في أعقاب وفاة هارون الرشيد عام "809" ميلادية في خراسان، أُخذت البيعة لابنه الأمين وفقاً لوصية والده التي نصت أيضاً أن يخلف المأمون أخاه الأمين، إلا أن الخليفة الجديد سريعاً ما خلع أخاه من ولاية العهد وعين ابنه موسى الناطق بالحق ولياً للعهد، وكان المأمون آنذاك في خراسان، فلما علم بأن أخاه قد خلعه، أخذ البيعة من أهالي خراسان وتوجه بجيش لمحاربة أخيه، وقد استمرت الحروب بينهما أربع سنوات، إلى أن استطاع المأمون محاصرة بغداد والتغلب على الأمين وقتله عام 813 ميلادية، ويظفر بالخلافة.
اشتهر عهد المأمون بتشجيع مطلق للعلوم من فلسفة، وطب، ورياضيات، وفلك، واهتمام خاص بعلوم اليونان، وقد أسس الخليفة عام 830 ميلادية جامعة بيت الحكمة في بغداد، والتي كانت من كبريات جامعات عصرها، واخترع في عهده الاسطرلاب وعدد من الآلات التقنية الأخرى، وحاول العلماء قياس محيط الأرض ما يدل على الاعتراف بكرويتها من ناحية وتطور العلوم من ناحية ثانية؛ وقد تكون عمليات الترجمة التي رعاها هو وحاشيته وولاته، أبرز سمات عهده، إذ نقلت خلالها العلوم والآداب السريانية والفارسية واليونانية إلى العربية، واكتسبت من خلاله اللغة العربية مكانة مرموقة، إذ تحولت من لغة شعر وأدب فحسب إلى لغة علم وفلسفة؛ وكذلك فقد ساهمت عمليات الترجمة في إرساء منسوب ثقافي عال في الدولة.
عهد المأمون بولاية العهد قسطاً من الزمن لعلي الرضا، وأخذ الشعار الأخضر بدلا من الشعار الأسود، ثم عاد إلى شعار بني العباس الأسود وعين أخاه وليا للعهد، وزار مصر ودمشق والجزيرة السورية وتوفي ودفن بطرسوس شمال بلاد الشام وأخذت البيعة لأخاه محمد المعتصم بالله، واستمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما افتتحها سلفه المأمون.
