الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجيش والتعليم.. ثنائية الدولة القوية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما تولى «محمد على» حكم مصر كان يريدها دولة حديثة وقوية.. وفى سبيل ذلك اعتمد فى البداية على شيئين فقط «بناء الجيش» و«التعليم».. كان على وعى تام بأنه دونهما لن تنهض مصر النهضة الحقيقية التى يريدها.. فأنشأ المدارس الحربية ومصانع الأسلحة والمدافع بالقلعة وحشد الجنود ونظم صفوفهم، واستطاع أن يؤسس «الجيش المصرى» الذى كان فى عهده قوة عسكرية لا يستهان بها.. وفى نفس الوقت كان اهتمامه بالتعليم جمًا، فقام بإنشاء المدارس فى مختلف العلوم والفنون، وأرسل البعثات التعليمية إلى الخارج واستقدم الأساتذة الأوروبيين لتعليم المصريين، فكانت مصر تمتلك جيشًا قويًا ومعه علماء ومهندسون وأطباء ومدرسون.. صحيح أن المؤرخين يقولون إن «محمد على» أنشأ المدارس المختلفة مثل الطب والهندسة وغيرهما، وكذلك المصانع لخدمة الجيش فى المقام الأول، والعمران فى المقام الثانى، ولكن فى ذلك أيضا عبرة وحكمة من أنه كان يعرف أن نهضة الجيش تأتى من نهضة العلم والصناعة، وأنها تفرق كثيرا أن يكون عندك جيش قوامه ضباط وجنود متعلمون عن أن يكونوا جهلاء.. فقد اعتبر «محمد على» العلم أيضًا سلاحًا يسلح به الجيش وينهض به بمصر، ومن هنا كانت النهضة شاملة وأصبح «محمد على» فعلًا وقولًا مؤسس مصر الحديثة.

هى ثنائية لا يمكن لأى دولة أن تعبر إلى التقدم والنجاح وتصبح دولة قوية دون أى منهما «الجيش والتعليم».. التاريخ والسيناريو الذى تسير وفقه الأمم والدول المتقدمة، هو الذي يخبرنا بذلك.. لست مع من ينتقدون تسليح الجيش، لأن الدولة القوية لا بد أن يكون لديها جيش قوى، يحميها ويصد عنها أى اعتداء أو حتى من تسول له نفسه أن يطمع فيها، وهو حال كل الدول الكبرى وعلى رأسها «الولايات المتحدة الأمريكية» التى تسخر مليارات الدولارات، وكذلك الأبحاث العلمية لخدمة الجيش، وقد بلغت ميزانية الجيش الأمريكى لعام ٢٠١٥ «٥٧٧.١» مليار دولار، وأيضا دول «الاتحاد الأوروبى» والتى تعمل على تسليح وتطوير جيوشها على أعلى مستوى والصين الذى يعد جيشها ثانى جيش فى العالم بعد الولايات المتحدة من حيث الإنفاق، والأول من حيث العدد والذى بلغت ميزانيته العام الماضى «١٤٥» مليار دولار حسب قائمة «المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية» وقائمة «معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولى» لعام ٢٠١٥.

ولكن هذه الدول لا تغفل أهمية «بناء الفرد» بالتعليم والصحة والبحث العلمى.. مثل بناء الجيش وتطوره.. هى دول تعمل على بناء المواطن مثلما تبنى جيوشها.. تهتم بالقوة البشرية كما تهتم بالقوة العسكرية.. فإن القوة البشرية عندهم هى ثروة غالية يجب الحفاظ عليها والاهتمام بها.

فى مصر جيش قوى ويجب أن يكون دائمًا، بالتسليح والتطوير وإنفاق الملايين بل والمليارات على ذلك، لأنه الأساس الذى تبنى عليه الدولة، وأهم عضو فى الجسد الذى ينبض لتستمر الحياة.. جيش مصر العظيم هو من يرد عنها كيد الأعداء، وطمع الغرباء، وخبث المتفرجين أو من يقفون على الحياد كما يدعون.. وطبيعى لأى دولة تريد أن تحافظ على أرضها أن تضع تسليح الجيش ودعم قوته فى دائرة اهتمامها.. فما بالك لو أن قطعة ثمينة من الأرض مهددة دائما بالخطف، ولا تكف أعين الأوغاد عنها، وطبعا أتحدث عن «سيناء» التى ضاعت مرة عام ١٩٦٧ وكادت أن تضيع مرة أخرى بعد أن قررت التنظيمات الإرهابية السيطرة عليها واعتبارها ولاية إسلامية، وما زالت رهن الخطر، ولأن لدينا جيشًا قويًًا، فقد استطاع أن يصد عنها ويحميها ويعد فى حالة حرب الآن لتطهيرها من الإرهاب، الذى انتشر فيها مثل السرطان، هذا بالإضافة للعدو التاريخى الذى يقع على بعد خطوات منا، ويتمنى لنا كل الشر وطبعًا أقصد «إسرائيل» وينتظر الفرصة لينقض علينا، ويترقب أى ثغرة ليهاجمنا منها مرة أخرى بعد أن أخرجناه منها مهزومًا مدحورًا.

غير أن إسرائيل دولة ومنذ إنشائها، وهى تقريبا كل عشر سنوات تدخل فى حرب، وآخرها «لبنان» ٢٠٠٦، كما أن مصر فى الوقت الراهن تقع فى قلب منطقة تعج بالتوترات «حرب فى سوريا، وأخرى على حدودها فى ليبيا، ومثلها فى اليمن» فإنه منطقيًا إذن فى مثل هذه الظروف وعالم على هذا القدر من الجنون، أن تضع الدولة المصرية الجيش فى قمة أولوياتها.. وأن يذهب جزء كبير من الميزانية للأسلحة الحديثة مثل الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية والسفن الحربية، بالإضافة لتطوير أساليب الدفاع والهجوم والتدريبات.

 ولكن فى الوقت نفسه، فإن الجهل والمرض يعم أرجاء البلاد وهو تخريب لما ينفذه الجيش، ويدفع الغالى والنفيس من أجله، فما أهمية أن تدافع عن الأرض وتترك الضعفاء يعيشون عليها بمرضهم وفقرهم وجهلهم.. الجيش القوى يلزمه شعب قوى، لأن الجيش فى النهاية جاء من هذا الشعب ويأتى منه، الجيش يحمى الأرض والشعوب تحافظ عليها وتنميها.. ولذلك فإن بناء المواطن أيضا يحتاج إلى اهتمام ووعى وجزء كبير من ميزانية الدولة، المدارس والبحث العلمى والمصانع والمستشفيات، تحتاج إلى دعم كبير وأن تكون من الأولويات وفى مقدمة الاهتمامات أيضا مثل الجيش تماما، فإن الجيش يحتاج لمن يدعمه بالعلم والمعرفة والقوة البدنية والفكرية وليس الأسلحة فقط. ولدينا مثال قوى فى هذه المسألة والقضية الشائكة.. وهو دولتا «كوريا الشمالية» و«كوريا الجنوبية».. فإن «كوريا الشمالية» اعتمدت على تسليح الجيش فقط، ولم تهتم بالتعليم والبحث العلمى وبناء الفرد، والنتيجة عداء لجميع دول العالم، باستثناء أربع أو خمس دول وعقوبات اقتصادية وخطط لتجويع شعبها الذى أصبح ضعيفًا للغاية، مما يبشر بانهيار الدولة بشكل كامل، أما «الجنوبية» فقد نحت الجيش جانبًا ولم تعمل على وجود جيش قوى مسلح ومطور، بينما ذهبت كل موارد واهتمامات الدولة إلى التعليم والبحث العلمى، والنتيجة دولة متقدمة ورائدة فى مجال الصناعة والتجارة والبحث العلمى، ولكنها مهددة بالاجتياح فى أى وقت، لأنه ليس لديها جيش يحميها ويدافع عنها، وإذا تحرك الأسطول الأمريكى الذى يحميها ويصد عنها قليلًا، فإنها معرضة للاعتداء من أى دولة أخرى وقد تستطيع كوريا الشمالية أن تأخذها فى لحظة.. أى أن الدول القوية والمتقدمة يجب أن تحقق التوازن بين الجيش والتعليم وأيضًا الصحة.. أن تبنى المواطن كما تبنى الجيش، لأن الشعب هو اغلى سلاح تحافظ به على الوطن وتساند به الجيش.

لدينا قوة عسكرية ولكننا أغفلنا القوة البشرية التى أنهكها الجهل والمرض والفقر.. ولن يتقدم الوطن دون تحقيق التوازن المنشود بين الجيش والتعليم والصحة، دون أن نحقق التنمية فى البشر كما نحقق قوة الجيش، قد يكون ذلك صعبًا ولكنه ليس مستحيلًا