السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غياب ثقافة التنمية المستدامة في المجتمع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طالعت بدقة ردود أفعال الكتاب والمعلقين من جميع الاتجاهات السياسية على موضوع قرض البنك الدولى الذى اتفقت عليه الدولة مؤخرًا.
وبالرغم من أن بعض التعليقات التى اتسمت بالموضوعية كانت اتجاهات إيجابية فى مجال قبول فكرة القرض باعتباره سيساعد على تصحيح مسار الاقتصاد المصرى المتعثر بشدة بحكم تصاعد الدين الداخلى من ناحية، والعجز الدائم فى الموازنة من ناحية أخرى، وارتفاع سقف الدين الخارجى إلى آفاق غير مسبوقة إلا أن بعض التعليقات الأخرى لم تكن مرحبة بفكرة القرض فى ذاتها وحذرت من آثاره السلبية، خصوصا إذا ما ارتبط بالسعى إلى الرفع التدريجى للدعم مما يؤثر على حياة غالبية المواطنين.
والواقع أنه بعد المسح شبه الكامل للتعليقات المنشورة على قرض البنك الدولى تبين لى أن أحد أسباب الخلافات الأساسية بين المناصرين للقرض والمعترضين عليه هو الغياب شبه الكامل لثقافة وأدبيات التنمية المستدامة فى المجتمع المصرى، سواء بين النخب السياسية والثقافية أو بين جماهير الناس العاديين.
وأقصد بذلك على وجه التحديد أننا نعيش - على مستوى العالم - منذ عقود طويلة، وربما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، فى زمان عالمى جديد يمكن أن نطلق عليه «الزمان التنموى».
ونقصد من ذلك على وجه التحديد أن قضية التنمية أصبحت تشكل القضية الرئيسية التى تشغل بال الحكومات المختلفة فى الغرب وفى الشرق على السواء.
بل ويمكن القول إن الاهتمام الشديد بقضية التنمية برز فى دول العالم الثالث على وجه الخصوص، لأنها خضعت طويلًا للاستعمار الغربى الذى استغل ثرواتها ومواردها مما أدى إلى سيادة ظاهرة التخلف بكل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن هنا كان اهتمام الدول الوطنية التى استقلت وتحررت من نير الاستعمار الغربى هو التنمية الشاملة.
ولكن فى ظل أى نظرية؟
كان هذا هو السؤال المحورى الذى تعددت الاجتهادات فى الإجابة عنه نظرًا لأن العالم انقسم بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية إلى عالمين متمايزين. الأول هو العالم الرأسمالى الذى قادته الولايات المتحدة الذى يؤمن إيمانا شديدا بحرية السوق المطلقة وتحريم تدخل الدولة فى الاقتصاد، والثانى هو العالم الاشتراكى الذى قاده الاتحاد السوفيتى والذى كان - على العكس - يؤمن بالتخطيط وإخضاع السوق لرقابة الدولة.
غير أن انهيار الاتحاد السوفيتى أثر تأثيرًا شديدًا على صحة منطلقات الاقتصادات المخططة، وفتح الباب واسعًا أمام تحول عديد من الدول إلى اقتصاد السوق، ومن بينها - على سبيل المثال - الصين التى استطاعت أن تقفز إلى صدارة الدول المتقدمة اقتصاديًا وتكنولوجيًا.
ومع ذلك يمكن القول إن الأمم المتحدة قامت بدور رائد فى مجال صياغة ما يطلق عليه نظرية «التنمية المستدامة». وهى تقوم على أساس التحديد الدقيق لمؤشرات التنمية التى ينبغى على الدول تطبيقها بدقة لتحقيق التنمية الشاملة.
ويمكن القول إن المعرفة الدقيقة بهذه المؤشرات موجودة فى مصر، خصوصًا فى المراكز البحثية المتخصصة وفى مقدمتها معهد «التخطيط القومى»، ولدى أساتذة الاقتصاد، إلا أنها غائبة تمامًا لدى أعضاء النخب السياسية، تقليدية كانت أو حديثة، وكذلك لدى أعضاء النخب الثقافية.
ومن هنا يأتى تفسير التعليقات السطحية على أمور الاقتصاد التى نراها منشورة فى وسائل الإعلام، والتى يتسم بعضها بصيغة أيديولوجية غير علمية.
وفى تقديرنا أن أحد جوانب التقصير الجسيمة فى الثقافة المصرية الراهنة هو عدم التعريف الدقيق بمؤشرات التنمية، ومحاولة تطبيقها بشكل خلاق على التنمية المصرية.
بل إنه يمكن القول إن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تطبق بشكل متكامل مؤشرات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مما أدى إلى الانحراف الشديد فى مجال التنمية المصرية التى اتجهت للأسف الشديد إلى الانحياز المطلق لطبقة رجال الأعمال والطبقة الغنية المترفة فى المجتمع على حساب الطبقات الوسطى والفقيرة.
مع أن التطبيق الدقيق لكل مؤشرات التنمية التى وضعتها الأمم المتحدة كان من شأنه أن يحدث نوعًا من التوازن الطبقى فى المجتمع، ويحقق إلى حد كبير العدالة الاجتماعية، والتى كانت أحد شعارات ثورة ٢٥ يناير، وتحت يدى التقرير الأساسى الذى أصدرته الأمم المتحدة فى أكتوبر ٢٠٠٧ (الطبعة الثالثة) وعنوانه «مؤشرات التنمية المستدامة: القواعد الأساسية والمنهجيات»، وهو بمضمونه الشامل يعبر أبلغ تعبير عما أسميه «ثقافة التنمية المستدامة» التى ينبغى نشرها على أوسع نطاق سواء بين النخب السياسية والثقافية أو بين الجماهير بشكل عام.
وهذه المؤشرات يصل عددها إلى أربعة عشر مؤشرًا تشمل كل جوانب الحياة فى المجتمع.
وحتى نأخذ فكرة إجمالية عن هذه المؤشرات التى ينبغى الحديث عنها بالتفصيل فهى تتعلق بالفقر، والمحكومية، والصحة، والتعليم، والسكان، والمناخ، والأرض، والمحيطات والشواطئ، والمياه النظيفة والتنوع البيئى، والتنمية الاقتصادية، والشراكة الاقتصادية الكونية ونماذج الاستهلاك والإنتاج.