الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

الأكراد يكسرون غرور أردوغان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بين أنقرة وطهران وبغداد ودمشق مصالح كثيرة وحساسيات قديمة، بينها سموم التاريخ ولعنة الجغرافيا، تلتقى هذه الدول وتفترق، تندرج في أحلاف متصارعة ثم تتصافح وتتحدث عن صفحة جديدة، البند الثابت بين العواصم الأربع هو الخوف من تمسك الأكراد بحلمهم القديم رغم الويلات التي أُنزِلت بهم، واليوم تتصرّف هذه الدول استنادًا إلى قناعة تتردّد في إشهارها، ومفادها أن الأكراد أخطر من «داعش». 
يعرف المتمرّسون في شئون المنطقة وشجونها أن تنظيم «داعش» محكوم بالهزيمة، وأن وجوده أكبر من قدرة المنطقة والعالم على الاحتمال، وأن الإرهاب يحفر قبره بيديه حين يصير له عنوان معروف يمكن الانقضاض عليه، لهذا تتصرف الدول الأربع على أساس أن «داعش» خطر كبير عابر، في حين أن الأكراد خطر هائل ومقيم. 
ليس الخوف من «داعش» هو ما أرغم رجب طيب أردوغان على السير فوق ركام غروره، إنه الخوف من الأكراد، أكراد الداخل وأكراد سوريا، هكذا يمكن فهم رحلته إلى سان بطرسبورغ، ورحلته المقبلة إلى طهران، وإعلان أنقرة قبولها بدورٍ للرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية. 
سلوك أردوغان الجديد شجّع النظام السورى على كشف أوراقه، هو أيضًا يعتقد بأن الأكراد أخطر من «داعش»، الاشتباكات الأخيرة في الحسكة كانت عمليًا أشبه بتبادل الرسائل مع تركيا، الموقف المتشدد من تطلعات الأكراد قد يكون الجسر الذي يمكن ترميمه بين أنقرة ودمشق، رغم الودّ المفقود بين الرئيسين. 
إيران مهتمة بدورها بإعادة تحجيم الأكراد، لا تستطيع قبول أن يطالب كردى إيرانى بوضعٍ شبيه بالذي حصل عليه الكردى العراقى ويتطلع إليه الكردى السورى، لدى انتصار الثورة استقبل الخمينى وفدًا كرديًا زائرًا، طرح الوفد على زعيم الثورة مسألة حقوق الأكراد، فرد بأن المشكلة لن تكون موجودة لأن الثورة إسلامية، لم تحل الثورة مشكلة أكراد إيران، والدليل أن بعضهم استأنف الكفاح المسلح. 
لدى إيران مصلحة فعلية في إجهاض حلم الأكراد السوريين، سوريا الفيدرالية لا يمكن أن تطمئن إيران، فوز الأكراد بحقوقهم يطرح موضوع المكوّنات الأخرى، وبينها الأكثرية السنّية، كبح التطلّعات الكردية يشكل جسرًا جديدًا بين أنقرة وطهران، يضاف إلى المصالح الاقتصادية والرغبة في عدم التقاء القوى الإقليمية السنّية على موقف يضبط شهيات إيران في العراق وسوريا، إيران أيضًا تتصرف على أساس أن الأكراد أخطر من «داعش». 
النقاشات الجارية في بغداد حول دور البيشمركة و«الحشد الشعبى» في معركة تحرير الموصل من «داعش»، تؤكد هي الأخرى التفريق بين خطر كبير طارئ وخطر كبير مقيم، يتصرف بعض القوى المؤثّرة في قرار بغداد حاليًا وكأنها نادمة على ما اضطرت إلى التسليم به للأكراد، رغبة منها في إزاحة نظام صدام حسين، وأغلب الظن أن طهران هي التي أجازت لحلفائها يومها قبول المطالب الكردية قبل الغزو الأمريكى، لاعتقادها بأن إطاحة صدام تشكل مكسبًا استراتيجيًا، وهو ما تبيّن في النهاية. 
شكّل تنظيم «داعش» بعد إطلالته المدوّية خطرًا كبيرًا أقلق المنطقة والعالم، لكن وحشية «داعش» شكّلت في الوقت ذاته فرصة اقتنصتها دول وقوى لتنفيذ أجنداتها، سواء في العراق أو سوريا، فتحتَ لافتة محاربة «داعش» تضاعفت التدخلات الخارجية في العراق وسوريا، أدت الضربات المتعدّدة الجنسية إلى إرغام «داعش» على الانحسار، وإن استمر قادرًا على ارتكاب مجزرة هنا أو هناك، لكن رقصة المواقف وإعادة التموضع بدت مرتبطة بالخطر الكردى الدائم أكثر منها بالخطر «الداعشى» العابر. 
واضح أن المخاض الدموى طويل وعنيف. إن التعامل مع الأكراد انطلاقًا من اعتبارهم ألغامًا مزروعة في خرائط الدول التي يقيمون فيها يُنذر بمزيد من الحروب والتمزّقات، لا تمكن إعادة أكراد سوريا إلى ما كانوا عليه قبل خمسة أعوام، ولا تمكن مطاردة أكراد تركيا إلى الأبد، ولا يمكن حل مشكلة أكراد إيران عن طريق زعزعة استقرار إقليم كردستان العراق. إن رفض الاعتراف بحق الاختلاف مصيبة لا تقتصر نتائجها الكارثية على الأكراد وحدهم. 
نقلًا عن «الحياة» اللندنية