الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الكاتب الكبير سمير غريب في حواره لـ"البوابة نيوز": الشعب الجاهل لا يمكن أن يحقق تقدمًا.. ومصر لن تتطور بدون مشروع ثقافي

 الكاتب سمير غريب
الكاتب سمير غريب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فتح الكاتب سمير غريب النار على وزير الثقافة حلمى النمنم، والذى وصفه بأنه «وزير غلق الثقافة»، وفى المقابل أشاد بما قدمه الوزير الأسبق فاروق حسنى، رغم إشارته إلى الخلاف بينهما فى أعقاب حريق مسرح بنى سويف، وانتقد غريب تدخل النمنم فى قضية جزيرتى تيران وصنافير بوصفها قضية خلاف سياسى، وطالب الحكومة بالاهتمام بالثقافة لأنها دعامة أساسية للتقدم.
وقال غريب فى حديثة مع «البوابة»، إنه كان يحصد أكبر نسبة قراءة لمقالاته، طيلة فترة عمله كصحفى بجريدة الأخبار بعد رئيس التحرير، لأن رئيس التحرير يعبر عن الدولة وآرائها باعتبارها من أهم الجرائد القومية.
وأشار إلي أنه فى عام ٢٠١١ هاجم الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، من خلال مقال بعنوان «من المسئول عن حريق بنى سويف؟» منددا بالحادثة التى أودت بحياة ٣٠ شخصًا من أهم فنانى ونقاد وكتاب المسرح فى مصر وبعض الأصدقاء المقربين لغريب، وإصابة العديد من الحضور، قائلًا «لم أستطع أن أصرح بسبب رفض فاروق حسنى لى قبل ٢٠١١»، وأضاف أنه قد أبدى انفعاله واستياءه الشديد، مما يحيط بوزارة الثقافة من إهمال وعدم تقدير للمسئوليات المكلفة بها من خلال تلك المقالة، مشيرًا إلي أنه تلقى اتصالًا هاتفيًا من أحد العاملين بمكتب فاروق حسنى يحذره أن الأخير يتوعده، وبعدها صدر قرار بإقالته من رئاسة جهاز التنسيق الحضارى، ونقله للعمل بديوان وزارة الثقافة.
وحول الاتهامات الموجهة إليه بمحاباة فاروق حسنى له، أشار غريب إلى أنه واجه العديد من الانتقادات من قبل الناقد السينمائى سمير فريد، والذى اتهمه فيها بأن فاروق حسنى أنشأ جهاز التنسيق الحضارى ليتولى رئاسته غريب كهدية له، مؤكدًا أنه رد على ذلك من خلال مقال استعرض فيه أنه لا يمكن لوزير ثقافة أن ينشئ هيئة تستهلك الكثير من الوقت والمجهود والتكلفة المادية والإدارية والفنية، لكى يهادى بها أحدًا.
وشدد على أن الفنان فاروق حسنى، هو أفضل من تولى وزارة الثقافة، برغم الخلافات الناشبة بينهما على المستوى الإدارى والوظيفى، مشيرًا إلي أن بداية الخلاف بينهما تعود إلى نهاية التسعينيات، الأمر الذى دفعه لطلب نقله من صندوق التنمية الثقافية عام ١٩٩٨، واستجاب فاروق حسنى لذلك الطلب بعد عام من تقديمه له، حيث نقله إلى دار الكتب قائلًا «حاول يبعدنى قدر الإمكان علشان ماهجموش»، وأضاف أنه بالرغم من تلك المناوشات إلا أنه أشاد بما قدمه من مشروعات ثقافية مهمة، مؤكدًا أن ثروت عكاشة يعتبر أهم من تولى الوزارة قبل عهد فاروق حسنى، ولا ينافسهما أحد فيما قدماه للثقافة المصرية، قائلًا «فاروق حسنى أسس أهم المشروعات الثقافية فى مصر».
وتعليقًا على أداء وزارة حلمى النمنم، أكد أنه كان على معرفة بالكاتب الصحفى حلمى النمنم، منذ بداية عمله كمندوب لمجلة المصور بوزارة الثقافة، والذى وصفه بالدؤوب والطيب ودمث الخلق، ولكن بعد توليه منصب وزير الثقافة، لم يشهد له أي إنجاز يذكر، الأمر الذى يعود لعام ٢٠١١، حيث لم تشهد الوزارة أي تطوير فى الأداء، رغم تعاقب العديد من الوزراء على الوزارة خلال الخمس سنوات الأخيرة، حيث شهدت ٩ وزراء لم يستمر منهم أحد لوقت طويل كى يقوم بإظهار أي إنجازات.. قائلًا «لا يمكن لوزارة أن تنتج فى ظل عدم الاستقرار، فاستقرار الحكومة ينعكس على استقرار الوزراء».
وتابع الكاتب سمير غريب: إن الحكومة الحالية لم تنجز شيئا فى المجال الثقافى، الأمر الذى يؤكد أن الثقافة ليست ضمن اهتمامات الدولة، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لمصر أن تتقدم فى ظل ذلك الإهمال الذى تشهده الثقافة، قائلا «إن أوروبا لم تتقدم وتصبح لديها القدرة على سيادة العالم إلا بعد اهتمامها بالثقافة بداية من عصر النهضة فى القرن الـ١٥»، مشيرًا إلي أنه كان على علاقة صداقة قوية بالمهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق قبل توليه المنصب، مما دفعه لتوصيته بضرورة الاهتمام بالثقافة وأن تكون هى قاطرة التقدم فى مصر، عند توليه رئاسة الحكومة، ولكنه لم يهتم بتلك التوصية والعمل عليها، لأن مسئولى الدولة يفتقرون لأهمية الثقافة فى تغيير الإنسان وتقدم الشعوب.
وحول علاقته بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، أضاف أنه برغم هجومه العنيف على فساد النظام السياسى والاقتصادى أثناء فترة حكم مبارك، إلا أنه أشاد بجهود سوزان مبارك الثقافية، وإدراكها لأهمية الثقافة فى مصر، الأمر الذى ظهر من خلال المشروعات الثقافية التى شهدها عصر مبارك قائلًا فى إشارة إلى فترة حكم جماعة الإخوان وزوجة الرئيس الأسبق محمد مرسى: «لو أم أحمد كانت مدركة لأهمية الثقافة فى المجتمع، كانت نقلتها لزوجها كما فعلت سوزان مبارك».
وشدد غريب على ضرورة إقناع المسئولين بمدى أهمية الثقافة فى البناء الذى حتما لا يبدأ إلا بالإنسان، مشيرا إلى أنه يرفض أن يقتصر مصطلح مثقف على فئة معينة من الناس، لاعتبارها نوعًا من العنصرية، لأن جميع البشر يتمتعون بالثقافة، قائلًا: «الفلاح له ثقافة، والأمى له ثقافة، وخريجو الجامعة لهم ثقافة»، و«هناك خريجو جامعة جهلاء على سبيل المثال بمواسم الحصاد وتغير الفصول وطبيعة الأرض وغيرها من الثقافة التى تكونت عبر إرث طويل تركه لنا حراس الدلتا وصانعو النماء... وهناك فلاحون علماء وخبراء فى كل هذا»، مشيرا إلي أن والده ووالدته كانا من الأميين، وفى الوقت نفسه على دراية ووعى كبيرين بأهمية الثقافة، أنفقا كل ما لديهما من مال فى سبيل تعليمه، الأمر الذى ساهم فى نضوجه.
وأكد أنه طالما كرر ذلك الكلام طيلة ٣٠ عامًا من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ولكن دون جدوى أو اهتمام من أحد، الأمر الذى أدى لانسحاب العديد الكتاب والأدباء وغياب المشهد الثقافى، قائلًا «مصر لن تتقدم دون أن تصبح الثقافة مشروعًا قوميًا، وأن التقدم العلمى والصناعى خلفه ثقافة شعب يعى أهمية ذلك، فالتعليم والتربية هما أساس الثقافة، بعدهما يأتى الدور الحقيقى لوزارة الثقافة، التى تقوم بالمسرح والسينما والموسيقى، كما أن للإعلام دورًا كبيرًا فى ترسيخ الثقافة فى عقول الأجيال الصاعدة، وهذا ما يؤكد خطورة الإعلام».
وحول مسئولية الإرهاب عن تراجع المشهد الثقافى، قال غريب: «ما هى إلا ادعاءات يتكئ عليها من يريد أن يتقاعس عن أداء عمله، لأن ظاهرة الإرهاب طارئة لم تشهدها مصر إلا عقب خلع الرئيس محمد مرسى، ومصر تتراجع وتتخلف منذ أكثر من ٣٠ عامًا، مما يبرهن أن الإرهاب لم يعطل مسيرة التقدم فى مصر، حيث لم تدرك القيادة أن الشعب الجاهل لا يمكنه أن يحقق تقدمًا» متسائلا: كيف تشهد مصر نسبة أمية ٤٠٪ فى القرن الـ٢١؟.
وعن الفعاليات والمهرجانات والمؤتمرات والمعارض الصاخبة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ووصفها بأنها كانت طحنًا بلا ضجيج قال: هذا ليس صحيحا، لقد ساهمت سوزان مبارك حرم الرئيس الأسبق فى تلك النهضة الثقافية، لإيمانها بأهمية الثقافة، إضافة إلى وعيها التام بضرورة إنشاء مشروعات ثقافية ومتابعتها لذلك، ولكن فاروق حسنى كان وزيرًا له رؤية ثقافية لا يمكن إنكارها نظرًا لكونه فنانًا حقيقيًا يمتلك الخيال، بينما كان لمشاركة سوزان مبارك دور كبير فى تلك الإسهامات، نظرًا لما أعطته للثقافة من دعم مادى ومعنوى كبيرين.
وحول تصريحات الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، الخاصة بقضية جزيرتى تيران وصنافير قال «إن ذلك التصريح يؤكد انحيازه وتبعيته للدولة، مؤكدا أن جزيرة تيران مصرية بحكم القانون الدولى لترسيم الحدود البحرية، وليس بحكم قوانين الاتفاقات الدولية»، مضيفا: «إذا تم تطبيق القانون الدولى لترسيم الحدود البحرية على البحر الأحمر، فسوف يؤكد مصرية جزيرة تيران، ولكن الحكومة اعتمدت على المراسلات الثنائية فقط وأغفلت القانون الدولى لترسيم الحدود البحرية، التى تعتمد على قواعد علمية رياضية، ورغم ذلك أكد سمير غريب أنه لا يهم مصرية أو سعودية الجزيرتين على المستويين الاستراتيجى أو السياسى، لأن تلك الأهمية تكمن فى حالة نشوب حرب مع إسرائيل، وقد تم عقد اتفاقية للسلام.
وفيما يخص اتحاد كتاب مصر وما يعانيه من أزمات متلاحقة، قال: «ظهرت الأزمات عقب انتخابات أسفرت عن تشكيل مجلس الإدارة الحالى، الذى قام بانتخاب الدكتور علاء عبدالهادى، رئيس اتحاد الكتاب، صاحب الخبرة الكبيرة داخل الاتحاد، وأبدى دهشته من الاستقالات عقب اختيار عبدالهادى، مشيرا إلى أن المشاحنات جزء من الأمراض النفسية التى أصابت المجتمع المصرى من انقسامات حدثت فى العديد من المؤسسات والنقابات».
وأكد أن فرض الحراسة على اتحاد الكتاب، بمثابة إقرار من أعضائه بإتاحة الفرصة للدولة للتدخل المباشر فى تسيير شئون الاتحاد، الأمر الذى يعود بالسلب على تلك المؤسسة العريقة، مطالبًا بضرورة عقد جمعية عمومية طارئة لطرح الثقة فى رئيس الاتحاد، وعمل انتخابات جديدة، فى إطار ديمقراطى قانونى، قائلا «إن تلك الأزمة التى يمر بها الاتحاد تبرهن على مدى تدنى المستوى الثقافى فى مصر».
وحول قرار وزير الثقافة بتشكيل لجنة تسيير أعمال لاتحاد الكُتاب قال سمير غريب: هذا الأمر ليس من شأنه، كما أن الخطاب الذى أرسله مستشار الوزير يحتوى على العديد من الأخطاء منها، إرساله لجميع الأعضاء وليس لشخص بعينه، كما أنه تجاهل سيدات الاتحاد، فى عبارته «السادة أعضاء اتحاد الكتاب»، مضيفًا أن النمنم ليس مكلفًا بالتحقيق فى الأمر، لأنها ليست من صلاحياته القانونية، متسائلًا «ما العداء الذى يكنه حلمى النمنم للدكتور علاء عبدالهادي؟».
وعن الفن التشكيلى فى مصر قال إنه أفضل بكثير من وضع الرواية والقصة والشعر والمسرح فى العقد الأخير، مشيرًا إلى أن مصر تفتقد التنوع والإبداع الثقافى فى ظل الظروف الراهنة، متسائلًا: «ماذا يفعل وزير الثقافة فى ظل غياب السينما والمسرح والفن التشكيلى والرواية والقصة وغيرها؟.. ماذا يفعل وزير الثقافة فى ظل غياب الثقافة؟».
وتابع: «أصابنى الكثير من الحزن عندما علمت بتتويج فيلم تونسى فى مهرجان برلين السينمائى الأخير عن الثورة التونسية التى تزامنت مع الثورة المصرية عام ٢٠١١، فى ظل غياب تام لمصر الملقبة بـ«هوليوود الشرق» فى المهرجان، الأمر الذى يبرهن علي مدى تراجع الثقافة المصرية كثيرًا»، وقال غريب مازحًا: «لقد أصبحنا بطيخ الشرق وليس هوليوود الشرق».
كما افتقرت الأوبرا للكثير من نشاطاتها، والتى أصبحت تقتصر على حفلات الموسيقى العربية، وعمر خيرت، فى ظل غياب فرقة الأوبرا المصرية، وأوركسترا القاهرة السيمفونى، إلى جانب غياب هيئة قصور الثقافة، وغلق مجلة «الخيال» بحجة أنها عبء على الوزارة وأنها لم تحقق مبيعات، مؤكدا أن تلك المجلة حققت نجاحًا بكل المقاييس، بوصفها المجلة الوحيدة التابعة لهيئة قصور الثقافة يتم توزيعها بشكل جيد وتحقق ربحًا إضافة إلى نجاحها على المستوى التجارى، حيث يرأسها الفنان أحمد الجندى الذى يعد من أفضل فنانى وشعراء مصر، قائلا «النمنم وزير غلق الثقافة، وعدو النجاح»، مشيرًا إلى أن قطاع الفنون التشكيلية فشل فى إصدار مجلة للفن التشكيلى منذ أن كان إدارة تشكيلية وليس قطاعًا، فكيف له أن يعيد إصدار جريدة الخيال؟.
وعن دور خالد سرور، قال إن قطاع الفنون التشكيلية لم يقدم أى نشاط يذكر فى عهد الدكتور خالد سرور، الذى يقتصر دوره علي افتتاح معارض لقاعات عرض تابعة لقطاع الفنون التشكيلية فقط، والتى يقوم بتأجيرها للفنانين بمقابل مادى قائلا «إيه الشحاتة دي!!..الـ٣٠٠ جنيه إيجار القاعة هتغنى القطاع فى إيه؟»، مشيرا إلي أن قطاع الفنون التشكيلية يفتقر لتقديم مقترح جيد، كما يغفل افتتاح المتاحف القومية، والمتاحف الفنية.
وتعليقًا على منع الفنانة لمياء السيد من دخول كلية التربية الفنية بجامعة حلوان بسبب ملابسها القصيرة، قال إنه ضد استفزاز الرأى العام فيما لا يفيد، واصفًا تلك الواقعة بالتافهة، متهمًا الفنانة لمياء باستفزاز الرأى العام لأن «المينى جيب» لا يليق بالحرم الجامعى، مستشهدًا برواية «استخدام الحياة» للكاتب أحمد ناجى، والتى عرضته للسجن بسبب ما تحمله الرواية من خدش للحياء العام، رافضًا سجن أى كاتب بسبب ما أبداه من رأى ولكنه ضد استفزاز الرأى العام، كما فعل ناجى من خلال روايته، قائلا «إن نجيب محفوظ كتب عن الجنس مشاهد صريحة ومثيرة، ولكن لم يستطع أحد أن ينتقد أى كلمة لرقيها وقدرتها الأدبية، مشيرا إلي أن هناك فرقًا بين «الجنس» و«البورنو»، مشيرا إلي أن فترة مراهقته شهدت وجود الكاتب خليل حنا تادروس، كان يكتب روايات جنسية غاية فى الإثارة وكانت تسمح له الدولة بنشر تلك الكتابات وبيعها، ولكنها بقيت عند مستوى المراهقين ولم تدم تلك الأعمال أو كاتبها، لأن الأعمال الجيدة فقط هى التى تبقى وتمتد إلى الأبد.
وطالب الكاتب سمير غريب بضرورة إلغاء تهمة «ازدراء الأديان» فقد سمح الله سبحانه وتعالى بحرية الاختيار بين الإيمان والكفر، فليس من حق العبد أن يحاسب العبد على الإيمان والكفر، مؤكدًا أن قوانين ازدراء الأديان أمر يفتقد للقواعد الثابتة فى الدين.