمبراطورية الإيرانية كانوا يتحدثون باللهجات الفارسية المختلفة، وكان يهود العالم العربى يتحدثون العربية».
وفى الماضى كان يهود الأندلس «يتحدثون رطانة تسمى العربية اليهودية، ويهود إسبانيا يتحدثون «اللادينو»، وهى رطانة إسبانية دخلت عليها بضع كلمات من العبرية والتركية واليونانية».. أما يهود أوروبا الشرقية، فكانوا يتحدثون «لغة اليديش»، وهى لهجة ألمانية تحولت فيما بعد إلى ما يشبه لغة مستقلة للحديث والكتابة.. وفى القرن السادس عشر كان معظم يهود العالم يتحدثون بهذه اللغة فى أوروبا، وبلغة «اللادينو» فى الدولة العثمانية.. وكان اليهود يستخدمون غالباً الحروف العبرية فى كتابة هذه اللغات واللهجات فى المعاملات اليومية، مثل الفواتير التجارية، ولم يكتبوا بهذه اللهجات أدباً ذا بال، باستثناء «لغة اليديش» التى عمرت طويلاً، وأصبحت مع القرن التاسع عشر، لغة مستقلة يتحدث بها معظم يهود العالم الغربى الذين كانوا مقيمين فى روسيا وبولندا.. «التجانس اليهودى والشخصية اليهودية، دار الهلال، القاهرة، ٢٠٠٤، ص ١٣٠ - ١٣٢».
كتبُ «العهد القديم»، أى التوراة بلغة عبرية قديمة اختفت بعد التهجير البالي، ولذا فالتلمود ثانى كتب اليهود المقدسة، مكتوب بلغة آرامية.. وكان المفكرون اليهود فى الإسكندرية يؤلفون باللغة اليونانية، وكان «موسى بن ميمون» يكتب بالعربية.. ولم يظهر فى العصور الوسطى فى الغرب مؤلفون يهود كبار حتى القرن ١٧، حيث ظهر الفيلسوف المنشق على اليهودية «اسبينوزا» الذى كتب مؤلفاته باللاتينية.
وفى مصر كتب «يعقوب صنوع»، المسرحى والصحافى ومدرس اللغات المصري، باللغة العربية، حيث ألّف ٣٦ تمثيلية للمسرح بالعامية، فكان أول من كتب المسرحيات باللهجة المصرية، وقد أُغلق مسرحه بعد فتحه بسنتين، ونفته السلطات، فعاش فى باريس حتى توفى عام ١٩١٢.
وقد كتب «كارل ماركس» كتبه الشهيرة بالألمانية وبخاصة «رأس المال» 
وقد نشبت بين المستوطنين فى إسرائيل «معركة اللغة» بين دعاة استخدام الألمانية ودعاة استخدام العبرية من يهود شرقى أوروبا.
أما اللغة الأساسية ليهود العالم الآن، فهى الإنجليزية التى يتحدث بها يهود الولايات المتحدة وكندا وإنجلترا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا، ممن يشكلون الأغلبية العظمى من يهود العالم.. ثم تأتى العبرية، لغة يهود إسرائيل، فى المرتبة الثانية، أما «اليديشية»، فقد اختفت تماماً فى أمريكا وعلى وشك الاضمحلال فى روسيا، ولم يعد هناك من أثر لـ«اللادينو» الإسبانية الأندلسية.
ماذا عن كتاب «تعلم العبرية من غير معلم» الذى بدأنا الحديث به؟
الكلمات المتماثلة والمتقاربة بين اللغتين كثيرة بالطبع، وإن كنت أتوقع أن تكون أكثر بكثير!
فالأربعة بالعربية نفسها بالعبرية والعشرة «عسرة»، بينما التسعة «تشعة»، والثمانية «شمونة»، والواحد «إيحاد» والاثنان «شنايم»، والثلاثة «شلوسة».. وهكذا بين تطابق وتعاكس! وثلاثة أرباع بالعبرية «شلوسة ربيعيم».. ومن أيام الأسبوع الثلاثاء «شليشى»، والأربعاء «ربيعى»، والخميس «حميسى».. أما أسماء الفصول فلا علاقة لها بالعربية، وكذلك أسماء الجهات وغير ذلك كثير.
وتبقى اللغة العبرية رغم تشابه الكثير من المفردات لغة أخرى مختلفة تماماً.. فمثلاً «عيرف طوف» تعنى مساء الخير، و«متاى عورخيم هَتَعروخا لَسْفَريم» معناها بلغة الضاد «متى يقام معرض الكتاب؟» هل ستفهم الجواب إن سمعته بالعبرية؟
نقلا عن الاتحاد الإماراتى