الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة" تحقق في حقيقة التحالف "الروسي - الإيراني"

على هامش ضربات موسكو العسكرية من «قواعد طهران»

لتحالف الايراني الروسي
لتحالف الايراني الروسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعلنت وزارة الدفاع الروسية فى العشرين من أغسطس الجارى عن استخدام الأراضى الإيرانية، حيث استقرت قاذفات من طراز توبولوف ٢٢ ومقاتلات سوخوى ٣٤ فى قاعدة نوجه همدان غرب إيران، لتوجيه ضربات لأهداف سورية تمثلت فى حلب وإدلب ودير الزور. وعلى الرغم من عدم استمرار تلك الخطوة لأكثر من ثلاثة أيام إلا أنها لا تقتصر عند كونها مجرد خطوة فى المسار الصراعى المتأزم الذى تشهده سوريا، والذى تتشابك فيه المصالح الإقليمية والدولية، بل إنها جاءت لتحمل العديد من الدلالات المرتبطة بسياق إقليمى، بل وربما عالمى أوسع تتلاحق فيه التطورات لتؤكد على ديناميته فيما يعكس طبيعة العلاقات الدولية بشكل أوسع. 
فتلك هى المرة الأولى تاريخيًا التى تسمح فيها إيران باستخدام أراضيها عسكريًا لأى طرف أجنبى. وهو ما يفرض على طهران ضغوطًا داخلية من قِبَل بعض المعارضين، حيث طالب عشرون من نواب البرلمان الإيرانى، وفى مقدمتهم «محمد رضا» عضو المجلس الإسلامى، مناقشة تلك الخطوة استنادًا للحظر الدستورى الذى تؤكده المادة ١٤٦ والتى تحظر استخدام الأراضى الإيرانية من قبل أى قوة أجنبية «حتى ولو لأغراض سلمية». كما استند ذلك التيار المعارض إلى المادة ١٧٦ التى تحدد مسئوليات المجلس الأعلى للأمن القومى، ذلك أنه «ليس مخولًا بتقديم مثل هذه التنازلات لقوى أجنبية»، حيث يمكن للمجلس دراسة إمكانية التعاون وعمل توصيات لا يمكن تنفيذها إلا بمصادقة «مجلس الوزراء، ومجلس الشورى الإسلامى والمرشد الأعلى». لكن المتابع لهذه التطورات يلاحظ أن أيًا من الخطوات السالفة لم تحدث. وهو ما يعكس تجاهلًا للسياق المؤسسى المعتاد فى صياغة القرارات الاستراتيجية بإيران. الأمر الذى يدعم منطق تغليب المصلحة الاستراتيجية على الترتيبات المؤسسية طالما تتفق فى المقام الأول مع رؤية المرشد الأعلى «على خامنئى» الذى تربطه علاقات قديمة مع الروس، منذ أن أسس علاقات مع جهاز الاستخبارات الروسية «كى. جى. بى» منذ السنوات السابقة على الثورة الخمينية، باعتبار أن الاتحاد السوفيتى هو الجهة التى تضمن ضرب نظام الشاه الموالى للغرب كما يقول «محمد محسن سازغرا»، العضو السابق فى الحرس الثورى، والذى انشق لينتقل للعيش فى الولايات المتحدة. كما يعبر وزير الخارجية الإيرانى الأسبق، على أكبر ولايتى، عن تلك الرؤية الاستراتيجية حين يقول «إن النظر شرقًا كخيار استراتيجى هو نوع من الضمان. نعرف أن النظام القديم قد انهار، ولا أحد، ولو كان أكثر أهل الأرض حكمة، يعرف ماذا سيجرى غدًا، وفى أوقات عدم اليقين يكون من الحكمة والحصافة أن يكون لديك حليف قوى». وهو ما وجدته طهران فى موسكو. فالدولتان تحملان نفس الرؤية العدائية تجاه الولايات المتحدة، كما تتوافر لديهما الرغبة فى ملء الفراغ الناتج عن التراجع الأمريكى فى الشرق الأوسط بعد فشل الولايات المتحدة فى توجيه مجريات الأمور فى أزمات المنطقة. وبالإضافة لذلك تتلاقى الرؤى الروسية والإيرانية فى الأزمة السورية باعتبارها مسرحًا تتشابك وتتضارب فيه المصالح الإقليمية والدولية، فضلًا عن كونه المختبر الذى يتم من خلاله إعداد الشكل الجديد لتوازن القوى فى الشرق الأوسط وعملية توزيع النفوذ الجديدة بين جنباته. 
استنادًا إلى تلك الرؤية الاستراتيجية، لم تعبأ الحكومة الإيرانية بالأصوات الرافضة، حيث أعلن وزير الدفاع «حسين دهقان» بأنه لا صلة للبرلمان بمثل تلك الأمور، فهذا قرار النظام. فضلا عن الأصوات التى راحت تقلل من شأن تلك الخطوة حيث يعتبر المساعد القانونى لدهقان أنها مسألة لوجستية وليست مسألة استراتيجية. فيما نفى رئيس البرلمان، على لاريجانى، أن تكون إيران قد منحت روسيا قاعدة جوية على أراضيها. 
لكن على أي حال، فإن المؤكد هو التداعيات الاستراتيجية الدراماتيكية على الأزمة الكبرى التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط بكاملها. حيث نشرت وكالة «تاس» الروسية تقريرًا يضم آراء لعدد من الخبراء تحت عنوان «ضربة مزدوجة: روسيا وإيران تغيران الوضع العملى الاستراتيجى فى الشرق الأوسط». وهو نفس ما يذهب إليه الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى، على شمخانى، حين يقول «إن تعاون طهران وموسكو فى مواجهة الإرهاب فى سوريا يحمل طابعًا استراتيجيًا، علينا أن نوحد طاقاتنا وإمكانياتنا»، وهو ما لا يقتصر بالطبع على الموقف فى سوريا بقدر ما يتسع إلى الوضع العام فى الشرق الأوسط. كما يذهب إلى المعنى ذاته رئيس المجلس السياسى لحزب الله فى لبنان «إبراهيم أمين السيد» الذى يقول «إن المنطقة تشهد تغيرًا فى موازين القوى وإن المراهنات على نظام الأسد وسقوطه قد انتهت، ونشأ توازن جديد فى المنطقة بفعل الحضور الروسى القوى والتعاون والتنسيق بين روسيا وإيران». ذلك أن تموضع الطائرات الروسية فى القاعدة الإيرانية يسمح باختصار المسافة والوقت للقيام بعمليات ضد أهداف فى سوريا، إذ لم تكن القاذفات الاستراتيجية Ty٢٢m٣ قادرة على حمل أكثر من ٨-٩ أطنان من الذخيرة فى حين كانت تطير من «مزدوج» فى روسيا، فيما أصبحت بموجب ذلك التموضع فى إيران بوسعها حمل ٢١.٥ طن أى ٤٢ قنبلة من طراز OFAB-٢٥٠٢٧٠ وهو ما يريد من خلاله الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، أن يقول إنه حاضر وبقوة فى أى ترتيبات تخص أزمات الشرق الأوسط كلها. 
لم يقتصر التقارب الإيرانى - الروسى على تلك الثنائية بين البلدين، إذ يبرز المتغير التركى وطموح أردوغان للعب دور الفاعل والأكثر تأثيرًا بالمنطقة. وعلى الرغم من أن تلك الرغبة التركية ترجع عقب انتفاضات الربيع العربى والتى دشنتها زيارة الرئيس التركى لكل من مصر وتونس وليبيا فى عام ٢٠١٢، ومناورة أردوغان طوال سنوات الأزمة السورية واستغلال ورقة تنظيم الدولة الإسلامية، وكذا ورقة الإخوان المسلمين إقليميًا فضلًا عن ورقة اللاجئين فى مواجهة أوروبا، على الرغم من ذلك إلا أن تسارع وتيرة المساعى التركية قد تزامنت فى الآونة الأخيرة وبخاصة فى أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة فى منتصف يوليو المنصرم. وهو ما لا يبتعد بدوره عن إعلان أنقرة جديتها فى دعم مساعى التطبيع الكامل مع كل من إسرائيل وروسيا، والإعلان عن قرب عقد لقاء ثنائى بين بوتين وأردوغان، وهو حدث فعلًا فى سان بطرسبرغ، حيث دخل الاثنان فيما يمكن وصفه بالتحالف التكتيكى بغية لعب دور فى توازن العلاقات مع الغرب بالنسبة لكليهما. وهنا تأتى محاولة الانقلاب الفاشلة التى شهدتها تركيا لتسارع الخارجية الإيرانية بإعلان التضامن مع أردوغان ورفض المحاولة الانقلابية، إذ أشاد الرئيس الإيرانى حسن روحانى بـ«شجاعة الأتراك» فى مواجهة الانقلاب، مشيرًا إلى أن استقرار البلدان الإسلامية لا يروق لبعض الدول الكبرى. وهو ما قابله رئيس الوزراء التركى، بن على يلدريم، بأن تركيا وإيران تعرفان جيدًا كيف يمكن حل مشاكل المنطقة، وأن بلاده ستعمل مع إيران على حل مشكلة سوريا. وفى الحادى والعشرين من أغسطس استقبلت تركيا زيارة وزير الخارجية الإيرانى «جواد ظريف» مع الإعلان عن زيارة مرتقبة لأردوغان إلى إيران. 
وفى القلب من تلك التطورات الطارئة على منظومة التوازن الاستراتيجى بمنطقة الشرق الأوسط، لا تزال الدول العربية لديها الفرصة لاستدراك ما فاتها من التموضع فى قلب معادلة التأثير من خلال ما تمتلك من أوراق ضغط، سواء على أضلاع ذلك التحالف المرحلى، أو ما تحققه من تقدم على الأرض من خلال قوات التحالف العربى، وبذل المزيد من الجهد فى توحيد رؤية عربية لمواجهة أزمات المنطقة وليس السورية أو اليمنية فحسب. 
أى مستقبل لهذا التحالف؟!
أما فيما يخص مستقبل ذلك التقارب الروسى - الإيرانى فإنه بالطبع يواجه من العوائق أكثر مما تتوافر لديه من فرص للاستمرار. فعلى الرغم من حرص الطرفين على توثيق التعاون فيما بينهما، ولعل آخر مظاهر ذلك هو توقيع طهران على أكبر صفقة لشراء صواريخ S٣٠٠ المضادة للطائرات، وبدء موسكو بالفعل فى تركيب تلك المنظومة، فضلًا عن زيادة أعداد الطلاب الإيرانيين الدارسين فى روسيا على حساب التوجه نحو أوروبا، إلا أن الطابع البراجماتى لتلك العلاقات لا يمنع المدركات السلبية بين الطرفين بما يجعل من ذلك التقارب الروسى الإيرانى قصير المدى مرهونًا بتقارب المصالح تجاه أزمات الشرق الأوسط مع إمكانية الصدام مستقبلًا. إذ لا يكفى الاتفاق المرحلى على ضرورة الإبقاء على بشار الأسد، أو مواجهة الولايات المتحدة التى تنشغل فى الانتخابات الرئاسية وانتظار الساكن الجديد للبيت الأبيض، بما يجعل إدارة أوباما غير منخرطة بنفس القوة فى قضايا الشرق الأوسط. فهناك من القضايا الخلافية ما قد يجعل من احتمالات الصدام واردة يومًا ما. وليس أدل على ذلك من القضايا الخلافية حول موارد بحر قزوين. فعلى الرغم من سعى موسكو وطهران لتعزيز علاقات التعاون فى تلك المنطقة من خلال تكثيف المحادثات الخاصة بإقامة (ممر الشمال - الجنوب) للنقل الذى سيمر جزء منه على طول الساحل الغربى لبحر قزوين من روسيا إلى إيران عبر الأراضى الأذربيجانية وفقًا لإعلان السفير الإيرانى لدى روسيا. على الرغم من ذلك إلا أن الدبلوماسية الإيرانية مُنِيَت بانتكاسة كبيرة فى هذا الملف حينما استقرت ثلاث من دول المنطقة هى روسيا وأذربيجان وكازاخستان على اعتماد رؤية قانونية مغايرة للرؤية الإيرانية حول طبيعة بحر قزوين. 
فضلًا عن ذلك تأتى المدركات السلبية التى يحملها كلا الطرفين تجاه الآخر منذ أن وقعت الإمبراطوريتان الروسية والفارسية على معاهدة تركمان شاى عام ١٨٢٨ لترسيم الحدود فيما بينهما، وأُجبرت القوات الفارسية على التخلى عن مساحات كبيرة لصالح روسيا، وهو أمر ما زال حاضرًا فى أذهان الكثير من الإيرانيين، الذين يعتبرونه تسوية غير عادلة. أما حاليًا فعلى الرغم من التعاون النووى بين موسكو وطهران إلا أن مدير البرنامج النووى الإيرانى «غلام رضا باقر زاده» يؤكد أن الروس يلعبون بورقة إيران لضمان بعض التنازلات من الولايات المتحدة، وروسيا لا تنوى السماح لإيران بامتلاك صناعة نووية حقيقية. فضلًا عما نقله الموقع الإلكترونى للتليفزيون الإيرانى الرسمى فى الثانى والعشرين من أغسطس عن الجنرال حسين دهقان قوله «الروس يسعون لإظهار أنهم قوة عظمى». 
أما فى موسكو فتتعالى أصوات التحذير من عواقب التقارب مع إيران وحزب الله والنظام السورى، ودعم التوجه الإقصائى للدول السنية مما يعنى خسارة الشرق الأوسط ككل. وهنا يجد الضلع الأخير فى ذلك التحالف الاستراتيجى الثلاثى (موسكو، أنقرة، طهران) نفسه فى مأزق التضحية بعلاقاته مع دول الخليج. 
على الجانب الآخر تأتى الولايات المتحدة لتضيف تحديًا إضافيًا من خلال ما تمتلكه من أوراق للضغط على أطراف ذلك التحالف والذى يعتمد فى قوته على ترتيب أوضاع أطرافه فى اللعبة. فإيران لا يكفيها ما حققته من مكاسب فى إطار المفاوضات النووية، بقدر ما يتوقف مستقبل وجودها بالمنطقة على التطورات على أرض الواقع العملياتى فى كل من سوريا والعراق واليمن. الأمر الذى يجعل الولايات المتحدة حاضرة من خلال ما توفره لدعم العمليات التى تقودها فى إطار التحالف الدولى لتأمين مصالحها. وهو الحال نفسه بالنسبة لتركيا حيث تجتهد واشنطن لتفعيل ما لديها من أوراق متعددة فى مقدمتها القضية الكردية التى تعتمد عليها واشنطن فى حربها المزعومة ضد تنظيم «داعش» وغير ذلك من ملفات يحتفظ بها الأمريكان فى مواجهة طموحات أردوغان، وليس بآخر تلك الملفات ذلك الدعم الأمريكى الظاهر للمعارضة التركية وفى مقدمتها حركة «الخدمة» بقيادة «فتح الله كولن» المقيم بالولايات المتحدة، وما يثار عن صلة واشنطن بالمحاولة الانقلابية الفاشلة لكبح جماح طموحات أردوغان، وصولا إلى محاولات الشد والجذب بغرض التأثير على ثبات ومتانة محور (موسكو، أنقرة، طهران) وهنا يجد بوتين نفسه مرهونًا فى قوة حضوره وفاعليته بالمنطقة على قوة حلفائه.