الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحكومة بين فتنة المعارضين وحماقة المؤيدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أسوأ ما فى غرائزنا النفسية والسياسية، شهوة الطواف حول خطايانا، وشبق الرغبة الحمقاء فى التحريض على الفوضى، وإدمان البعض منا امتطاء صهوة الخراب بدعوى الثورة على الأوضاع السائدة، فنحن إذن صرنا بإرادتنا عبيدا لتلك الغرائز، شيدنا لها فى أحراش نفوسنا الموبوءة وخرائب ضمائرنا الميتة أضرحة ومقامات.. رحنا نتبرك بها، نشد الرحال صوب قبلتها بلا موعد أو مناسبة، لنمارس شهوة المجون والفجور فى أوكارها، كأننا نغتسل من ذنوبنا فى محراب الفضيلة، كما أن بعضنا راحوا يرتادون حلقات الذكر فى ساحات أقطابها من حاملى وصايا البيت الأبيض، ويتقربون من مجالس شيوخ التبشير الدائم بها، فأصبحنا، دون أن ندرى، مجاذيب ودراويش، هائمين على وجوهنا، نقص على أنفسنا كرامات المقامات التى شيدناها من أوهامنا، ننسج الروايات الزائفة الخادعة من خيالنا المعطوب عن فضائل التخريب، ظللنا نردد، بلا روية، خرافات نخبة الخيبة القوية، وصراخ الصبية المأجورين، ومن فرط سذاجتنا صدقنا أنهم «وطنيون»، بل رقص كثيرون طربا على ذكر صنيعهم فى كل سامر، وفى النهاية جنينا جميعا ثمار ما زرعناه بأيدينا من خراب على امتداد الوطن، هذا جرى لنا عندما تصورنا أن الفوضى ستحل لنا مشكلاتنا المزمنة وتعالج أمراضنا المتوطنة، لكننا استيقظنا على كابوس مزعج مخيف، ضاعف من أمراضنا الاقتصادية وكشف المزيد من عوراتنا السياسية.
إن شهوة الرغبة فى الظهور على المسرح الهزلى، وراء ركوب دعاة الفوضى، موجة الغضب الشعبى من فشل الحكومة فى تلبية المطالب الحياتية وعدم قدرتها على ترجمة طموحات القيادة السياسية، فراح هؤلاء ينفخون فى نيران الفتنة بالصراخ فى الفضائيات للتحريض ضد نظام الحكم، تحت دعاوى الدفاع عن حقوق الفقراء وغير القادرين، رغم أن غالبيتهم، دون مبالغة، يقطنون القصور الفخمة ويركبون السيارات الفارهة ولديهم حسابات بملايين الدولارات، لكن الحديث عن الفقراء مجرد وسيلة تهدف إلى التحريض لتحقيق غاية لهم.
قطعا، لا يعرف البسطاء من هذا الشعب ما يروج له المحسوبون على النخبة من رؤى شيطانية تخريبية، تحتوى على تدابير بغيضة، لإثارة الفوضى فى البلاد، فى محاولة من جانبهم لاستغلال معاناة الشريحة الكبرى التى تئن من الأوضاع الاقتصادية المتردية، وتدنى الأحوال الاجتماعية والمعيشية البائسة، رغم أنهم (أى البسطاء) لا يرون فى غمرة غضبهم من حجم المعاناة وقسوة ضغوط الحياة، أبعاد تلك التدابير وما ترمى إليه، إلا أنهم يدركون، بحكم أسباب المعاناة، أن التحريض على الفوضى سيقضى على ما تبقى لهم من أمل. 
نعم.. هناك معاناة لدى الغالبية، ومن يقفز على هذا الواقع مجاف للحقيقة، نعم.. نحن أمام حكومة أدمنت الفشل، وليس لديها أدنى إحساس بالمسئولية السياسية تجاه مواطنيها.. لكن هذا لا يمنح المبرر لتكرار خطايانا التى ندفع ثمنها، فجميعنا بمن فينا جوقة المخربين يعلم أن الإصلاح الاقتصادى الذى تندرج تحت شماعته معاناتنا، هو الدواء المر، إذا لم نتجرعه فسنموت، كما أننا نعلم أن سداد فاتورته ستكون باهظة وتفوق قدرة الكثيرين على تحمله، لكن فى ذات الوقت لا يمكن لأى أحد الصمت أمام تجاهل الحكومة للاحتياجات الضرورية لحياة الناس، فهى لا بد أن تسير بالتوازى مع المضى فى طريق الإصلاح، لذا أصبح ضروريا حث الحكومة على إعلان الحرب ضد الفساد للقضاء عليه، فالحرب على هذا الديناصور الذى دهس مقدراتنا، هى كلمة السر للإصلاح الحقيقى فى هذا البلد خصوصا بعد أن توافرت الإرادة السياسية لمواجهته ووضعه فى مقدمة أولويات الدولة. 
فى هذا السياق، أرى من الضرورى إلقاء الضوء على بعض الأمور التى تحمل وجهة نظر متواضعة.. جميعنا يشكو من الارتفاع الجنونى فى فواتير الخدمات الأساسية «كهرباء- مياه- غاز»، وجميعنا يوجه الاتهامات إلى الحكومة بأنها لا تراعى محدودى وعديمى الدخل فى قراراتها، وهذه حقيقة دامغة لا ينكرها إلا المتطوعون للرقص على موائد الحكومة بمقابل معلوم، فلو الحكومة قوية وتعرف مسئولياتها ما كان الغضب فى النفوس، فهى حكومة فشلت فى إنهاء جميع الملفات المفتوحة، فصارت معوقة لأى طموحات، فقد كان عليها قبل اتخاذ قراراتها برفع الدعم تدريجيا، القيام بواجباتها فى تفعيل دور الرقابة على الأسواق، والقضاء على جشع مافيا احتكار السلع ممن يتحكمون فى الأسواق، أو الإعلان بشفافية عن عدم قدرتها على مواجهة هيئة المنتفعين من الخراب، بدلا من صمتها المريب تجاه التصدى لشبكات التربح من معاناة البشر عبر رفع أسعار السلع دون ضابط أو رابط، فالارتفاع الجنونى غير المسئول وراء التهام قرابة ٤٠٪ من دخول المواطنين، وهذه حقيقة يعلمها القاصى والدانى، وإن كانت الحكومة لا تعلم، فلا يجب الاكتفاء بإقالتها فقط، بل يجب تعليق أعضائها على المشانق دون محاكمات، كى يصبح كل منهم عبرة للمسئول الذى لا يعى حدود واجباته.
فلو أن هناك تفعيلا للقانون ضد الفاسدين ما كان هناك ضجر من ارتفاع قيمة فواتير الخدمات الأساسية، لأنه ببساطة سيتم توفير ما يلتهمه التجار والمحظوظون من جيوب غالبية الشعب، وهذا أكثر بكثير من قيمة الفواتير لو كنتم لا تعلمون.
إن الاعتراف بالخطأ أصبح فريضة غائبة، لا يقوى على أدائها بنفس راضية سوى من أدمنوا الطواف حول الوطن والتبرك بترابه الطاهر والارتواء من ماء النيل «نهر العسل فى الجنة»، لكن لا أحد الآن لديه جرأة الاغتسال من لهو الصبية والموتورين من دعاة الحقيقة المطلقة والوطنية المطلقة، كل يرى أن وجهة نظره فى قضايا الشأن العام تمثل رؤية وطنية لا يقترب منها الشك وما عداها يتسم بالخيانة، وعدم الوطنية، أما الأكثر فجاجة من هذا كله فتلك التصورات التى ترسخت فى الأذهان عن مفهوم الوطنية، فهى تعنى فى أدبيات الكثيرين المعارضة على طول الخط، أو التأييد على طول الخط، مهما تغيرت الأنظمة، ومهما تعاقبت الحكومات، فالمعارضة لا تكف عن الطعن فى السياسات، ولو كانت هادفة وصادقة، فمثل هذه النوعية من الفئة المحسوبة على النخبة لن يكون لها وجود فى المشهد دون ضجيج. كما أن المؤيدين لنظام الحكم على طول الخط يمارسون نفس القبح الذى يمارسه المعارضون، فهم يرقصون لكل قرارات الحكومة، ولو كانت جائرة، ظنا منهم أنهم يدعمون النظام، رغم أنهم يسيئون للنظام أكثر من غيرهم، يمارسون دفاعهم بجهل على طريقة الدبة التى قتلت صاحبها، هؤلاء يطالبون الناس بعدم التألم من سياسات الحكومة حتى لا نصبح مثل سوريا والعراق، يفعلون هذا دون إدراك بأنهم يسيئون لبلد تجاوز هذه المخاوف بيقظة رئيسه وعمله على دحر المخاطر، فضلا عن أن هؤلاء يطعنون بحماقة فى قدرة مؤسسة عقيدتها حماية الوطن من أى عبث.. فبئس تدابير المعارضين للتحريض، وبئس حماقة المؤيدين فى التطبيل بلا وعى.