الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

فوضى دكاكين التحاليل الخاصة.. شبهات وشائعات تطارد 10 آلاف معمل بالمحافظات.. متخصصون: معظمها بدون رقابة أو ترخيص من وزارة الصحة.. ومصادر: كوارثها بالجملة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ادفع 750 جنيهًا رسوما وأسس معملا "خصوصي" للتحاليل، في الغالب نشاطه مفتوح " تحليل أي شيء عن كل شيء"، والأسعار حسب العينة وخطورة الفيروس، الأرقام تشير إلى أن هناك ما يقرب من 10 آلاف معمل تحاليل في المحافظات، معظمها بدون رقابة وبدون ترخيص من وزارة الصحة في صورة أقرب إلى الفوضى، نصف هذا المعامل مطاردة بالشائعات والاتهامات، والنصف الأخر غارق في الكوارث والأزمات. 


الحيرة، وليس غيرها بديل، انتابتنا ونحن نختار كلمات السطور لنصف بها حالة معامل التحاليل التي تغزو مدن وقرى مصر، والمسجل منها بـ" إدارة التراخيص بـوزارة الصحة" أو غير المرخص مما يمكن أن نسميه "دكان" تحاليل أو معمل تحليل "بير السلم"، الوضع باختصار ظاهرة أقل ما توصف بـ "الفوضى" التي كثيرا ما تؤدي إلى "كارثة" طبية، عندما تظهر نتيجة تحليل مريض بأنه مصاب بمرض خطير كالإيدز أو فيروس سي، بينما هو سليم وغير مصاب، والعكس صحيح فقد يكون المريض مصاب ولا يظهر ذلك في التحليل خاصة في المعامل الخاصة.
نذكر ما حدث مع لاعب بوركينا فاسو المحترف في نادي الجونة أحمد توريه، الذي تم التعاقد معه بعد تقديم نتيجة تحليل طبي غير دقيق يقول: إنه غير مصاب بأي أمراض مستعصية بينما تم الكشف عن إصابته بالإيدز عند إعادة التحليل في معمل آخر، والحوادث كثيرة لا تنتهي لمرضى ربما زادت نتيجة التحليل الخاطئة حالتهم النفسية سوءا بما يؤثر على حالتهم الصحية، وكل تلك الفوضى سببها عمل غير المختصين في هذا المجال في غياب لدور وزارة الصحة الرقابي، على تلك "الدكاكين" التي تبلغ نحو 10 آلاف معمل.
الدكتور حسام عبد الرحمن شحاتة، مدير عام الباثولوجيا الإكلينيكية بالمعامل المركزية لوزارة الصحة، أجرى دراسة عن وضع المعامل في مصر، و كشف أن عدد معامل التحاليل الطبية المنفردة التابعة للقطاع الخاص يقدر بنحو7512، فيما يبلغ عدد المرخص منها 6952، إضافة إلى عدد آخر غير معلوم من معامل التحاليل الطبية الخاصة، وبذلك يبلغ عدد مقدمي خدمة التحاليل الطبية من القطاع الحكومي نحو1323 جهة، فيما يقدر عددها في القطاع الخاص بنحو8777 معملا، وهناك تقدير بأن معملا واحدا يخدم كل 13 ألف مصري، وهذا يعنى أن 20% من المعامل غير مرخصة أغلبها في العشوائيات والقرى الأكثر فقرا، حيث تنمو المعامل بمعدل يصل إلى 200 معمل سنويًا، ويتم إغلاق 87 معملا كل سنة، إما لعدم وجود الطبيب المختص صاحب التراخيص أو لمزاولة نشاط غير مسموح به أي أن يكون الترخيص مخصصا لتحاليل الكيمياء الحيوية الطبية، ما يهدد حياة 49 مليون مريض يترددون على ما يقرب من 1700 مستشفى حكومى وخاص طبقًا لإحصاء وزارة الصحة، وأن أغلب تلك المعامل لا تتعامل سوى مع الفقراء في أكثر من 1200 منطقة عشوائية، و5 آلاف قرية هي الأكثر تضررا من تلك الفوضى. 
وأكدت الدراسة، أن من ضمن الأشياء التي تساعد في انتشار تلك الفوضى، سهولة الترخيص الذي لا تتجاوز رسومه 750 جنيها، طبقا لإجراءات قانون 367 لسنة 1954 والذي يتيح ممارسة تلك المهنة للأطباء البشريين خلال شهرين على الأكثر، وغيرهم من خريجي الصيدلة والطب البيطري والعلوم والزراعة دراسي الأقسام ذات الصلة بالكيمياء والباثولوجي أما تحت اشراف طبيب بشري أو بعد رفع دعوى قضائية تختصم وازرة الصحة لإجبارها على استصدار ترخيص لمزاولة المهنة.
وفي رحلة بحثنا عن حقيقة عمل تلك المعامل وكيفية إنشائها وجدنا أن بعض المواقع العلمية الإلكترونية بدأت في تقديم دراسات جدوى لإنشاء معامل تحاليل صغيرة، تكلف نحو 11 ألف جنيه، يمكنك بها الاعتماد على الأجهزة الضرورية، مثل جهاز "اسبكتروفتوميتر "جهاز مستعمل بحالة جيدة من الممكن أن يكون Jenway 6051 أو Spectrophotometer 721 يصل سعره نحو 4000 جنيه مصري، وميكروسكوب جديد صيني 1200 جنيه، وجهاز سنترفيوج جديد صيني 300 جنيه، إضافة إلى حضانة 10 لترات مستعملة سعرها 400 جنيه، وجهاز ميكروبيبت جديدة (10-100) و(100 - 1000) 2*450 بنحو 900 جنيه، هذا غير مجموعة الكيماويات التي يصل سعرها إلى نحو 1500 جنيه، وبعض المستلزمات الأخرى كالقطن والسرنجات وغيرها، وهي لن تتعدى 1000 جنيه، وثلاجة مستعملة 12 قدمًا نحو 650 جنيها، وجهاز كمبيوتر مستعمل نحو 500 جنيه، وجهاز طابعة ليزر جديدة 500 جنيه، بإجمالي نحو 11000 جنيه تكاليف غرفة المعمل فقط.


والملاحظ، أنه لا تمر أشهر معدودة إلا ويتم جني الأرباح وتعويض رأس المال، حيث تتراوح تكلفة التحليل ما بين 25 -800 جنيه حسب نوع التحليل وخطورة المرض بداية من تحليل البول والدم نهاية إلى تحليل الإيدز وفيروس "سي"، ولا يشجع أصحاب تلك المعامل على فتحها والهروب من الإهمال والخطأ حال وقوعه إلا غياب العقوبة الرادعة حيث أن قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 في المادة 238 حدد العقوبة بالحبس سنة أو غرامة 200 جنيه أو كليهما لمن يتسبب في الموت الخطأ أو الإصابة الخطأ حبس سنة أو غرامة لا تزيد عن 200 جنيه، حتى عندما تم تغليظ العقوبة في المادة 153 من قانون 2004 والخاص بالمنشآت الطبية غير المرخصة غرامة 20 ألف جنيه، والسجن عام لصاحب المعمل المخالف، وتكون المخالفة في معظم الأحيان من حيث المختص بسحب العينات حيث يلجأ هؤلاء إلى الحاصلين على دبلوم فني أو خريجي المؤهلات العليا ممن تم تدريبهم لعدة شهور في أحد المعامل الأخرى، وأحيانا تكون المخالفات بسبب غياب التجهيزات الطبية اللازمة أو إجراءات الوقاية من العدوى. 
وكشف د. "أحمد شوشة" عضو مجلس نقابة الأطباء، أن هناك مبدأ يوضح الخلل الحاصل وهو المعمول به في الطب "معصومية الجسد البشري" بمعنى أنه من يحق له التعامل مع جسم المريض لأي سبب كان سواء توقيع الكشف أو سحب عينات لإجراء التحاليل الطبية هو الطبيب البشري، لأنه الوحيد بحكم تخصصه القادر على فهم حالة المريض والتعامل معها على أفضل وجه.
وأضاف "شوشة" أن الحل الوحيد للتوفيق بين مواد القانون الجديد الذي تصر نقابة الأطباء عليه وتسعى لإقراره من البرلمان بجعل ممارسة تلك المهنة قاصرا على الأطباء البشريين فقط، وبين الواقع الذي يقول إن المسيطرين على تلك المهنة من خارجهم، هو أن يلتزم الأطباء بتوجيه المريض إلى معامل يعمل فيها أطباء بشريين وليست مسجلة باسم طبيب بشري فقط، وتكون الأعمال المساعدة متاحة لباقي التخصصات سواء طب بيطري أو صيدلة أو حتى علوم مثل قراءة العدادات وغيرها.
وطالب عضو مجلس النقابة، بأن يتم تغليظ العقوبة على المخطئين من أصحاب تلك المعامل التي تعمل بطريقة عشوائية، ويتم محاسبتهم على أن الخطأ يصل لدرجة الجناية وليست الجنحة فتغلظ عقوبة السجن والغرامة.
وفي الجانب المعارض استنكر د. "سامي طه" نقيب البيطريين سابقا، ما يثار في الآونة الأخيرة حول عدم أحقية أي تخصص طبي في فتح معامل التحاليل وجعلها قاصرة على فئة الأطباء البشريين، منوها إلى أن مقولة أن الطبيب البشري هو فقط المسئول عن صحة الإنسان مخالفة للعلم والواقع، فالبيطريين يقاومون مع الأطباء البشريين ما يرقب من 220 مرضا منهم على سبيل المثال لا الحصر الإيبولا وإنفلوانزا الطيور وحمى الوادي المتصدع، وغيرها من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان ناهيك عن اختراع الأدوية الجديدة لابد أن يمر في التجارب على الحيوان.
وأشار النقيب السابق، لا ينقصهم العلم الذي يمكنهم من تطبيقه في عمل التحليل الطبي فهم يدرسون نحو 70% من تخصصات الطب البشري، لدرجة جعلت كلية طب أسيوط توحد الأقسام، كاشفا عن أن مهنة التحليل ليست كما تدعي الدكتورة "منى مينا" حكر على البشريين فقط، لكنها كما حددها قانون 54 كليات الطب البشري والبيطري والصيدلة والعلوم والزراعة، وأن 80% من أصحاب المعامل هم في الأساس بيطريين.
وشدد "طه" أن الحل الذي ينهي الخلاف بين كل تلك الجهات هو في الشخص الذي يسحب العينة، وليكن طبيب بشري يسحبها في المستشفى أو عيادته الخاصة ثم يرسلها إلى المعمل، مشددا على أن تنوع تخصصات العاملين في مجال التحاليل الطبية مفيد في تعدد الرقابة في هذا المجال بحصي لا تصبح نقابة الأطباء فقط هي من تحاسب أطبائها على حالات الخطأ والإهمال، وهذا نادرا ما يحدث.