الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" ترصد قصة الانتصار على الإرهاب في متحف الفن الإسلامي

متحف الفن الإسلامي
متحف الفن الإسلامي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ترميم ١٦٠ قطعة أثرية من بين ١٧٩تعرضت للتدمير بعد انفجار مديرية أمن القاهرة
انتهاء ٩٨% من مراحل العمل علاج آثار الإرهاب بـ«أياد مصرية»
الإمارات قدمت ٥٠ مليون جنيه و٨٠٠ ألف يورو من إيطاليا
زيادة التحف المعروضة إلى ٤ آلاف
أخصائية بالمتحف: جمعنا بقايا الآثار من التراب
رئيس قسم العملة: لم يتعرض أثر واحد للسرقة

فى السادسة من صباح الرابع والعشرين من يناير 2014 انفجرت سيارة مفخخة أمام مبنى مديرية أمن القاهرة، الذى يبعد نحو 20 مترًا عن المدخل الرئيسى لـ«متحف الفن الإسلامى»، الواقع فى منطقة باب الخلق بقلب القاهرة التاريخية.

ترك الانفجار تأثيرًا مدمرًا على المتحف، إذ تضررت 179 قطعة أثرية، وذلك من بين 1457 قطعة كانت معروضة وقتها. كما تحطمت معظم ديكورات المتحف الداخلية، وتساقطت الأسقف، إلى جانب تهشم كامل لـ«فاترينات» عرض المقتنيات الأثرية، الأمر الذى نتج عنه تدمير العديد من المقتنيات من بينها المحراب الخشبى النادر للسيدة رقية الذى تحطم بالكامل، وكرسى العشاء الخاص بالسلطان قلاوون، وصندوق المصحف الغورى، وتنور القاضى عبدالباسط.

هذا بخلاف تدمير واسع فى واجهة المتحف الذى لم يكن قد مرت 3 سنوات على تطويره فى 2010 بميزانية تجاوزت 100 مليون جنيه.

 كانت الصدمة شديدة لأن الدمار قد أصاب أكبر متحف إسلامى فنى فى العالم، حيث يضم حوالى 100 ألف تحفة أثرية متنوعة من الفنون الإسلامية من الهند والصين وإيران مرورًا بفنون الجزيرة العربية والشام ومصر وشمال إفريقيا والأندلس، تتميز بالشمولية لفروع الفن الإسلامى على امتداد العصور ما يجعله منارة للفنون والحضارة الإسلامية.

ظل المتحف عامًا كاملًا على حالته هذه قبل أن تبدأ أعمال الترميم فى الذكرى الأول لتفجيره عندما خاطبت وزارة الآثار الجهات المانحة عربيًا ودوليًا لتوفير التمويل اللازم.

دارت العجلة بالفعل، وأنهى «جراحو الحضارة» من المرممين المصريين حتى هذه اللحظة نحو 98% من مراحل العمل، ولم يبق سوى تحديد موعد الافتتاح.


لقد صنع المرممون والعاملون فى المتحف ملحمة غير مسبوقة - قادها الدكتور أحمد الشوكى، المشرف العام على المتحف - تستحق أن تسجل فى ركن خاص تحت عنوان «حتى لا ننسى»، ليكون شاهدًا على ما تعرضت له مقتنيات المتحف من دمار على يد الإرهاب وما بذلته الأيدى المصرية من جهد لإعادتها إلى سيرتها الأولى.

كان لا بد لهذه الملحمة أن تسجل لتبعث برسالة إلى «أعداء الحضارة» مفادها أن «لا مكان لكم بيننا»، وأن ما خططوا لتدميره سيعيد المصريون بناءه.

وإذا كنا فى موضع الحديث عن أبطال الانتصار الكبير فإننا نذكر أولًا الوزير السابق الدكتور ممدوح الدماطى، الذى عمل بكل جهد للحصول على دعم مادى لعملية الترميم، وخلفه الدكتور خالد العنانى، الذى وضع ملف متحف الفن الإسلامى فى مقدمة أولوياته، حتى إنه يتابع بشكل يومى سير العمل ويضطلع على كل التفاصيل الخاصة بعملية الافتتاح.

هنا فى «البوابة» اخترنا أن نذهب إلى متحف الفن الإسلامى وهو يتهيأ لاستقبال زواره من مختلف أنحاء العالم، تحدثنا إلى الدكتور أحمد الشوكى، وإلى مجموعة من المرممين والعاملين هناك، فكانت كلماتهم أشبه بقصة عن الانتصار على الإرهاب.


الخطوة الأولى للحلم

بعد ٢٤ ساعة من الانفجار كان التعامل مع الكارثة قد بدأ، فجرى جمع الآثار التى لم تتضرر بطريقة منظمة وتخزينها بـ«أرقام حفظ»، فيما تدخل فريق الترميم لإنقاذ سريع للآثار المتضررة برفعها من بين الركام و«هو ما كان صعبًا للغاية مع وجود العديد من القطع الأثرية المصنوعة من الزجاج ولكن فى النهاية نجحنا فى جمع كل القطع بنظام».. يقول الدكتور أحمد الشوكى، المشرف العام.

حتى بداية عام ٢٠١٥ لم تكن خطوات الترميم قد بدأت لغياب التمويل إلى أن بدأ الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار السابق، فى مخاطبة بعض الجهات الدولية، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة على رأس الجهات المستجيبة لمساعدة المتحف باعتباره قيمة إسلامية وتراثية وثقافية كبيرة ليس لمصر وحدها لكن للعالم أجمع.

يقول «الشوكى»: «قدمت الإمارات منحة بقيمة ٥٠ مليون جنيه لترميم المتحف بالكامل من الداخل، سواء المبنى أو الفتارين أو أسلوب العرض، كما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع الحكومة السويسرية معونة بحوالى مليون جنيه لترميم واجهة المتحف المصنوعة من الحجر، وساهمت مؤسسة البرنس كلاوس الهولندية المهتمة بإنقاذ التراث فى توفير خامات الترميم التى لم تكن موجودة بعد وقوع الانفجار».

ويضيف: «قدمت اليونسكو ١٠٠ ألف دولار لتطوير معامل الترميم فى المتحف وإمدادها بأجهزة حديثة، ونحن الآن فى المراحل الإجرائية الأخيرة لاستلام منحة إيطالية بـ٨٠٠ ألف يورو لاستغلالها فى شراء فتارين عرض وتدريب أمناء المتحف».

كل هذ الجهود ساعدت فى التسريع بعملية الترميم التى تمت بصورة منظمة و«لكن يجب أن نفتخر بأن الترميم تم بأيادٍ مصرية بل وفى معامل الترميم الخاصة بالمتحف»، وفق «الشوكى».

يقول: «عندما نتحدث عن مراحل الترميم يجب أن نذكر دور مرممى المتحف الذين قاموا بترميم كل القطع المتضررة دون الحاجة لأى مساعدات من خارج مصر أو حتى من خارج المتحف.. نعم كانت هناك مساعدات مادية وفنية من مؤسسات دولية مثل إحدى المؤسسات الأمريكية التى قدمت منحتين لاثنين من المرممين للتدريب على أحدث أساليب الترميم، ومتحف اللوفر الذى قدم منحًا للأمناء العاملين بالمتحف للتدريب على أحدث ما تم التوصل له فى علم المتاحف، لكن العمل بالكامل تم بأياد مصرى وبشهادة من خبراء أجانب انبهروا بدقة الترميم ووصفوه بالناجح والمميز».

بالنسبة إليه فإن «المتحف به العديد من قصص النجاح لأمناء ومرممين وعاملين لا تتخطى رواتبهم ١٠٠٠ جنيه شهريًا لكنهم كانوا مثالًا للتفانى والإخلاص - كل فى مجاله - من أجل إخراج هذا المنتح دون الحاجة لأى عناصر أجنبية».


عامان من العمل

لنروى القصة من البداية.

كانت الخطوة الأولى خاصة بمبنى المتحف نفسه وذلك بإعادة ترتيبه من الداخل بداية من تركيب أسقف جديدة بدلًا من التى تحطمت بعد الانفجار، وتحديث أنظمة التأمين، وإضافة كاميرات رؤية ليلية لم تكن موجودة من قبل.

وتولى مجلس الدفاع الوطنى مسئولية ترميم واجهة المتحف بمنحة مقدمة من هيئة المعونة الأمريكية، وانتهى الأمر فى غضون ٤ أشهر تقريبًا، وبعدها بدأ العمل فى الداخل.

يقول «الشوكى»: «بالنسبة للجزء الخاص بترميم الآثار فقد نجحنا فى ترميم ١٦٠ قطعة أثرية من بين ١٧٩ قطعة تضررت من الانفجار، والباقى تحت الترميم»، مشيرًا إلى أن القطع التى فقدت بشكل كامل لا يتجاوز عددها عشر قطع و«سيتم عرض قطع مماثلة لها».

ويواصل: «انتهينا من ٩٨٪ من مراحل العمل.. نحن مستعدون للافتتاح بشكل كامل الآن، لكن لم يتم تحديد موعد محدد»، غير أن مصادر بوزارة الآثار، رجحت أن يجرى الافتتاح الرسمى فى ذكرى الاحتفال بنصر أكتوبر.

تصميم المتحف الذى كان قد وضعه مصمم فرنسى يدعى أدريان جاردير أصابته «نوبة التجديد» مع توافر إمكانية لوضع تصميم جديد يتفادى كل الانتقادات التى سبق أن وجهت للتصميم القديم.

يوضح «الشوكى»: «أول خطوة كانت مراجعة سيناريو العرض للمتحف بالكامل فقد كانت هناك بعض الانتقادات بأن المتحف كان يعرض ١٤٥٧ قطعة أثرية فقط برغم وجود ١٠٠ ألف تحفة بالمخازن، ومن ثم سيتضمن العرض الجديد ٤٠٠٠ قطعة من بينها ٤٠٠ قطعة تعرض لأول مرة منذ اكتشافها، فيما تمت إضافة ١٦ فاترينه عرض لاستيعاب القطع الجديدة إلى جانب ٦٠ فاترينة كانت موجودة فى التصميم الأول».

أيضًا كانت هناك بعض الآراء التى تذهب إلى أن المخازن بها قطع أجمل من القطع المعروضة، وهو ما تم تضمينه بسيناريو العرض، كما تمت مراجعة الإكسسوار الخاص بالعرض، وطريقة العرض نفسه، وذلك بالتعاون مع سامح المصرى، وهو متخصص فى تنفيذ سيناريو العرض المتحفى، يعمل بوزارة الآثار وله خبرة فى عدة متاحف مصرية، مثل متحف المجوهرات بالإسكندرية، ومتحف السويس، ومتحف العريش، ومتحف المطار، كما أنه عمل مع الفرنسى أدريان فى وضع سيناريو العرض القديم للمتحف.

وبالنسبة إلى «قاعات العرض» فقد وضع «الشوكى» تصميمًا جديدًا لـ«قاعة المدخل» حاز إعجاب كل زوار المتحف من المتخصصين، والأجانب المقيمين فى مصر، والمرشدين السياحيين.

ويحوى المتحف فى شكله الجديد قاعة تحمل اسم «العملة والسلاح» بها قطع تعرض لأول مرة، وهناك قاعة «الحياة اليومية» التى تم تغييرها وتخطيطها بحيث تكون أشبه بالمنزل وفى منتصفها مساحة فارغة تنفذ فيها «رواية القصص»، بحيث يجلس الأطفال على الأرض ويبدأ أمناء المتحف فى الشرح لهم عن طريق قصة تحمل فى تفاصيلها جزءًا من تاريخ القطع الموجودة بجوارهم مثل ما يحدث فى المتاحف العالمية.

يقول «الشوكى»: «تمت إضافة قاعة جديدة باسم (محمد على)، إذ أن المتحف - قبل التفجير - كان ينتهى عند العصر العثمانى، فوجدنا أننا نمتلك مجموعة قوية من آثار محمد على فأضفنا قاعة جديدة تحمل اسمه بحيث تضم كل القطع المنتمية لعصره».

ويشار هنا إلى وجود ٣ أساليب عرض داخل المتحف، الأول يتضمن عرض الآثار تاريخيًا مرتبة من الأقدم إلى الأحدث، والثانى يتضمن عرض موضوعى يرتب الموضوعات التى يتضمنها المتحف، والثالث يشمل عرض آثار من خارج مصر مثل الآثار الهندية والتركية.


دليل وموقع إلكتروني

قبل التفجير كانت هناك أخطاء علمية وتاريخية فى «البطاقات التعريفية» الموجودة بجانب القطع الأثرية و«البانرات» المعلقة على جدران المتحف من الداخل، فجرى تغييرها بالكامل عن طريق لجنة مشكلة من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية المختلفة تولت مراجعة هذه البطاقات لتفادى الأخطاء، بحيث أصبحت هناك بطاقات جديدة لا تتيح للزائر معرفة الجانب الفنى للقطعة فقط بل تقدم شرحًا تاريخيًا لها.

أما «دليل المتحف» فقد كانت به مشكلات حيث كان يباع باللغة العربية فقط، وبتكلفة مرتفعة تصل إلى ٤٠٠ جنيه، بينما يحتوى على تاريخ القطع الموجودة بالمتحف وليس تاريخ المتحف نفسه، ما كان يجعله غير مناسب، فجرى وضع أول «فلاير» للمتحف بواسطة الأمناء وطباعته داخل وزارة الآثار باللغتين العربية والإنجليزية، بحيث يحتوى وصفًا لقاعات المتحف، وشروط الزيارة، والمواعيد، ورسالة المتحف، وحتى طرق الوصول إليه، وهو جاهز للتوزيع على كل زوار المتحف مجانًا.

يقول «الشوكى»: «تم تدشين موقع إلكترونى جديد للمتحف، لأن الموقع القديم الذى أنشئ عام ٢٠٠٠ لم يعد مناسبًا الآن، وكذلك تدشين (موبايل أبليكيشن) باللغتين العربية والإنجليزية للمتحف - بالتعاون مع وزارة الاتصالات - لمعرفة كل ما يخص المتحف بداية من القطع المعروضة حسب الخامة، وتاريخ المتحف عبر العصور، وكل ما مر به حتى التفجير، وما حدث من تطوير، ومن خلاله سيتم إعلام المستخدمين بكل الفعاليات».

ومن التغييرات التكنولوجية الفريدة وجود «Scan QR» و«bar code» بجانب كل قطعة بما يتيح للزائر معرفة تاريخها، وكذلك خريطة المتحف، وأقرب الطرق للوصول له، ليكون بذلك أول متحف فى الشرق الأوسط به هذه الخدمات التكنولوجية.


جمع الآثار من التراب

شاركت هدى صالح، أخصائية بمتحف الفن الإسلامى منذ أكثر من ٢١ عامًا، فى عملية تطوير المتحف عام ٢٠١٠ فكان ما حدث فى التفجير محزنًا لها.

تقول «هدى»: «كنا لسه مفرحناش باللى عملناه.. لم تمر ٣ سنوات على عملية التطوير حتى وقع التفجير، فلم يترك شيئًا على حاله.. المعروضات الزجاجية كانت الأكثر تضررًا خاصة المشكاوات التى كانت داخل فتارين مفتوحة من أعلاها، والبوابات الخشبية أصيبت بشكل واسع».

أكثر القطع المدمرة كانت من الزجاج بنسبة تقرب من ٩٠٪ من حجم القطع المعروضة، فيما تضررت الأخشاب بنسبة ٧٥٪.

تحكى «هدى» المشهد من البداية: «أولى خطوات الإنقاذ كانت تأمين المتحف، لأن أسقفه سقطت، ولذلك كان يجب التعامل بحرص، لأنه كانت هناك قطع معلقة ومعرضة للسقوط فى أى لحظة مثل (التنانير) فتم تأمين المتحف، ثم بدأنا فى الدخول لرفع القطع الظاهرة، ثم رفع الركام لإنقاذ القطع المدمرة أسفله».

لم تكن هناك قطعة على حالها فتم تحديد مكان كل قطعة قبل الانفجار ليتم البحث عن بقاياها على مسافة ١٠٠ متر.

تقول: «قسّمنا أنفسنا (٣٩ مرممًا) لخمس مجموعات، الأولى للأخشاب، والثانية للزجاج، والثالثة للمخطوطات، والرابعة للعملات، والخامسة النسيج، وكل مجموعة تتسلم ما يخصها مما تم تجميعه لبدء أعمال الترميم مباشرة».

كانت مجموعة الزجاج تجمع الفتات و«تنخله» لفصله عن الأتربة وبقايا القطع الأخرى، ثم يتم الترميم على أساس أشكال القطع الموجودة فى السجلات.

تقول: «هناك بعض القطع استغرقت ٣ أشهر لتجميعها، ثم يتولى مرمم ترميمها فى مدة تصل إلى ٧ أشهر، وهناك قطع زجاجية ما زالت ترمم حتى الآن». أما القطع الخشبية فكانت مقسمة لمنقولات ثابتة وأخرى متحركة، الثابتة تتمثل فى المنابر والأسقف والمشربيات، أما المتحركة فهى القطع الموجودة فى فتارين العرض وكانت أقل تضررًا.

وبرغم تثبيت المنابر والأسقف والمشربيات بإحكام إلا أنها تضررت للغاية، فهناك محراب السيدة رقية الذى حدث له انفجار كامل تسبب فى تدمير الحشوات الداخلية له، ومحراب الحاكم بأمر الله الذى لم يتبق منه سوى قطع صغيرة جدًا.

هذه القطع تمثل أهمية كبرى لندرتها وقيمتها التاريخية، وهو ما جعلها محل اهتمام من الجميع، وقد استغرق ترميم كل قطعة مدة تقترب من الشهرين و«هى الآن موجودة فى العرض بحالة أفضل مما كانت عليه قبل التفجير».

تعتقد «هدى» أن الحب هو المحرك الأساسى للعاملين بالمتحف: «ترميم القطع بهذه الكفاءة حب أكثر منه تحديًا.. القطع الموجودة بالمتحف مثل أولادنا ولذلك كنا مصممين على إنقاذها.. كان تحديًا ممزوجًا بفخر.. عندما يتولى المرمم مسئولية قطعة عبارة عن ١٣٠ فتاتة ويقوم بإعادة جمعها وإرجاعها إلى صورتها الأولى يكون فى أسعد لحظاته ويظل يلتقط الصور بجانبها لأيام».

النتيجة لكل هذا الحب أن لدينا الآن متحفًا يشبه المتاحف الأوروبية فى طريقه عرضه بل يتفوق على بعضها. تقول: «المتحف جاهز للافتتاح ونحن نجرى صيانة دورية للمعروضات بشكل أسبوعى بسبب الجو المحيط بالمتحف المليء بالأتربة، ما يتسبب فى تراكمها داخل الفتارين على الرغم من إحكام غلقها».

وحتى هذه الفتارين أصبحت متطورة جدًا، حيث تحتوى على أجهزة قياس لدرجة الرطوبة بما يمكن من متابعة الجو المحيط بها للتدخل فى الوقت المطلوب لضبط درجة الرطوبة أو تغيير جهاز القياس.


السياحة وموعد الافتتاح

يذهب سعيد رمضان، رئيس قسم العملة بمتحف الفن الإسلامى، إلى عمله فى الثامنة من صباح كل يوم، غير أنه تلقى اتصالًا فى السادسة والنصف من صباح يوم الرابع والعشرين من يناير ٢٠١٤ حمل كارثة. يقول: «يومها اتصل بى صديق يعمل بالمتحف ليخبرنى بما حدث فلم أصدقه.. طلب منى تشغيل التليفزيون فشاهدت ما حدث ولا أستطيع شرح ما شعرت به، فالمتحف قبل أن يكون مكان عملنا هو بيتنا، ونقضى به من الوقت أكثر ما نقضيه مع أبنائنا فى منازلنا».

ويضيف: «الصدمة كانت شديدة على الجميع.. هناك من بكى وهناك من تماسك وظل يواسى أصدقائه.. أنا بشكل شخصى بقيت ٣ أيام أشعر أننى فى حلم.. كنت أذهب إلى المتحف وأنا أقول لنفسى المتحف سليم ولم يمسسه سوء وسأذهب لأجد الزوار يتجولون به». يروى «رمضان» ما حدث بعد ذلك: «قررنا أن نترك أحزاننا ونتعامل بشكل فورى لإنقاذ القطع الموجودة، خاصة أن الوضع الأمنى لم يكن قد استقر بعد وقتها، وكانت أمامنا تجربة متحف ملوى - الذى كان قد تعرض للتفجير وسرق منه بعدها ما يقرب من ١٠٠ قطعة - ماثلة أمامنا فلم نسمح بسرقة قطعة واحدة فى زحام التفجير، وذلك بقصر الدخول على أمناء المتحف فقط». بالفعل خلال وقت قصير كان كل مسئول عهدة قد تأكد منها، وحدد ما تضرر، وما لم يتم العثور عليه بعد. كانت العهدة الخاصة بـ«رمضان» تضم حوالى ٤٨ ألف قطعة وهو ما يقارب نصف ما يحتويه المتحف من آثار.

يقول: «فى عهدتى عملات من عصر ما قبل الإسلام، ولدينا قطع من كل أنحاء العالم.. من الهندوراس والبرازيل والأرجنتين وأوروجواى ومكة وفلسطين وحتى إسرائيل، وهناك قطع لملوك لا يتخيل أحد يكون قد ضُرِبَتْ فى عصرهم قطع نقدية خاصة بهم مثل قطز، وأكثر من ٢٠٠٠ قطعة للسلطان بيبرس، وطومان باى، وقنسوة الغورى، ودقات البندقية التى كانت تضرب فى إيطاليا فى ختام عصر المماليك».

كانت نسبة الضرر بعهدته أقل من غيرها لأن معظم هذه القطع مصنوع من المعدن، لكن أكبر مشكلة كانت ضياع قطعتين من دينار عبدالملك بن مروان الذى يعود تصنيعه لعام ٧٧ هـ، وهو من القطع النادرة جدًا ولا يوجد بالمتحف سوى نسختين منه.

استغرق البحث عن القطعتين بين الركام ما لا يقل عن عشرة أيام حتى تم العثور عليهما.

وقتها كانت مواقع التواصل الاجتماعى قد اتهمت بعض العاملين فى المتحف بسرقة الدينار بعد التفجير، وقال البعض إن الدينار تم تهريبه إلى خارج البلاد، لكن فى النهاية عثر عليه، وبعدها عقد مؤتمر صحفى فى عصر الوزير الأسبق، محمد إبراهيم، عرض به الدينار لإثبات عدم سرقته أو ضياعه.

يتحدث «رمضان» عن سيناريو العرض الجديد: «قبل التفجير كان العرض يضم ٢٤٥ قطعة معدنية فقط، ورأى البعض عدم عرض قطع ذهبية مرة أخرى خوفًا عليها، لكننى بعد التشاور مع مدير المتحف اتفقنا على ضرورة عرض الكنوز الموجودة والتى لا تتضمن قطعًا ذهبية فقط بل هناك قطع بها أحجار من الألماس النادر».

وعن المخاوف من تعرض هذه القطع الفريدة للسرقة يقول: «القطع ستكون فى أمان داخل فتارين العرض الخاصة بها، ثم إن هذه القطع ملك لأجيال قادمة يجب أن تشاهدها وتعرف عظمة العصر الإسلامى وما نتج عنه من تحف نادرة ولا يستطيع أحد أن يخفى هذه القطع عن العالم».

من أجل ذلك كانت هناك ضرورة لفتح قاعات جديدة مثل «قاعة الحياة اليومية» بما فيها من ملابس وأحذية وأدوات موسيقية ومجوهرات وأقدم عقود زواج تم التوصل إليها حتى الآن، وأقدم عقد لملكية منزل مكتوب على الخشب، و«قاعة العملات الذهبية» التى تضم ٢٢٤٨ قطعة من كل العصور بداية من عصور ما قبل الإسلام وحتى الجنيه الذهب من عصر محمد على، و«قاعة السلاح» وبها تحف نادرة جدًا منها أسلحة من الذهب الخالص وبعضها مرصع بالألماس.

ولـ«رمضان» علاقة خاصة بـ«متحف الفن الإسلامى» يرويها هو: «فى بداية عملى بالمتحف كنت مسئول أمن إلى أن انتبه إلىّ مدير المتحف الأسبق، الدكتور رفعت عبدالعظيم محمود، ووجد أننى أتحدث الفرنسية فنصحنى وقتها بدراسة الآثار وشجعنى، وبالفعل درستها وسأناقش الماجستير خلال الفترة المقبلة، وقد حصلت على ٤ مؤهلات عليا ٣ منها أثناء فترة عملى بالمتحف».

كما أن له قصة مع الآثار الإسلامية: «الآثار تربطنى بدينى بشكل أقوى.. أنا حافظ لكتاب الله كاملًا، ولهذا أشعر من خلال المتحف أننى أقدم رسالة بأن الإسلام دين عظيم وليس دين إرهاب أو قتل.. هو دين سماحة بدليل ما يحتويه المتحف من قطع من كل الأديان، فهناك معروضات عن اليهود والمسيحيين الذين عاشوا فى العصر الإيوبي».

وبرغم رغبته الشديدة فى إعادة فتح المتحف فى أسرع وقت إلا أنه يتمنى أن يكون ذلك متزامنًا مع رواج سياحى أكبر من الموجود حاليًا: «بذلنا مجهودًا كبيرًا حتى أصبح المتحف لا يقل فى أى شيء عن المتاحف العالمية.. نحن جاهزون للافتتاح بشكل كامل لكن نتمنى أن تكون السياحة مزدهرة ليرى الجميع هذا الإنجاز».


تاريخ ضد الانكسار

بدأت فكرة إنشاء متحف للفنون والآثار الإسلامية فى عصر الخديو إسماعيل عام ١٨٦٩، غير أنه نفذ فى عصر الخديو توفيق سنة ١٨٨٠، عندما قام فرانتز باشا (كبير مهندسى وزارة الأوقاف المصرية فى ذلك الوقت) بجمع التحف الأثرية التى ترجع إلى العصر الإسلامى فى الإيوان الشرقى لجامع الحاكم بأمر الله، الواقع فى منطقة الحسين.

ولما اكتشف فرانتز باشا ضيق المساحة فى صحن الجامع، استقر الرأى على بناء المبنى الحالى فى ميدان باب الخلق تحت مسمى «دار الآثار العربية»، وتم وضع حجر الأساس عام ١٨٩٩، وانتهى البناء عام ١٩٠٢، ثم نقلت التحف إليه.

وجرى تغيير مسمى «دار الآثار العربية» إلى «متحف الفن الإسلامي»، لأن الفن الإسلامى يشمل جميع أقاليم العالم الإسلامى، العربية وغير العربية، تحت رعاية الخلفاء والحكام المسلمين على امتداد الإمبراطورية الإسلامية، وكانت معروضاته موزعة حينها فى ثلاث وعشرين قاعة مقسمة حسب العصور والمواد.

أما افتتاح المبنى الحالى فكان فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى فى ٢٨ ديسمبر سنة ١٩٠٣، بحضور الأمير محمد على باشا، والأمير أحمد فؤاد (الملك فؤاد الأول فيما بعد)، ورياض باشا رئيس مجلس النظار (الوزراء)، واللورد كرومر، المندوب السامى البريطانى، وقناصل الدول الأجنبية، والشيخ حسونة النواوى، شيخ الجامع الأزهر، والإمام محمد عبده.

وظل عدد التحف يتزايد حتى وصل الآن إلى ١٠٠ ألف تحفة، وذلك عن طريق الجمع من المنشآت الأثرية وكذلك الحفائر، والشراء، والإهداءات.

ومر المتحف بمرحلة مهمة بين عامى ١٩٨٣ - ١٩٨٤، حيث تم توسيع مساحته وزيادة عدد القاعات حتى صارت ٢٥ قاعة.

وفى عام ٢٠٠٣ بدأت عمليات التطوير الشامل بالمتحف، حيث تم تغيير نظام العرض المتحفى بصفة عامة، كما تم بناء مبنى إدارى من ثلاثة طوابق يشتمل على مكاتب إدارية ومكتبة وقسم للترميم وقاعة محاضرات، وتم افتتاح المتحف فى أكتوبر ٢٠١٠ واستقبل بعد ذلك زيارات من جميع الأطياف، إلى أن وقع الانفجار المشئوم لينتصر المتحف عليه ويعود إلى بريقه من جديد.


«علاء الدين» والقميص السحرى

اهتم التطوير الجديد بالأطفال، فتم وضع دليل للمتحف خاص بهم، يروى قصة تحمل اسم «علاء الدين والقميص السحري».

القصة تدور حول «علاء الدين» الذى يحضر إلى المتحف للبحث عن «القميص السحري» لكى يعالج جده بـ«القوى السحرية» الموجودة به، وخلال رحلة البحث يلتقى بشخصيات تاريخية إسلامية من العلماء، والأدباء، حتى يصل لقاعة الطب رقم ٢٥، وهى القاعة التى يوجد بها القميص، وهناك يقابل «ابن سينا» الموجود فى مخطوط بنفس القاعة.

يبدأ «ابن سينا» بسؤاله عن سبب حضوره، وعندما يعلم السبب يدعوه لعدم تصديق الخرافات، وينصحه بالتعلم من قصص أجداده الموجودين بالمتحف، ويعلمه كيفية تغيير الواقع عن طريق العلم، وفى النهاية يقول له: «أنا فى انتظارك وأصدقائك فى متحف الفن الإسلامى لكى أروى لكم قصصًا عن أجدادكم».


 «منصور».. أخصائى أمن ومصور خاص لـ«المتحف الإسلامى»

ربما لا يمتلك من الأدوات ما يجعله المصور الخاص لأهم متحف للفن الإسلامى فى العالم، لكنه يملك من الشغف والإخلاص ما يجعله أفضل موثق لمراحل العمل بالمتحف بلا منازع.

«منصور» هو مصور متحف الفن الإسلامى بجانب وظيفته الأساسية.. تلك لم تكن وظيفته الأساسية لحظة وصوله المتحف، بل كان يعمل أخصائي أمن مثله مثل زملائه، غير أن شغفه الذى لاحظه رؤساؤه أهله لأن يحقق له حلمه القديم ويصبح «مصور المتحف الخاص».

ابتسامته الهادئة وأفكاره البراقة التى يعرضها يوميًا على الدكتور أحمد الشوكى، مدير المتحف، للنهوض بالخطة التسويقية، دفعت «الشوكى» لإصدار قرار بتغيير توصيفه الوظيفى من فرد أمن إلى مصور يسهم بشكل أساسى فى توثيق كل مراحل العمل بالمتحف منذ تعرضه للتفجير وحتى يومنا هذا.

يقول: «لا أستطيع وصف ما حدث خلال مرحلة التطوير لأن شهادتى مجروحة، لكنى أستطيع القول بأننى أشعر أننا لسنا فى مصر بل إننا تفوقنا على كل متاحف العالم فى النسخة الجديدة للمتحف، صحيح أننى لم أر متاحف عالمية لأننى لم أسافر خارج مصر من قبل ولكنى أسمع من كل من زار هذه المتاحف، وأعلم جيدًا أن متحف الفن الإسلامى تفوق عليها جميعًا، فمهما بلغت إمكانياتهم لن يمتلكوا ما نملكه نحن من انتماء وحب لهذا الكيان، فنحن بداية من الدكتور أحمد الشوكى، مدير المتحف، وحتى أصغر عامل به نمتلك حبًا للمكان ونعمل بتفان وروح واحدة تجعلنا نعطى للمتحف أكثر من مجرد قضاء ساعات العمل به».