الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أردوغان وزواج المتعة مع الروس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من غير المستبعد، لا بل المؤكد، أن الرئيس رجب طيب أردوغان، بحكم اهتماماته الرئيسية، وبحكم انخراطه فى العمل السياسى مبكرًا، يعرف أن الرئيس سليمان ديميريل، عندما زار دمشق فى عام ١٩٩٣، سأل حافظ الأسد: «لماذا تدعمون التمرد الكردى الذى يقتل كثيرًا من أبناء تركيا؟».
وكان جواب حافظ الأسد: «إننا لا نعرف عن هذا الشخص شيئًا، ويبدو أنَّ هذه المعلومات مصدرها جهات معادية لسوريا بسبب مواقفها القومية وتوجهاتها التقدمية»، وكان رد ديميريل: «إننا متأكدون من معلوماتنا، وهذا هو رقم هاتف أوجلان، وهذا عنوان بيته فى دمشق».
لكن حافظ الأسد أصر على ما قاله، وذلك مع أن حزب العمال الكردستانى - التركى (بى كا كا) كان يشارك فى حكم سوريا فى تلك الفترة من عقد تسعينيات القرن الماضى بصلاحيات من الرئيس السورى السابق نفسه، وفقًا لتاجر السلاح مروان زركى الذى توفى فى عام ٢٠١٠، والذى كان يتولى ترتيب شئون أوجلان، وكانت تربطه علاقات تعاون مع قدرى جميل الذى احتل لاحقًا منصب رئيس الوزراء السورى، ويحسب الآن على المعارضة السورية!!
لقد كان حزب العمال الكردستانى - التركى، الذى تأسس فى عام ١٩٧٨ بمبادرة من المخابرات السوفيتية (كى جى بي) والمخابرات السورية كما يقال، قد أصبح قوة تعدادها أكثر من عشرة آلاف مقاتل، ولها معسكرات تدريب فى منطقة البقاع اللبنانى المسيطرة عليها سوريا، هذا بالإضافة إلى قواعدها على الحدود السورية - التركية، ولها أيضًا قسمٌ فى سجن «عذرا» السورى كانت تخصصه للمناوئين لهذا الحزب ولزعيمه.
كان أوجلان فى تلك الفترة قد أصبح شخصية مرموقة، وكان يستقبل فى بهو (صالون) بيته فى دمشق، الذى كانت تزين جداره الرئيسى صورة كبيرة لحافظ الأسد وهو باللباس العسكرى، الكثير من القيادات الكردية من تركيا والعراق وإيران، وبالطبع من سوريا، كما كان يستقبل السفراء المعتمدين فى العاصمة السورية، وكل هذا بالإضافة إلى بعض القيادات الفلسطينية، وبعض قيادات «حركات التحرر» العربية وغير العربية، وكان أيضًا دائم الحركة بين دمشق وبيروت وموسكو، وبين هذه العواصم وبعض العواصم الغربية.
وهكذا، فإن سليمان ديميريل لم يجد بُدًا، بعدما سمع من حافظ الأسد ما سمعه خلال زيارة دمشق الآنفة الذكر فى عام ١٩٩٣، وما بقى يسمعه بعدها، من أن يوجه إنذارًا قاطعًا مانعًا، خلال افتتاح إحدى دورات البرلمان التركى فى عام ١٩٩٨، بأنه إن لم يسلِّم نظام دمشق عبدالله أوجلان إلى تركيا، فإن أنقرة ستكون مضطرة للدفاع عن نفسها. وهنا، فإن ما أعطى هذه الرسالة التى وجهها الرئيس التركى الأسبق إلى الرئيس السورى السابق بُعدًا تهديديًا هو حشد قوات تركية كبيرة على الحدود بين البلدين.
وحقيقة أن الأمور لم تقف عند حدّ هذا الاستنفار العسكرى، بل تعدته إلى تهديد حازم باجتياح سوريا أبلغه ديميريل إلى العاهل الأردنى الراحل الحسين بن طلال، وإلى الرئيس المصرى حسنى مبارك، فما كان من حافظ الأسد إلا أن أذعن واستجاب لهذا التهديد، وبادر إلى طرد أوجلان من دمشق فى عام ١٩٩٨، حيث تم إلقاء القبض عليه فى العاصمة الكينية نيروبى فى عام ١٩٩٩، وجرى نقله إلى إسطنبول، وحُوكم بتهمة الخيانة العظمى، وصدر بحقه حكم بالإعدام، تحول لاحقًا إلى السجن المؤبد فى سجن «إمرالي».
المهم أن ما يجب أن يتوقف عنده الرئيس رجب طيب أردوغان، ورئيس وزرائه بن على يلدريم، مليًا وهما يطلقان هذه التصريحات التى تطفح تفاؤلًا إزاء كلِّ هذه المستجدات بين تركيا ونظام بشار الأسد، التى هى مجرد انعكاس تلقائى للمصالحة التركية - الروسية، التى يمكن تشبيهها بما يسمى بـ«زواج المتعة»، هو أنَّ أوجلان كان قد أطلق تصريحًا، عندما كان يعيش فى دمشق، قال فيه: «إن كردستان سوريا هى الأخ الأصغر الذى يجب عليه التضحية فى سبيل الأخ الأكبر، إذ إن الأولوية فى عملية تحرير كردستان هى للقسم التركى الذى سيحرر بدوره الأقسام الأخرى تلقائيًا».
وحقيقة أن هذا يشكل ردًا من المفترض أن يكون حاسمًا على رئيس الوزراء بن على يلدريم، الذى فى غمرة كل هذه التطورات أطلق تصريحًا تحدث فيه عن أنَّ «سوريا فهمت أن الأكراد يشكلون تهديدًا لها». واللافت أن هذا التصريح قد جاء بعد الغارات الجوية الروسية على الحسكة، مما يعنى أن كل هذا التاريخ القريب ربما غاب عن الـ«آركاداش» يلدريم غيابًا كاملًا، وأنه لم تخطر بباله ألاعيب الأمم قبل أن يطلق هذا التصريح.
كان على «يلدريم» قبل أن يطلق هذا التصريح أن يعرف أن غارات طائرات بشار الأسد على الحسكة هى مجرد وصلة فى مسرحية طويلة كانت قد بدأت مع بداية ثورة الشعب السورى، وأن رئيس ما يسمى حزب الاتحاد الديمقراطى صالح مسلم هو حليف قديم لهذا النظام، وأن حربه مع «داعش» كانت هى أيضًا مجرد مسرحية لتمرير لعبة كَوْنه ذراع نظام دمشق فى الساحة الدولية، والواضح أنه نجح فى هذه اللعبة القذرة، والدليل أن الأمريكيين، إما لغبائهم أو لتآمرهم، قد اخترعوا حكاية «سوريا الديمقراطية» هذه، وقد اختاروه زعيمًا لهذه الـ«سوريا الديمقراطية».
ثم إنه كان على يلدريم قبل أن يذهب بخياله بعيدًا، ويقول إن «سوريا قد فهمت أن الأكراد يشكلون تهديدًا لها»، وهو يقصد صالح مسلم وجماعته وحزبه، أن يتذكر أن مجموعة القياديين الذين برزوا فى الواجهة بالنسبة لحزب العمال الكردستانى - التركى، بعد اعتقال عبدالله أوجلان، قد تخلوا عنه، وانحازوا فى تحالف معلن مع بشار الأسد، وأنهم استنادًا إلى هذا الانحياز قد رفضوا أى علاقة مع المعارضة السورية (المعتدلة)، كما أنهم رفضوا التعاون مع الأحزاب الكردية المنضوية فى إطار هذه المعارضة، ورفضوا أيضًا أى علاقة مع الزعيم الكردى الكبير مسعود بارزاني.
ربما يسمع بشار الأسد الأتراك كثيرًا من الكلام المعسول، إما من قبيل «التقَّية»، أو من قبيل التلاؤم مع التوجهات والمناورات الروسية التى من المفترض أنها مكشوفة معروفة، لكنه فى كل الأحوال سيلعب حتمًا مع رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن على يلدريم اللعبة نفسها التى حاول أبوه لعبها مع سليمان ديميريل، فيقطع علنًا العلاقة مع حزب العمال الكردستانى - التركى، لكنه فى السر يبقى على التعاون الاستخباراتى معه، وهو بالتأكيد سيساعده على زرع خلاياه السرية فى معظم المدن والمناطق التركية، فمصلحته - أى الرئيس السورى - ومصلحة فلاديمير بوتين تقتضى أن تبقى تركيا منهكة مستنزفة منشغلة بأوضاعها الداخلية، وكل هذا وفقًا لمقولة تنسب إلى لينين، يقول فيها: «عليك إنْ أوقعت خصمك أرضًا، ألا تدعه يقف، لأنه إن وقف، سيوقعك أرضًا».
نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»